أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
غزة- منذ شهور لم تتذوق الفلسطينية زينات النمروطي وأسرتها طعم أي من أنواع الخضار الطازجة واللحوم، وبات الحصول على الخبز مهمة مستحيلة، كما تقول هذه المرأة الخمسينية النازحة من شمال غزة في مدرسة عبد القادر الحسيني بمدينة خان يونس جنوبي القطاع.
وبلغ الجوع من هذه الأم والجدة -التي تعيل أسرة مكونة من 15 فردا- حد اضطرارها إلى بيع بعض مقتنياتها الشخصية والمنزلية لتوفير المال لتدبير احتياجاتهم الأساسية في ظل ارتفاع هائل في أسعار الدقيق والسلع الشحيحة المتوفرة في الأسواق.
وأدت القيود المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي على دخول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرقي غزة إلى نفاد كل شيء من الأسواق وارتفاع الأسعار، وبسببها "نهشت" المجاعة أجساد زهاء مليوني فلسطيني من السكان والنازحين في جنوب القطاع.
مجاعة حقيقية
"والله خسيت النص"، وتقصد النمروطي أنها خسرت الكثير من وزنها بسبب المجاعة، وتقول للجزيرة نت إنها تتناول يوميا 10 حبات من الدواء للقلب والضغط والسكر ولا يتوفر الطعام اللازم لمثل حالتها الصحية.
وتضيف أنها تعتمد وأسرتها يوميا على طعام توزعه بالمجان تكية خيرية، وتقول "إذا في تكية بناكل، وإذا ما في ما بناكل ونقضي يومنا بالجوع".
وأجبرت قيود الاحتلال المفروضة على حركة المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية الكثير من التكيات الخيرية إلى الإغلاق مؤقتا لعدم قدرة القائمين عليها على توفير احتياجات إعداد الطعام، خاصة مع ازدياد الحاجة لها وقد باتت الملاذ الوحيد للجوعى.
وتقول النمروطي "احنا في مجاعة مثل الشمال"، وتدحض كلماتها مزاعم إسرائيلية عن "المناطق الإنسانية والآمنة" لدفع من تبقوا في شمال القطاع إلى النزوح نحو جنوبه.
ولأكثر من 4 أشهر تقول النمروطي إنها لم تتذوق طعم الطماطم، وتصف أسعار الخضر بالمجنونة وغير المسبوقة، وتساءلت بحرقة "من يستطيع شراء كيلو البندورة بـ50 شيكلا (نحو 13 دولارا)، وكيلو البصل بـ45 شيكلا (قرابة 12 دولارا)، وحتى النباتات الموسمية -التي لم تشهد يوما ارتفاعا في أسعارها- لم تعد في متناول الجميع، فثمن كيلو السلق بـ10 شواكل (نحو دولارين ونصف)، وكيلو الحمصيص بـ22 شيكلا (قرابة 6 دولارات)".
"والله مش قادرين نعيش، طيب لوقتيش حنقدر نتحمل؟"، تتساءل النمروطي التي تضطر منذ الساعة الثالثة فجرا إلى الوقوف في طوابير طويلة أمام المخبز الوحيد في مدينة خان يونس للحصول على ربطة خبز واحدة، وفي سبيلها تتعرض للدفع والجذب وحتى للضرب، وقد سقطت أرضا أكثر من مرة.
نقص حاد
ولا يحالف الحظ هذه المرأة في كل مرة للحصول على ربطة الخبز المدعومة من هيئات دولية وسعرها 3 شواكل (أقل من دولار)، ولا يمكنها شراؤها من فتية يعيدون بيعها بـ45 شيكلا.
وكانت آخر مرة استلمت فيها الدقيق من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قبل النزوح من مدينة رفح على وقع الاجتياح البري الإسرائيلي لها في مايو/أيار الماضي.
وبسبب النقص الحاد في مادة الدقيق تعمل 3 مخابز من أصل 8 مدعومة من الأمم المتحدة في جنوب القطاع بطاقة منخفضة منذ أسابيع، وهي مهددة بالإغلاق خلال بضعة أيام بسبب نفاد الوقود والدقيق جراء القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الإنسانية وجرائم السطو والسرقة من عصابات اللصوص.
ووفقا للأونروا، فإن "تأخر وصول الوقود والدقيق يؤدي إلى تفاقم الأزمة، ويترك عددا لا يحصى من الناس من دون الحصول على خبز".
ولأم محمود أبو سعادة حكاية ألم مع خالتها أم محمد التي تعاني من عدم التئام جرحها منذ فترة طويلة بسبب عدم توفر الأطعمة التي تحتاجها حالتها الصحية، وتقول للجزيرة نت "البلد كله ما فيه بيضة، كيف ستشفى مرأة كبيرة من جروحها بدون أكل كويس (جيد)؟".
وهذه المرأة (50 عاما) هي أم لـ8 أفراد، وتضطر بين الحين والآخر إلى النزوح بهم من بلدة بني سهيلا القريبة من السياج الأمني الإسرائيلي في شرق خان يونس، وتعاني من أجل توفير لقمة العيش لأطفالها الصغار.
وتضيف أم محمود أن الأطفال لا يعرفون ماذا يعني حصار ومجاعة، وأنها تحاول تهدئتهم بالماء والشاي وبعض الخبز، وقد أعدت آخر "عجنة" من كيس دقيق يزن 25 كيلوغراما اشترته بـ170 شيكلا (نحو 46 دولارا) قبل نحو أسبوع، ولا تعرف كيف ستدبر أمرها بعد ذلك، وتكرر باستمرار "الله كبير وما بينسى حدا".
انتشار المجاعة
وارتفع سعر كيس الدقيق لأكثر من 200 دولار حاليا ولا يتوفر في الأسواق، في حين كان سعره لا يزيد على 3 دولارات في سبتمبر/أيلول الماضي.
وتوضح أم محمود "زمان كنا نقول بنقضيها خبز وشاي وبنشبع، لكن أبسط الأشياء لم تعد متوفرة"، وقد اختفى الشاي من السوق وارتفع سعر كيلو السكر من 5 شواكل (نحو دولار ونصف) إلى 50 شيكلا (قرابة 13 دولارا).
واستند مدير "شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية" أمجد الشوا إلى كميات الدقيق الشحيحة الواردة للقطاع في الفترة الأخيرة، وقدّر أن حصة الفرد في غزة أقل من رغيف واحد يوميا.
وأكد الشوا للجزيرة نت أن المجاعة تنتشر بشكل خطير في وسط القطاع وجنوبه، موضحا أنه منذ سبتمبر/أيلول الماضي لا تدخل القطاع أكثر من 20 إلى 30 شاحنة مساعدات، وفي الوقت الحالي لا توجد كذلك بضائع تجارية للقطاع الخاص في الأسواق، ويعتمد السكان بشكل كلي على المساعدات الشحيحة.
وبفعل القيود الإسرائيلية ومع عدم توفر الدقيق والخضر والمواد الأساسية أُجبر عدد كبير من المخابز والتكيات الخيرية على الإغلاق، الأمر الذي فاقم الأزمة الإنسانية وتفشي المجاعة، وفقا لمدير الشبكة الأهلية.
وتقول الأونروا إنه بدون تدخّل فوري من المتوقع أن تتفاقم أزمة النقص الحاد في الغذاء، مما يعرض حياة أكثر من مليوني فلسطيني للخطر كونهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن 80% من مناطق القطاع أصبحت عالية الخطورة، إذ يجبر الناس على الفرار بحثا عن الأساسيات، خاصة أن الأمان غير موجود.
ويقول المكتب "في جميع أنحاء غزة أصبحت عملية إيصال القليل من المساعدات -التي يسمح بدخولها- معقدة للغاية، بما في ذلك بسبب الطرق غير الآمنة".