معاناة مستمرة للنازحين اللبنانيين داخل مراكز الإيواء المكتظة
بيروت- في خضم العدوان الإسرائيلي المستمر، يجد أهالي جنوب لبنان أنفسهم محاصرين في دائرة من المأساة، تجبرهم على النزوح القسري من قراهم وبلداتهم، فبعضهم تمكن من حمل أمتعة قليلة في حقائب صغيرة، بينما لم يجد الآخرون وقتا حتى لتبديل ملابسهم عند فرارهم.
وتحت وطأة القصف المكثف، اضطرت العائلات للنزوح من بيوتها بحثا عن ملاذ آمن، لكنها واجهت اكتظاظا وبردا شديدا في مراكز الإيواء، التي تجاوزت قدرتها الاستيعابية المصممة لها ضمن خطة الطوارئ الحكومية؛ حيث بلغ عدد النازحين المسجلين 190 ألفا و680 شخصا، وهو يعادل 44 ألفا و908 عائلات، موزعين على 1163 مركز إيواء، وصل منها 991 مركزا إلى القدرة الاستيعابية القصوى.
وحسب المجلس الأعلى للدفاع التابع لمجلس الوزراء اللبناني، يتوزع عدد النازحين في مراكز الإيواء حسب المحافظات على النحو التالي:
- جبل لبنان: 70 ألفا و219 نازحا.
- بيروت: 55 ألفا و634 نازحا.
- الجنوب: 14 ألفا و898 نازحا.
- البقاع: 14 ألفا و839 نازحا.
- الشمال: 13 ألفا و748 نازحا.
- بعلبك-الهرمل: 12 ألفا و993 نازحا.
- عكار: 7 آلاف و376 نازحا.
- النبطية: 973 نازحا.
ومع تكثيف الغارات على جنوب لبنان والبقاع الشمالي، وتحديدا في بعلبك – الهرمل، تم تسجيل 155 غارة خلال 48 ساعة فقط، ليصل العدد التراكمي للغارات إلى 12 ألفا و630 غارة، وفي ظل هذه الأوضاع، تتزايد أعداد النازحين يوما بعد يوم، وهذا يزيد من الضغوط على مراكز الإيواء التي تعاني من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية، وهذا يفاقم معاناة العائلات النازحة.
تحديات يومية
يوحي المشهد في مراكز الإيواء بمعاناة مشتركة تظهر في وجوه النازحين المرهقة، وعيون مليئة بالقلق والحسرة، وأحاديث متواصلة عن المنازل التي تركوها، والأحباء الذين فقدوهم، وعن البلدات التي دمرها قصف الاحتلال الإسرائيلي وترك وراءه الخراب، وتتكرر القصص عن مراحل نزوحهم والصعوبات التي واجهوها.
ففي باحة مدرسة نزيه البزري في صيدا، يقيم أبو علي، النازح من بلدة عيترون، ويتحدث بمرارة عن معاناته للجزيرة نت، مشيرا إلى أن مرور عام وشهرين على نزوحهم زاد من حدة الضغوط المعيشية والمصاريف المتزايدة، مؤكدا أن معظم النازحين يعانون من نقص حاد في المساعدات الأساسية، وأضاف "الاحتياجات الضرورية، مثل الأغطية والبطانيات، والفرش للنوم، غير متوفرة".
وفي حديثه عن المساعدات الغذائية التي تصلهم، لفت أبو علي إلى أنها "لا تتناسب مع احتياجاتهم الفعلية في مركز الإيواء"، موضحا أن ما يُقدّم لهم غالبا غير مفيد، ما يضطرهم أحيانا إلى رمي الطعام لعدم ملاءمته، وأعرب عن استيائه من هذا الوضع، قائلا "نحن بحاجة ماسة إلى مواد تسد جوعنا بشكل حقيقي لا مساعدات شكلية".
وإلى جانبه أبو علاء، وهو أب لـ4 أولاد، لجأ إلى مركز الإيواء مع زوجته وأولاده وأخوته بعد اشتداد القصف على مدينة صور في جنوب لبنان. ويقول للجزيرة نت "يؤمّنون لنا وجبة الفطور والغداء، والعشاء يتكون من الخبز والماء، وقد تم تأمين بعض المواد التموينية، لكن لا يزال هناك نقص في الأدوية، ويوجد أخي هنا في المركز الصحي وحالته تتطلب العلاج، لكن لا أحد يقدم له الدواء اللازم".
فقدان الأساسيات
وأشار تقرير الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن الوضع الإنساني في لبنان وصل إلى "مستويات تجاوزت شدة حرب 2006″، وهذا يعكس صورة قاتمة للظروف التي يمر بها السكان نتيجة التصعيد العسكري الإسرائيلي في البلاد.
وتشكو إحدى النازحات من مرجعيون من عدم توفر الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، خصوصا مع حلول فصل الشتاء، مؤكدة حاجتهم الملحة إلى الأغطية والوسائد، بالإضافة إلى مياه ساخنة. وتوضح للجزيرة نت "الوضع أصبح بالغ الصعوبة، إذ يضطر الشباب للاستحمام من دون مياه ساخنة، وقد حاولوا استخدام أنابيب الغاز كبديل للتدفئة، لكن هذا الحل لم يكن كافيا والمشكلة ما تزال قائمة".
وفي مركز إيواء مدرسة مرجان، تروي أم عباس النازحة من الشريط الحدودي في بلدة يارين للجزيرة نت، معاناتها المستمرة بعد أن نجت من الموت، حيث بدأت تجربة نزوحها عندما لجأت إلى مدينة صور، وأمضت فيها عاما كاملا في ظروف قاسية، ومع تصاعد القصف والتحذيرات من إخلاء المدينة، قررت النزوح مجددا إلى مدينة صيدا قبل شهرين.
وتضيف أم عباس بصوت يملؤه الحزن "الوضع صعب جدا، نفتقد الكثير من الأساسيات، ولا توجد غسالات للثياب، ونحن مضطرون لغسلها يدويا في هذا البرد، كما لا يوجد سجاد أو أي وسيلة للتدفئة، كل يوم يمر يزيد من معاناتنا".
وتضيف إحدى النازحات من عيترون للجزيرة نت "مر عام وشهر على نزوحنا، وأنا أعيش مع 3 أولاد في مركز الإيواء، ابنتي الصغيرة تعاني من أزمات نفسية شديدة، إذ تصاب بنوبات من الارتجاف، ولا أستطيع إلا أن أقدم لها الأدوية لتساعدها على النوم، لكن حالتها لا تتحسن".
وتضيف بصوت مليء بالمرارة "يشعرني هذا بالقهر عندما أرى أولادي يعيشون في هذه الظروف، فما ذنبهم في كل هذا؟".
تحديات التعليم
أما أم ياسين، التي تعيش في مركز الإيواء بمدرسة "المتوسطة الرسمية – القناية"، فتشارك معاناتها للجزيرة نت وتقول "قرر وزير التربية أن يكون التعليم عبر الإنترنت من خلال الهواتف، لكن معظمنا لا يملك سوى هاتف واحد فقط، بالإضافة إلى أن الإنترنت غير متوفر، مما يجعل من الصعب على الأطفال متابعة دروسهم".
وتتابع بتساؤل "كيف يمكن للأطفال أن يستوعبوا الدروس في هذا الوضع؟ كيف لهم أن يركزوا في ظل أصوات الطيران الحربي الإسرائيلي التي تحلق فوقنا بشكل مستمر؟ الأطفال يعيشون في حالة من الخوف والفزع، وهذا يجعل من المستحيل عليهم أن يركزوا في دروسهم".
ومن داخل مركز الإيواء في مدرسة مرجان الرسمية، يقول أبو أحمد للجزيرة نت "من المفترض أن يتعلم أطفالنا عن بُعد عبر الإنترنت، لكن هذه الوسيلة غير متوفرة في مراكز الإيواء، كيف يمكن للأطفال أن يتعلموا في ظل هذه الظروف القاسية؟ وكيف لهم أن يفهموا وسط هذه المعاناة اليومية؟".