التعليم عن بُعد ملاذ الفلسطينيين بالضفة في ظل التصعيد الإسرائيلي
الخليل – في ظل التصعيد الإسرائيلي بالضفة الغربية وتزايد اعتداءات المستوطنين، سرعان ما تحولت عشرات المدارس إلى التعليم عن بُعد، مستفيدة من تجربتها خلال انتشار فيروس كورونا عام 2020.
فمن جهة شكّلت التجربة حبل نجاة وملاذا للطلبة من رصاص الاحتلال، ومن جهة أخرى حبل نجاة للحكومة غير القادرة على دفع رواتب كاملة لموظفيها بمن فيهم المعلمون.
ووفق تقرير لوزارة التربية والتعليم، فإن 46 طالبا استشهدوا، و294 أصيبوا، و91 اعتقلوا، في الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و13 فبراير/شباط الجاري، فيما جرح 6 معلمين واعتقل أكثر من 71، وتعرضت 46 مدرسة لاعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين خلال الفترة نفسها.
ملاذ آمن
تعد تجربة المدارس في البلدة القديمة بالخليل التي تنتشر فيها البؤر الاستيطانية، نموذجا حيا على أهمية التعليم عن بُعد في تغطية ولو كان جزءا من احتياجات الطلبة التعليمية، خصوصا أن المدارس فيها تخضع لحظر تجول في أغلب الوقت منذ تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
يقول مدير التربية والتعليم بمدينة الخليل عاطف الجمل للجزيرة نت إن "4 مدارس يلتحق بها ما لا يقل عن 600 طالب وطالبة، لم تتمكن من الانتظام في التعليم الوجاهي (في المدارس) نتيجة إغلاق البلدة القديمة".
وأضاف أن تلك المدارس لجأت للتعليم الإلكتروني فكان ملاذا بالنسبة للطلبة والمعلمين لتجاوز إجراءات الاحتلال، لكن ذلك "لا يغني تماما عن التعليم الوجاهي لمساندة التعليم عن بُعد، وضرورة عودة الحياة إلى طبيعتها ومنها المدارس".
ووفق وزارة التربية والتعليم فإن مئات آلاف الطلبة يخوضون تجربة التعليم المدمج، إلكترونيا في بعض الأيام ووجاهيا في أيام أخرى، فيما تحولت بعض المناطق الواقعة قرب نقاط التماس والاحتكاك مع الاحتلال إلى التعليم عن بُعد بشكل كامل.
ويقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور للجزيرة نت إن الوزارة اضطرت مع بدء العدوان على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى التحول للتعليم عن بُعد، في آخر شهرين من الفصل الدراسي الأول (نهاية 2023).
وأضاف أن "التجربة مستمرة بالكامل مع نحو 30 ألف طالب وطالبة، في حوالي 100 مدرسة تقع في مناطق التماس، بهدف توفير الأمان للطلاب وإبعادهم عن مناطق الاحتكاك مع جيش الاحتلال والمستوطنين".
وقال إن "التجربة أتاحت للوزارة التحقق من مدى الجاهزية في حال استمر العدوان أو امتد لمناطق أخرى في الضفة، وهو ما حصل خلال الاقتحامات الإسرائيلية واجتياحات جنين وطولكرم وغيرهما".
تحديات وصعوبات
ورغم أهمية التجربة، يشير الخضور إلى جملة تحديات، منها تدمير البنية التحتية وشبكات الاتصال خلال الاقتحامات، ووجود عدد كبير من الطلبة في الأسرة الواحدة؛ ما يعني حاجتهم لمزيد من الأجهزة، فضلا عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الضفة، وتفاوت التزام الطلاب بحضور دروسهم.
ويقر المسؤول الفلسطيني بأن "عدالة التعليم لا تتحقق في التعليم عن بُعد كما في التعليم الوجاهي، نظرا لارتفاع نسبة الغياب".
أما من ناحية المعلم، فيقول الخضور إنه "شكّل علامة فارقة، وإنه أهل للعطاء سواء في التعليم الوجاهي أو عن بُعد"، ويضيف أن المعلمين "راكموا على خبرتهم التي اكتسبوها في فترة كورونا، وباتت الأمور أسهل، مع وجود بعض الإشكاليات الناتجة عن وجود طلبة ومعلمين جدد، ونسيان البعض إجراءات العمل على برامج التواصل".
وتابع أن "الوزارة تسعى لتبني التعليم الوجاهي قدر الإمكان، واللجوء للإلكتروني عند الضرورة وفي الظروف الميدانية أو الجوية الصعبة".
حضور نسبي
من جهته، يقول زياد الدرابيع، وهو مدير مدرسة جنوبي الخليل، إن "التعليم الإلكتروني ضرورة، وهو الحل الوحيد في حال كون المنطقة التي تقع فيها المدرسة غير آمنة، وتخضع لإجراءات الاحتلال أو انتشار المستوطنين، أو تمنع الحواجز فيها وصول الطلاب أو المعلمين".
ومع ذلك، يشير في حديثه للجزيرة نت إلى وجود "عقبات كثيرة من بينها وأهمها أن معظم المعلمين غير جاهزين للتعليم عن بُعد، لأن برامج التواصل بحاجة للتحضير واستخدام وسائل وطرق تعليم وتعلّم غير تقليدية من فيديوهات ورسومات، وهذا يتطلب تدريبا وإتقانا".
وأشار المدير إلى مشكلة "انقطاع خدمة الإنترنت أو ضعفها في كثير من المناطق، كما أن بعض الأسر والمعلمين غير قادرين على دفع رسوم الإنترنت بسبب الأوضاع الاقتصادية"، موضحا أن هناك "عدم التزام من قبل الطلبة بنسبة تصل إلى 50% أحيانا".
ومع تأكيدهم على أهمية التعليم الإلكتروني، يربط معلمون تحدثوا للجزيرة نت بين توجه الوزارة للتعليم عن بعد، وبين عدم قدرة الحكومة على صرف رواتب المعلمين كاملة من جهة، وقطع الطريق على أي إضرابات أو احتجاجات في حال إصرارها على التعليم الوجاهي من جهة أخرى.
ووفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2022، فإن نحو 93% من الأسر الفلسطينية في الضفة تصلها خدمة الإنترنت، فيما بلغت نسبة الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت من عمر 10 سنوات فأكثر وفي أي مكان نحو 92%.
وعلى صعيد الأجهزة، بلغت نسبة الأفراد الذين يمتلكون هاتفا ذكيا بعمر 10 سنوات فأكثر 83% في الضفة الغربية، فيما بلغ عدد خطوط الهاتف الثابت بما في ذلك المنزلي والتجاري والحكومي في كل فلسطين نحو 457 ألفا و700 خط.