الانتخابات الإيرانية بين عقبة نسبة المشاركة والسلوك المحلي للناخبين
طهران- تتوقع الأوساط الإيرانية أن تشكل المشاركة الشعبية عقبة مهمة في الاستحقاق الانتخابي المقبل، على غرار الانتخابات الرئاسية لعام 2021، وذلك في ضوء عزوف العديد من الشخصيات البارزة عن الترشح، أو استبعاد آخرين وفقا لآلية "الرقابة الاستصوابية" التي تقرر أهلية المرشحين.
وهناك من يرى أن انتخابات البرلمان، لها طابع محلي، وأن سلوك المواطنين فيها يختلف عن سلوكهم في الانتخابات الرئاسية. ويرجع ذلك إلى أنهم لا يرضخون فيها للاصطفافات السياسية والحزبية وتكون تفضيلاتهم محلية ومناطقية، وربما قبلية وعائلية.
إضفاء شرعية على النظام
يقول الباحث السياسي أحمد زيد آبادي للجزيرة نت إن "الجمهورية الإسلامية اعتبرت دائما مستوى المشاركة العامة في الانتخابات دلالة على دعم الشعب للنظام السياسي"، وقد حاججت بذلك المنتقدين والمعارضين المحليين والأجانب، باعتبار أن نظامها يمتلك شرعية مدعومة من غالبية الشعب الإيراني.
وأضاف أن عدم مشاركة أغلبية الشعب في الانتخابات يشكل تحديا "لادعاء" النظام بالاعتماد على صوت الأغلبية، وهو ما يثير انتقادات المعارضين أيضا.
يرى زيد آبادي أن "البيئة العامة التي يمكن تفسيرها بأنها استنفار للروح الجماعية"، تلعب دورا مهما في مشاركة الإيرانيين في الانتخابات، حيث تعتمد هذه الروح الجماعية على الأمل أو اليأس من المستقبل، والوضع الاقتصادي، والرضا الاجتماعي، والسياسات الخارجية.
ويختم بالقول إنني "أرى أن الروح الجماعية للمجتمع الإيراني ابتعدت عن صناديق الاقتراع، ولا تظهر أي حماسة لها".
السلوك المحلي
رأى المحلل السياسي مختار حداد، أن المشاركة الشعبية مهمة دائمًا، حيث إن الثورة الإسلامية تؤكد دور الشعب في تقرير مصيره. وعلى سبيل المقارنة، يقول إن آخر انتخابات برلمانية بفرنسا، لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 20%، بينما في آخر انتخابات برلمانية بإيران، بلغت هذه النسبة 47%.
وقال للجزيرة نت، إنه بناء على هذا، لا يعتقد أن هناك تحديا كبيرا في هذا الشأن، حيث توقع أن تشهد الانتخابات المقبلة في إيران مشاركة عالية، موضحا أن الانتخابات البرلمانية مختلفة عن الرئاسية وتكون ذات طابع محلي، "فإذا عزلنا العاصمة طهران التي يتسم السلوك الانتخابي فيها بالسياسي والحزبي، فستشهد الانتخابات الإيرانية مشاركة عالية في المدن الأخرى".
في هذا الصدد، أوضح حداد أن الانتماءات السياسية في المدن الكبرى وخاصة العاصمة تلعب دورا كبيرا في السلوك الانتخابي. لكن بشكل عام في الانتخابات البرلمانية يكون للقضايا الاقتصادية والاجتماعية دور مهم، إلى جانب الاهتمامات الفردية للمرشحين وتأثيرها في قرارات الناخبين.
تصاعد الخطاب الحربي
اعتبر المحلل السياسي ورئيس مقر انتخابي محسوب على التيار الإصلاحي مهدي شيرزاد، أن نسبة المشاركة في الانتخابات تشكل تحديا لكل ديمقراطية في العالم ليس إيران فقط، لكن ما يضفي أهمية أكثر بالنسبة للانتخابات الإيرانية الحالية هو أنها تتم في الوقت الذي تشهد فيه البلاد منذ عامين تناسقا في السلطات، أي أن فكرا وتيارا واحدا يسيطر على الحكم.
من جانب آخر، يقول شيرزاد للجزيرة نت، إن إيران تمر بظروف خطيرة وحساسة على المستوى الدولي بالإضافة إلى التوتر الإقليمي، وهذا يضاعف أهمية الانتخابات للسلطات ونسبة المشاركة فيها.
لكنه يقول إن التيار الأصولي الذي يحكم الآن لا يلتفت إلى هذه الأهمية ويصر على اعتماد انتخابات مغلقة، واللجوء إلى إقصاء المرشحين من التيار المناهض للحكومة، "ويبدو أن أجزاء من النظام لا تريد نسبة مشاركة عالية".
وتابع شيرزاد أن هناك محددا آخر يُضاف لأهمية هذه الانتخابات على الصعيد السياسي "وهو أن قسما ممن يمكننا تسميتهم بـ"الآخر" أي الفكر والتوجه المختلف عن الحكومة والذي يتمثل بالتيار الإصلاحي قرروا مقاطعة الانتخابات، بينما هناك قسم آخر من التيار نفسه يعتقد بالحفاظ على العملية الانتخابية من خلال المشاركة الفعالة بالانتخابات".
وقال إن هذا الخلاف بالآراء في البيت الإصلاحي، خرج إلى العلن وأدى إلى ولادة حركة سياسية جديدة من قلب الحركة الإصلاحية، وبرأيه "هذا مهم بالنسبة للمشهد السياسي في إيران".
المقاطعة تشكل تحديا
ورأى شيرزاد أن التحدي الرئيسي للانتخابات في إيران هو أن أغلبية المجتمع يعتقدون أن صوتهم في الانتخابات لا يحدث تغييرا، ولا ينشئ تأثيرا في المشهد السياسي والوضع العام في البلد.
وأردف أنه حتى هذه اللحظة يبدو أن الناس في المدن الكبرى لا يعيرون اهتماما للانتخابات، ويبدو المشهد وكأن الناس يتعاملون مع الانتخابات بلا مبالاة ومقاطعة ناتجة عن غضب.
وفي ما يخص السلوك الانتخابي للمواطن الإيراني، أكد شيرزاد على أهمية أن يشعر المواطنون بأن صوتهم الانتخابي له تأثير في السياسات وإدارة البلد.
وأوضح أن في كثير من المدن هناك سلوك محلي مناطقي يغلب على السلوك السياسي العام في العملية الانتخابية، كما أن بعض الفئات كالمتقاعدين أو المعلمين لا تهمهم السياسات العامة، بل النائب الذي يلبي مطالبهم.
وختم بالقول إن "الرأي العام لا يزال فاقدا للاهتمام والشغف بالمشاركة في الانتخابات، ولن نشهد نسبة مشاركة جيدة، لكن هناك مخاوف لدى الناس بشأن تصاعد الخطاب الحربي تجاه البلد، مما قد يدفعهم في قادم الأيام إلى المشاركة".