كيف يعيش الهندوس والسيخ في أفغانستان؟
كابل- في التاسعة صباحا يتوجه الحكيم "إيشر سينغ" إلى دكانه في شارع العطارين الهنود في منطقة كابل القديمة. ويُعرف سينغ بعمامته السيخية الداكنة ولحيته الطويلة التي تميزه عن غيره من الأفغان الذين يرتادون السوق، ويُلقب بالحكيم لأنه متخصص في الطب الشعبي.
ويقول "لم نتعلم هذه المهنة في المدارس أو الجامعات وإنما توارثناها عن آبائنا وأجدادنا الذين جاؤوا من البنجاب، أما الأدوية التي أستخدمها فأقوم بتحضيرها من أعشاب ومواد طبيعية تجلب من الهند وباكستان، وأعمل منذ أكثر من 20 عاما في هذا المجال ولدي الكثير من المراجعين".
و"إيشر" هو أحد أفراد الأقلية السيخية والهندوسية التي تسكن أفغانستان وتعتبر الأقلية الوحيدة غير المسلمة بعد هجرة آخر يهودي من البلاد، ويعيش مع أسرته في كابل وهي إحدى العائلات القليلة المتبقية منها بعد أن هاجر معظمهم بسبب الحروب واستهدافهم في عدة تفجيرات على مدى السنين.
ملتقى حضارات
وتبقت 1500 عائلة هندوسية في أفغانستان منها 320 في كابل، بينما ينتشر الباقون في ولايات جلال آباد وقندهار وغزني وبكتيا وغيرها، ويعمل معظمهم في التجارة والطب الشعبي والعطارة وغيرها.
وعن تاريخ وجودهم في أفغانستان، يوضح سينغ أن معظم الروايات التي سمعوها من أجدادهم تقول إنهم وصلوا إلى البلاد في القرن الـ18 عبر التجار الهنود الذي كانوا يأتون إلى هذه المناطق، واستقر بعضهم فيها، وكان عددهم كبيرا في الماضي، ولكن بسبب الحروب هاجر كثير منهم إلى الهند وكندا وبلدان أخرى.
ونظرا لموقع أفغانستان على طريق الحرير قديما، فهي تعتبر ملتقى لحضارات مهمة، ومن أهم المراكز التجارية، فتشكلت فيها فسيفساء غنية من الثقافات الفارسية وآسيا الوسطى وشبه القارة الهندية.
وبشأن بقائه فيها، يقول سينغ "أفغانستان هي وطني، لا أحب المغادرة إلى مكان آخر، هاجر بعض أقاربي إلى الهند بعد حدوث تفجيرات استهدفت معابدنا، ولكنهم لم يكونوا سعداء هناك وكانوا يعامَلون على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فعادوا بعد ذلك إلى أفغانستان، أما أنا فليس لدي أي نية بالهجرة".
بدوره، يقول حاجي فضل الرحمن -أحد أصدقاء سينغ وجاره في السوق- "نحن جيران منذ أكثر من 20 عاما، لم نر منه إلا كل خير، نتناول الطعام أحيانا معا، ولكنه لا يأكل لحم البقر معنا، ويقول إننا نشرب حليبها فهي إذن والدتنا فكيف نأكل لحمها"، ويضحكان سويا.
حرية دينية
وبشأن حريتهم الدينية، يوضح سينغ أن معظم الهندوس يعيشون قديما في حارة الهنود في منطقة "عاشقان وعارفان" في كابل القديمة، وكان لهم هناك معبد "درمسال"، وخلال الـ40 عاما الماضية هاجر أكثر من 5 ملايين أفغاني خارج البلاد ومعهم معظم الهندوس والسيخ الأفغان.
ووفقا له، انتقل ما تبقى من أقليته للعيش في مناطق كابل الجديدة وخاصة "كارته بروان"، و"كان لهم عشرات المعابد، أما اليوم فلا يملكون إلا واحدا في "كارته بروان" تعرض لعدة حملات قتلت العديد منهم". ويوضح أنهم يصلّون مرتين في اليوم بالمعبد في الصباح والمساء، ولديهم مدرسة دينية ملحقة بالمعبد يرتادها أبناؤهم حيث يتعلمون دينهم بلغتهم الأم البنجابية، ولديهم عيدان في السنة، هولي (الألوان) في الربيع، وديوالي في الخريف.
ويُعد الهولي أول أعياد الهندوس في السنة، ويكون في بداية الربيع احتفالا ببدء موسم الزراعة وخصوبة الأرض ووداع فصل الشتاء، أما الديوالي فهو في أول الخريف، ويشكل بداية العام الهندوسي الجديد، فيبشر ببدايات جديدة، ويمثل انتصار الخير على الشر والنور على الظلام.
وأكد سينغ أنهم يتمتعون بكامل الحرية في تنظيم أعيادهم، وتستمر احتفالاتهم 5 أيام تتخللها طقوس الاغتسال والتوجه إلى المعبد للصلاة، وتدليك أجسامهم بالزيوت وتزيين بيوتهم بالزينة والورود، وتعد النساء حلوى "الميتايي" ويوقدون الشموع، ويلتقون مع أقاربهم وأصدقائهم، وفي المساء يطلق الأطفال والشباب الألعاب النارية، ويتناولون العشاء مع عائلاتهم ويتبادلون الزيارات.
أما عن تقاليدهم في الزواج، فيقول سينغ "نحن الهندوس والسيخ الأفغان نفضل الحفلات البسيطة، وتشترك عائلتا الزوج والزوجة في التكاليف، وإذا عجزوا عنها يقدم لهم المعبد المساعدة".
حماية الحقوق
على مدى التاريخ، لم يحظ الهندوس والسيخ الأفغان بأي تمثيل سياسي إلا نادرا، ولم يصل أي منهم لمنصب وزير. غير أنه في عام 2010 تم اختيار أول امرأة من هذه الأقلية لتكون عضوا في مجلس الشيوخ وهي طبيبة الأسنان الشابة "أناركلي هنريار" لتكون أول امرأة غير مسلمة تحقق هذا الإنجاز.
وعلى الرغم من إصدار عدة قرارات لمنح هذه الأقلية مقعدا في البرلمان، فإن مجلسي الشيوخ والنواب لم يوافقا على ذلك، وقد ترشح أول هندوسي وهو "أوتار سينغ" لمجلس النواب، إلا أنه لم يحصل على الأصوات الكافية.
وأكدت حكومة حركة طالبان -في أكثر من مناسبة- أنها تحمي حقوق المواطنين كافة من جميع الأصول والمنابت. وبعد وصولها للحكم، هاجرت بعض العائلات من هذه الأقلية إلى الهند، لا سيما بعد هجوم تبناه "تنظيم الدولة في خراسان" على معبدهم في كابل أدى إلى مقتل شخصين أحدهما من أفراد هذه الأقلية والآخر من أعضاء طالبان.
وأعلنت الهند أنها ستصدر تأشيرات عاجلة لـ100 مواطن سيخي في أفغانستان، إلا أن معظمهم عادوا إلى كابل بسبب سوء المعاملة هناك.
وكان "منجت سينغ لامبه"، وهو رئيس مجلس شورى الهندوس والسيخ في أفغانستان، قد أفاد لوسائل الإعلام بأن هناك أكثر من 200 عائلة سيخية وهندوسية ستعود للبلاد، وأضاف "يتوقع هؤلاء المواطنون أن تتخذ الإمارة الإسلامية خطوات أسرع لاستعادة أراضيهم وعقاراتهم المغصوبة"، كما طالب الحكومة بضمان حقوق الأقليات خاصة السيخ والهندوس.
وفي أبريل/نيسان الماضي، بدأت لجنة "النظر في إعادة الأراضي المغصوبة" في حكومة طالبان بالنظر في قضايا غصب أراضٍ وعقارات للمواطنين الهندوس والسيخ خلال سنوات الحرب، ورحبت وزارة الخارجية الهندية بهذا القرار واعتبرته تطورا إيجابيا، وأكدت حكومة طالبان على لسان ناطقها الرسمي ذبيح الله مجاهد "أنه في حالة وجود نزاعات على الأراضي بين المواطنين الهنود، فإنه يمكنهم اللجوء إلى المؤسسات القضائية التي ستنصفهم حتما".
كما أكد "بركت الله رسولي" المتحدث باسم وزارة العدل في حكومة طالبان أنه يتم التحقيق في مسألة التعدي على أراضي مواطنين هندوس وسيخ بعناية ودقة، و"إذا تم التعدي على أرض شخص ما، أو كانت هناك محاولة للتعدي على أملاك أي مواطن، فسيتم منع ذلك وإعادة الممتلكات لأصحابها الأصليين".