إلى أين تتجه مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان؟
بيروت- تكثفت الجهود الدبلوماسية على الساحة الدولية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان الذي يدرس بعناية المقترح الأميركي للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل.
وتشمل مسودة الاتفاق بنودا رئيسية تهدف إلى تعزيز الاستقرار والأمن في جنوب لبنان ومن أبرزها:
- تأكيد الطرفين على أهمية القرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة.
- ضمان حق الدفاع عن النفس وتنظيم الوضع العسكري في المنطقة.
- كما تتضمن المسودة خطوات محددة لسحب القوات الإسرائيلية مع استبدالها بالجيش اللبناني في الجنوب.
- يلتزم لبنان بنزع سلاح أي مجموعة عسكرية غير رسمية في الجنوب خلال 60 يوما من توقيع الاتفاق.
وأفادت مصادر للجزيرة بأنه تم تسليم حزب الله نسخة من المسودة عبر السفيرة الأميركية ليزا جونسون التي نقلتها إلى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وبأن الحزب سيدرس النقاط الواردة فيها ثم يبلغ بري بملاحظاته عليها.
ورقة ملغومة
يقول الباحث في العلاقات الدولية علي مطر، للجزيرة نت، إن المفاوضات بين إسرائيل والولايات المتحدة غالبا ما تكون موجهة لخدمة المصالح الإسرائيلية، وهو ما كان في جميع المفاوضات السابقة سواء المباشرة أو غير المباشرة، حتى في الوضع الحالي في قطاع غزة.
وأوضح أن الاحتلال عادة ما يقدم عروضا ثم يعود لينقلب عليها، وهذا ما حدث مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عندما حاول المستوى السياسي الإسرائيلي تحميلها مسؤولية إفشال المفاوضات، رغم أن الطرف الذي نقض الاتفاق كان إسرائيل نفسها التي تتملص عادة من هذه الاتفاقات.
وفيما يتعلق بما يحدث مع لبنان، أشار مطر إلى أن العرض المقدم له يشبه إلى حد بعيد ما حدث في الماضي، حيث يتضمن "ورقة ملغومة" تحتوي على بنود صعبة القبول، رغم وجود بعض النقاط الإيجابية، إلا أن هناك بنودا سلبية تستدعي دراسة دقيقة قبل الموافقة عليها، وربما يتعين على لبنان إعادة النظر فيها مع المفاوض الأميركي.
وأوضح أن واشنطن تأخذ في اعتبارها مصالح إسرائيل وكأنها قد حققت انتصارا، وبالتالي ستكون الردود اللبنانية مزيجا من الإيجابيات والسلبيات، ولبنان لن يتحمل مسؤولية إفشال الاتفاق بل سيركز على طرح تساؤلات حول الورقة المقدمة، مما يتطلب إعادة بلورتها ومناقشتها مجددا، خاصة فيما يتعلق بوجود لجنة مراقبة، التي يرى مطر أنها يجب أن تقتصر على اللجنة الواردة في القرار 1701 دون الحاجة إلى لجنة موسعة تشمل بريطانيا وألمانيا.
ذكاء وغموض
وتطرق الباحث مطر إلى مسألة "الدفاع عن النفس" التي ذكرتها هيئة البث الإسرائيلية، حيث أشار بري إلى غياب "حريات الحركة"، وتساءل حول ما إذا كانت هذه الفقرة تخص إسرائيل فقط أو كلا الطرفين، وعن مدى السماح لتل أبيب باستخدام هذا الحق في كل مرة تشك فيها بوجود بنية عسكرية أو شخص أو سيارة مشتبه بها، وما إذا كان يحق لها حينها تنفيذ عملية عسكرية أو حتى فتح حرب.
وشدد على أن هذه النقاط بحاجة إلى دراسة معمقة نظرا لأنها "مليئة بالفخاخ"، ويرى أن المفاوض اللبناني يتصرف بذكاء حيث يستخدم الغموض بشكل مدروس لتجنب الرفض الكامل، كما يسعى لنشر أجواء التفاؤل للاستفادة من النقاط الإيجابية في الورقة، مع الحذر من المراوغات التي يمارسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما حدث في المفاوضات السابقة.
ووفقا له، تسعى إسرائيل لاستثمار نتائج هذه المفاوضات، خاصة مع قدوم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي قد يسعى لتحقيق مكاسب سياسية، ويؤكد على ضرورة الحذر من الأفكار الخطيرة التي يتلاعب بها كل من الجانبين الإسرائيلي والأميركي.
من جانبه، أوضح الخبير العسكري العميد بهاء حلال، للجزيرة نت، أن الإسرائيليين يعتمدون سياسة التفاوض تحت النار مع تصعيد مستمر وضغط متزايد، في محاولة للسيطرة على مرحلة التصعيد بهدف إضعاف إرادة المقاومة. وشدد على أن هذا الهدف لن يتحقق أبدا، قائلا إن "الميدان يبقى الشاهد الحي على ذلك".
وأشار إلى أن هدف إسرائيل الآخر هو ممارسة الضغط على المفاوض اللبناني والبيئة الحاضنة له بهدف زعزعة خياراتهم وزرع روح الانهزام في الأوساط الدبلوماسية والشعبية. ورغم التصعيد الإسرائيلي، فإن المقاومة ترد بالنار مما يحول دون تمكن جيش الاحتلال من تحقيق ما فشل في تحقيقه ميدانيا، عبر التفاوض.
ورقة ضغط
كما لفت الخبير حلال إلى وجود مباحثات جارية لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية مدفوعة بجهود دبلوماسية لبنانية وفرنسية وعربية وأميركية، خاصة مع رغبة ترامب في إنهاء الحرب قبل تسلمه منصبه.
وبرأيه، تمس معظم النقاط المطروحة إعلاميا السيادة اللبنانية ولا تستوفي شروط تنفيذ القرار الأممي 1701، موضحا أن إسرائيل تسعى لتحقيق ما عجزت عنه ميدانيا، حيث تجاوزت الخط الأزرق وأزاحت النقاط الحدودية المعتمدة منذ عام 2000، رغم أن القرار 1701 ينص بوضوح على احترام حدود لبنان التي انتهكتها بشكل صارخ.
وأضاف العميد حلال أن ورقة الضغط الأساسية التي يمتلكها لبنان تكمن في قدراته الميدانية، مشيرا إلى أن تحقيق انتصار مشابه لعام 2006 هو السبيل الوحيد لدفع إسرائيل إلى طلب وقف إطلاق النار والعودة إلى الالتزام بالقرار 1701، مما سيؤدي إلى خفض سقف شروطها في المفاوضات.
وأكد ثبات لبنان في مواجهة العدوان وأن "العدو لن يتمكن من فك شيفرة صمود الجنوب ولا زعزعة وحدة الشعب اللبناني، رغم وجود بعض الأصوات النشاز التي لن تؤثر على المزاج الوطني العام"، وفق تعبيره.