ماذا نعرف عن مشاركة قوات كوريا الشمالية بجبهات القتال الروسية؟
في الوقت الذي تؤكد فيه أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون وجود آلاف الجنود الكوريين الشماليين على الأراضي الروسية، تلتزم روسيا وكوريا الشمالية الصمت حيال هذا الأمر.
وفي معرض رده على أسئلة الصحفيين خلال المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة بين روسيا وأفريقيا في مدينة سوتشي بإقليم قازان الروسي، يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعض السخرية في البداية، ثم أجاب أن "الأمر متروك للبلدين لاتخاذ قرار بشأن كيفية تنفيذ الاتفاق".
من جانبه، نفى مندوب كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة كيم سونغ وجود أي جندي كوري على الأراضي الروسية، ووصف التقارير التي تتحدث عن إرسال جنود كوريين شماليين إلى روسيا بأنها "شائعات لا أساس لها".
فما حقيقة مشاركة قوات كورية شمالية إلى جانب روسيا في أوكرانيا؟
خلال مؤتمر سوتشي علق بوتين على صور الأقمار الاصطناعية التي نشرتها كوريا الجنوبية، وتدّعي فيها وجود عسكريين من كوريا الشمالية في روسيا، بأنها "أمر خطير"، لكنه أشار إلى أن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) شاركت منذ مدة طويلة بشكل مباشر في الصراع الأوكراني.
أما المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف فقد أشار -في تصريحات صحفية- إلى أن المسؤولين الأميركيين الذين يتحدثون عن وجود قوات كورية شمالية في منطقة العملية العسكرية الخاصة "يعترفون بأنفسهم بأنه ليس لديهم تأكيد نهائي لهذه المعلومات".
وقال بيسكوف إن كوريا الشمالية "جارة قريبة"، وإن الدولتين "تطوران العلاقات في جميع المجالات، وهذا التعاون ليس موجها ضد دول ثالثة".
بدورها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحفي يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول، إن التعاون الإستراتيجي بين موسكو وبيونغ يانغ أمر عادي "على الرغم من محاولات الغرب شيطنته".
وفي بيونغ يانغ، قالت وزيرة الخارجية تشوي سون هوي إن القيمة الإستراتيجية لعلاقات بلادها مع روسيا تحمل أهمية أكبر في المشهد السياسي الدولي الصعب.
في المقابل، نقل مسؤول عن وكالة المخابرات الكورية الجنوبية أن نحو 11 ألف جندي كوري شمالي تم نشرهم في منطقة كورسك غربيّ روسيا كجزء من وحدة محمولة جوا ومشاة البحرية، وشارك بعضهم بالفعل في الحرب.
وأضاف أن الوكالة لا تزال تحاول تحديد العدد الدقيق للقتلى من هذه القوات، وإن كان أي منهم استسلم، وسط معلومات متضاربة.
أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فقد جزم، في حديثه للصحفيين في قمة المجتمع السياسي الأوروبي التي عقدت في بودابست بالمجر في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، بوجود 11 ألف جندي كوري شمالي على أراضي الاتحاد الروسي على الحدود مع أوكرانيا في منطقة كورسك، وقال إن بعض هذه القوات شارك بالفعل في القتال ضد الجيش الأوكراني.
كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين كبار في الولايات المتحدة وأوكرانيا أن عددًا من أفراد القوات الكورية الشمالية قُتلوا في اشتباك محدود مع القوات الأوكرانية، ويأتي الإعلان عن استخدامها في القتال في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها كيفية الرد على الشراكة العسكرية المتصاعدة بين موسكو وبيونغ يانغ.
هل تقدم بيونغ يانغ أسلحة ومعدات لموسكو؟
تنص اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية على أنه "إذا تعرض أحد الطرفين لهجوم مسلح من قبل أي دولة أو دول عدة ووجد نفسه في حالة حرب، يقدم الطرف الآخر على الفور المساعدة العسكرية وغيرها وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ووفقا للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة".
ورغم المعاهدة التي وقعها زعيما البلدين أثناء زيارة الرئيس الروسي إلى بيونغ يانغ في 19 يونيو/حزيران الماضي، فإن كلا من كوريا الشمالية وروسيا تنفيان أي نقل للأسلحة والمعدات العسكرية إلى ساحات المعارك في الحرب مع أوكرانيا، في مقابل اتهامات غربية وكورية جنوبية متواترة لبيونغ يانغ بأنها قامت بشحن أسلحة إلى روسيا.
بدوره، نقل نائب كوري جنوبي عن جهاز المخابرات الوطني أن كوريا الشمالية شحنت أيضا أسلحة إضافية للحرب في أوكرانيا، ومن ذلك مدافع هاوتزر وقاذفات صواريخ متعددة.
كذلك نقلت وسائل إعلام عن مسؤولين في الولايات المتحدة ودول أخرى أن موسكو ربما تزود بيونغ يانغ بتكنولوجيا عسكرية رئيسية لبرامج الصواريخ الكورية، في مقابل الذخائر التي تحتاجها روسيا في أوكرانيا، بما في ذلك ملايين قذائف المدفعية.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن كوريا الشمالية باعت إلى روسيا، بالإضافة إلى القذائف والصواريخ، مدفعية ذاتية الدفع من عيار 170 ملم، وقاذفات صواريخ متعددة من عيار 240 ملم، وهي أسلحة لا يعرفها الجيش الروسي.
في المقابل، طالب دبلوماسي أوكراني كبير برفع الحظر عن صادرات كوريا الجنوبية من السلاح لأوكرانيا، وقال دميترو بونومارينكو -في تصريحات صحفية في سول- إن كوريا الجنوبية يجب أن ترد برفع حظرها على توريد الأسلحة إلى أوكرانيا.
كيف يؤثر التقارب العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية على حلفاء واشنطن بشرق آسيا؟
أعربت كل من كوريا الجنوبية واليابان، وهما الحليفان البارزان للولايات المتحدة الأميركية في شرق آسيا، عن قلقهما البالغ بشأن التقارير الاستخبارية والصحفية التي تشير إلى مشاركة جنود كوريين شماليين في الحرب إلى جانب القوات الروسية ضد أوكرانيا.
وقالت كوريا الجنوبية إنها تدرس الآن رفع مستوى دعمها لأوكرانيا من المساعدات غير الفتاكة إلى الأسلحة الدفاعية، وربما الهجومية، بينما أعلنت حكومة اليابان، وهي حليف آخر للولايات المتحدة يهدده بشكل مباشر برامج الأسلحة الكورية الشمالية، أنها تراقب الوضع "بقلق بالغ".
وجاء على لسان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، في محادثات عقدها مع رئيس الوزراء الياباني إيشيبا شيغيرو يوم السبت الماضي في ليما عاصمة بيرو، على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، قوله "إن التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية يثير التوترات الإقليمية والعالمية".
وأعرب الزعيمان خلال الاجتماع عن قلقهما البالغ إزاء تطوير بيونغ يانغ أسلحة نووية وصاروخية، فضلا عن تعميق علاقاتها العسكرية مع موسكو.
هل إرسال قوات كورية شمالية للقتال في روسيا مزعج للصين؟
تسعى الصين إلى تصوير نفسها على أنها طرف محايد في حرب أوكرانيا، وسبق أن طرحت خطة للسلام هناك، لكن كييف وواشنطن وحلفاءهما وصفوا تلك المبادرة بأنها منحازة لروسيا.
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو، أن الصين تأمل أن يهدأ الصراع في أوكرانيا، وأكد أن موقف بلاده "بشأن الأزمة الأوكرانية ثابت، ولا نريد أن نرى انتشارا للأزمة وتصعيدا في الأعمال العدائية".
من جانبه، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي أن بلاده مستعدة للعمل مع روسيا، لتعزيز التعاون بين البلدين وإعطاء دفعة جديدة لتفاعلاتهما، وقال خلال اجتماع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف إن "الصين مستعدة لمواصلة تعزيز التعاون والارتباط مع روسيا بشكل أكبر، وتعزيز دفعة جديدة للتفاعل الإستراتيجي الشامل بين روسيا والصين".
وقدمت بكين دعما دبلوماسيا واقتصاديا لموسكو، كما تتهمها الولايات المتحدة بتزويد روسيا بتكنولوجيا ذات استخدام مزدوج، وهو ما تنفيه الصين.
لكن من وجهة نظر غربية، فإن الصين ليست مرتاحة للتقارب العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية، وبهذا الصدد يقول إيان بريمير، مؤسس ورئيس مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية مقرها نيويورك، "أعتقد أن الصينيين غير مرتاحين للغاية لهذا الأمر".
وأضاف بريمير في حديث لشبكة إن بي سي نيوز "إذا كانت كوريا الشمالية ترسل قوات للقتال مع الروس، فمن الواضح أن مستوى استعداد روسيا لدعمها ومساعدتها في الدفاع عن نفسها سيكون معادلا. وهذا يجعل روسيا، من نواح كثيرة، تحل محل الصين كأهم حام لكوريا الشمالية".
لكن المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان، عندما سُئل يوم الخميس الماضي عن نشر القوات الكورية الشمالية المزعوم في روسيا، قال "إن بكين ليست على علم بالوضع"، مضيفا أن موقف الصين بشأن أزمة أوكرانيا ثابت وواضح، وتأمل أن "تعمل جميع الأطراف على تهدئة الموقف والبقاء ملتزمة بالحل السياسي".
ما الفوائد التي تجنيها كوريا الشمالية من إرسال جنودها للقتال في روسيا؟
مع تزايد التصريحات الغربية بشأن وجود قوات كورية شمالية في جبهات القتال الروسية، تطرح أسئلة عن الفوائد التي يمكن أن تجنيها بيونغ يانغ من هذا الأمر.
ويقول المحللون -في تقرير نشرته شبكة سي إن إن الأميركية- إن النظام الكوري الشمالي سيكون لديه الكثير ليكسبه من نشر القوات، ومن ذلك منحها خبرة في ساحة المعركة والتدريب الفني، كما يمكن أن يساعد هذا الترتيب كوريا الشمالية على اكتساب معلومات استخباراتية عملية حول عمل أسلحتها.
وتتطلع بيونغ يانغ إلى مبادلة قواتها على أرض المعركة بتكنولوجيا روسية حديثة لبرامج الصواريخ الباليستية التي تطورها بيونغ يانغ، والقادرة على حمل رؤوس نووية.
كما أن الجنود الكوريين الشماليين سيحظون بالمشاركة في حرب حديثة، إلى جانب جيش عملاق، بعد أن كانت آخر مشاركاتهم في الحرب الأهلية الكورية في خمسينيات القرن الماضي.
ولا شك أن العوائد المالية التي ستجنيها كوريا الشمالية من روسيا سوف تساعد هذا البلد المعزول سياسيا واقتصاديا على حل بعض مشاكله الاقتصادية.
وفي تحقيق صحفي أجرته الأسوشيتد برس في سول بكوريا الجنوبية، قالت الوكالة إنه من المتوقع أن تدفع روسيا جميع التكاليف المتعلقة بنشر القوات الكورية الشمالية، بما في ذلك أجورهم التي يقدر المراقبون أنها ستكون على الأقل ألفي دولار شهريا لكل شخص، سيذهب جزء منها إلى النظام الحاكم.
ويتوقع منشقّون أن عائلات الجنود المنتدَبين للقتال خارج الوطن ستحظى برعاية صحية وتعليمية أفضل، وقد يحصلون على إسكانات مميزة، وفرص للانتقال إلى العاصمة بيونغ يانغ والالتحاق بجامعات أفضل.
ما الدور الذي تراه القيادة الروسية لجنود كوريا الشمالية؟
من المحتمل أن تستخدم روسيا القوات الكورية الشمالية في الخطوط الأمامية، مثلما دفعت في السابق بموجات من الوحدات الروسية، كما ورد في تقرير نشرته الجزيرة نت.
وهؤلاء الجنود الذين يفتقرون إلى الخبرة القتالية هم أصلح للانتشار في المواقع الدفاعية، وذلك يعني تفريغ مزيد من القوات المدربة لشنّ عمليات هجومية لاستعادة الأراضي الروسية التي انتزعتها أوكرانيا.
وبحسب دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، فإن روسيا تسعى، من وراء إشراك آلاف الجنود الكوريين الشماليين في الحرب على أوكرانيا، إلى تعويض خسائرها البشرية في أرض المعركة، والاستعاضة عن تجنيد وتعبئة مزيد من الشباب الروس الذين يبدون عدم رغبة في الذهاب إلى الجبهة.
ومن ناحية أخرى، قد تنطوي مسألة استعانة روسيا بقوات عسكرية من كوريا الشمالية على محاولة من جانب الدولتين لعزل الصين عن التطورات في الشراكة الإستراتيجية بينهما، ولا سيما في بعدها الدفاعي. وذلك ما قد يفسر تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، تعليقًا على إرسال كوريا الشمالية قوات عسكرية إلى روسيا، بأن الصين ليست على علم بالوضع.
هل يمكن لقوات كوريا الشمالية أن تغير ديناميكية الحرب؟
قد تتمكن روسيا من تفريغ عشرات الآلاف من جنودها للقتال في دونيتسك، بؤرة الحرب بأكملها، وهو ما يعني تعزيز فرصها في بسط السيطرة على هذه المقاطعة.
ويقول مراقبون غربيون إن تحولا إستراتيجيا كبيرا قد حدث بالفعل بانضمام قوات كورية شمالية للقتال على الجبهات الروسية، لكن هذا التحول منحصر حتى هذه اللحظة بالعلاقات المتنامية بين روسيا وكوريا الشمالية، سواء كان ذلك في المجال العسكري أو التكنولوجي والاقتصادي.
لكن من غير الضروري أن يكون للقوات الكورية الموجودة على الأرض الروسية، كما دأبت جهات إعلامية واستخبارية غربية على الترديد، تأثير فعلي على تغيير مجريات الحرب. فقد صرح مسؤولان سابقان في الحكومة الأميركية بأن هذا لن يكون نقطة تحول كبيرة لأعداد القوات ونوع الأسلحة المستخدمة.