مخاطر وتداعيات التحريض الإسرائيلي على الأونروا بالقدس
القدس – تصاعدت مؤخرا حدة التحريض الإسرائيلي على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وعلى مقراتها في القدس المحتلة.
فبعد أيام من الكتاب الذي وجهه أرييه كينغ نائب رئيس بلدية الاحتلال إلى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وطالبه بإخلاء الوكالة الدولية من مقراتها في حي الشيخ جراح بالقدس طالب كينغ بإخلاء كلية تدريب قلنديا شمالي المدينة أو ما عُرف تاريخيا بـ"مركز التدريب المهني" التابع للأونروا، بادعاء أنها استولت على العقارات في القدس دون تصريح.
ويطالب كينغ بإخلاء المركز الذي يقول إنه أقيم على أرض مساحتها 85 دونما (الدونم ألف متر مربع) وإن هذه الأرض اشتراها يهود في بداية القرن الـ20 وتبرعوا بها لصندوق مخصص لتطوير الاستيطان اليهودي في القدس، حسب ادعائه.
عنوان اللاجئين
وفي 14 يناير/كانون الثاني الماضي طولبت وكالة الغوث بدفع دين بأثر رجعي قيمته 17 مليون شيكل بادعاء إنشاء مبانٍ واستخدامها دون تصريح أو موافقة مما تسمى "سلطة أراضي إسرائيل".
ومساء الاثنين شارك عشرات المستوطنين في مظاهرة دعا لها كينغ أمام مقر الوكالة للمطالبة بإغلاقها، وهتفوا ضدها ورفعوا شعارات تتهمها بـ"الإرهاب" والعلاقة مع حركة حماس.
وقال مصدر مطلع في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) للجزيرة نت إن كلية تدريب قلنديا هي أول كلية أنشأتها الوكالة في فلسطين، وكان ذلك عام 1953 على مساحة 88 دونما.
وتقع الكلية شمالي القدس المحتلة ومقابل مخيم قلنديا للاجئين الذي عزله الجدار عن المدينة، ويقدّر عدد طلبتها حاليا بـ270 طالبا يمتد تعليمهم من عام إلى عامين.
والسؤال المطروح الآن في ظل الملاحقة الإسرائيلية هو: كيف سيكون الحال مع بدء التسجيل للعام الدراسي الجديد في صيف عام 2024؟
هدم في الكلية
تقدم الكلية برنامج تدريب مهني منوعا يشمل 14 تخصصا، بالإضافة إلى خدمات عدة للملتحقين بالكلية، مثل السكن الداخلي للطلبة من خارج رام الله (المدينة الأقرب للكلية شمال القدس) وممرض ومرشد مقيم لتوعية وإرشاد الطلبة.
وتضم الكلية قسم توجيه وإرشاد مهني لمساعدة الطلبة في مجالي التدريب والانخراط في سوق العمل، ويتراوح عدد خريجيها السنوي بين 250 و300 خريج في كافة التخصصات.
ويعد المركز واحدا من 8 مراكز للتدريب التقني والمهني تتبع للأونروا، وتعمل على تسليح لاجئي فلسطين الشباب بالمهارات والخبرات المناسبة لأسواق العمل في الشرق الأوسط، وفقا لتوضيح الوكالة.
وادّعت بلدية الاحتلال في القدس قبل نحو عام أن هناك وثائق رسمية تثبت أن الأونروا استأجرت الأرض، وقالت إنها بحاجة لهدم جزء من المبنى لتوسعة الطريق بسبب كثافة البناء في المنطقة.
تجاهلت الوكالة هذا الادعاء ورفضته، ودعت الفلسطينيين إلى تسجيل أبنائهم في الكلية بشكل اعتيادي، وفقا لما قاله المصدر المطلع في الأونروا للجزيرة نت.
حملة مختلفة
لكن الرياح لا تزال تجري بما لا تشتهيه سفن الوكالة الدولية التي تواجه محاولات لتصفيتها وإنهاء وجودها.
وفي تعقيبه على ذلك، قال مدير مركز "بديل لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين" نضال العزة للجزيرة نت إن الحملات الإسرائيلية التي تستهدف الأونروا ليست جديدة، لكنها مرتبطة هذه المرة بمشروع سياسي أصبح أكثر وضوحا.
وأوضح العزة أن "الحملات السابقة كانت تستهدف الأونروا على اعتبار أنه إذا أنهي عملها فسيتم إنهاء ملف اللاجئين، لذلك كان الحديث يدور حينها عن عدم كفاءتها أو فسادها أو محاولة نقل المسؤوليات إلى الدول المضيفة أو مؤسسات دولية أخرى أكثر شفافية".
أما الآن -يقول العزة- "فتلصق إسرائيل بالوكالة وببعض موظفيها تهمة الإرهاب لتسويق السلطة المراد إنشاؤها في غزة في اليوم التالي للحرب".
وأشار مدير مركز "بديل" إلى أنه في الحروب السابقة كان يتم اللجوء دائما إلى المؤسسات الدولية وبشكل أساسي للأونروا للإشراف على مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب، وكانت الوكالة جزءا من التخطيط لإعادة الإعمار واستقبال الأموال وتوزيعها والإشراف على ذلك.
أما الآن فبات واضحا -وفقا للعزة- أن المقصود هو إقصاء الأونروا، ودفع الناس للتعامل مع السلطة المراد إنشاؤها في غزة ولو كانت سلطة حكم عسكري، لأنهم سيحتاجون في نهاية المطاف إلى المأوى والصحة والتعليم وسيجبرون على التعامل مع السلطة الجديدة.
أثر إستراتيجي
لا يمكن الحديث عن محاولات تصفية وكالة غوث اللاجئين دون العودة إلى أواخر عام 2017 عندما اعترف الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل وقراره نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى العاصمة المحتلة، حسب نضال العزة.
وقال إنه كان لا بد من التخلص من المسؤولية الدولية في ما يتعلق بشرقي القدس حينها، وكان الإعلام الإسرائيلي شريكا أساسيا مع السياسيين الإسرائيليين وإدارة ترامب في التسويق لفكرة الاعتراف بالقدس بشطريها "عاصمة موحدة لإسرائيل".
وترافق ذلك مع حملة على الأونروا طالب خلالها أعضاء كنيست ووزراء بإغلاق مقراتها في القدس بادعاء أنه لا يجوز أن تكون فيها مؤسسات دولية تتعامل مع المدينة باعتبارها جزءا من أراض فلسطينية محتلة.
وعند سؤاله: ماذا يعني أن يستفيق المقدسيون يوما دون وجود الأونروا ومؤسساتها التعليمية والصحية؟ أجاب العزة أنه بالإضافة إلى الأثر الإنساني المباشر على الناس من خلال إغلاق المؤسسات التي تقدم الخدمات بشكل مباشر لهم فإن هناك أثرا سياسيا إستراتيجيا يتمثل في نزع المسؤولية الدولية عن السكان الفلسطينيين داخل القدس وتركهم للسيادة الإسرائيلية بشكل كامل.
وتقدم الوكالة خدماتها لـ110 آلاف لاجئ فلسطيني في القدس، سواء أولئك الذين يعيشون في مخيمي شعفاط وقلنديا الواقعين داخل حدود البلدية أو الذين يعيشون في أحياء المدينة المختلفة ويعتمدون على الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدمها الوكالة منذ عام 1950 ضمن الولاية الممنوحة لها من الجمعية العامة للأمم المتحدة.