هل تقود مبادرة بهتشلي تركيا نحو حل شامل للقضية الكردية؟
أنقرة– تتسارع خطوات حملة الانفتاح السياسي الداخلي التي أطلقها زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي حليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مطلع الشهر الجاري، حيث بدأت بمصافحة بهتشلي في البرلمان التركي أعضاء حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، المتهم بصلاته بحزب العمال الكردستاني.
وفي خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلن بهتشلي خلال كلمته أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب الحركة القومية، الثلاثاء الماضي، عن إمكانية حضور زعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون، عبد الله أوجلان، إلى البرلمان بعد إنهاء عزله.
وأوضح أن أوجلان قد يتحدث أمام الكتلة البرلمانية لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، ليعلن إنهاء "الإرهاب" في تركيا، وحلّ الحزب وتسليم السلاح، وذلك مقابل اتخاذ إجراءات تمنحه "الحق في الأمل" ضمن إطار التسوية.
و"الحق في الأمل" هو مصطلح يشير إلى منح المحكوم عليه بالسجن المؤبد المشدد، كبديل لعقوبة الإعدام، فرصة للعودة إلى المجتمع بعد قضاء فترة معينة، مع الحفاظ على الأمل في استعادة حريته.
وينطبق هذا المفهوم على حالة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، الذي يقضي عقوبته في سجن جزيرة "إمرالي" منذ اعتقاله عام 1999 بتهمة "الخيانة والانفصال". وكان أوجلان قد حكم عليه بالإعدام، لكن في عام 2002 تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد.
وفي توافق واضح مع حليفه القومي، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أهمية استغلال الفرصة التاريخية التي يقدمها تحالف الجمهور لحل القضية الكردية.
ترحيب كردي
أعربت الزعيمة المشاركة لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، تولاي حاتم أغولاري، عن ترحيبها بالتصريحات، مشيرة إلى أنه "إذا كانت هذه خطوة البداية، فيجب إسقاط الحكم عن أوجلان فورا"، مضيفة أن الحزب "مستعد لتولي زمام المبادرة من أجل تحقيق سلام مشرف".
وفي أولى الخطوات الملموسة نحو الانفراج، تلقى الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، المحتجز في الحبس الانفرادي بتركيا منذ عام 1999، أمس الأربعاء أول زيارة من عائلته بعد 43 شهرا من الانقطاع، وفقا لما أفاد به ابن أخيه اليوم الخميس.
ونقل عمر أوجلان، النائب البرلماني عن حزب الديمقراطية والمساواة، وابن شقيق عبد الله أوجلان الرسالة الأولى من عمه، ردًا على دعوة بهتشلي، حيث قال فيها "إذا ما توفرت الظروف الملائمة، فإنني أمتلك القدرة الفكرية والعملية لتحويل الوضع الراهن من الصراع والعنف إلى مسار من النقاش والحوار ضمن الأطر القانونية والسياسية".
مخاوف المعارضة
على الجانب الآخر، أثارت مبادرة بهتشلي ردود فعل حادة من بعض أحزاب المعارضة، كان أبرزها من رئيس حزب الجيد القومي، مساوات درويش أوغلو، الذي حمل حبلا خلال كلمته أمام الكتلة البرلمانية لحزبه، ووجه كلامه إلى بهتشلي قائلا "خذ هذا الحبل، وعلّقه الآن على رأسك"، في إشارة ساخرة إلى مطالبة بهتشلي السابقة بإعدام عبد الله أوجلان.
واستذكر درويش أوغلو في خطابه موقف بهتشلي خلال تجمع لأنصار حزب الحركة القومية عام 2007، حين رفع حبلا، مخاطبا أردوغان قائلا "خذ هذا الحبل واشنق أوجلان".
واعتبر رئيس حزب الجيد أن دعوة بهتشلي الأخيرة ليست سوى محاولة لتحقيق أهداف سياسية أوسع، منها السعي لوضع دستور جديد يتيح ترشح أردوغان للرئاسة مرة أخرى.
بدوره، اتهم رئيس حزب النصر القومي، أوميت أوزداغ، أحزاب الحركة القومية والعدالة والتنمية والشعب الجمهوري والديمقراطية والمساواة الكردي، بأنهم شكّلوا معا جبهة غير رسمية.
وكان رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أوزغور أوزال، قد أكد أن أي خطوة تهدف إلى إنهاء العنف وتوحيد تركيا "لها قيمة". وأضاف "إذا كانت هذه الخطوة ستوقف نزيف الدماء ودموع الأمهات، سواء الكردية أو التركية، فنحن نقدم لها دعمنا الكامل".
وأعقب تصريحات بهتشلي بيوم هجوم نفذه شخصان -كشفت التحقيقات ارتباطهما بحزب العمال الكردستاني- على شركة صناعات الطيران والفضاء التركية (توساش) في العاصمة أنقرة الأربعاء، راح ضحيته 5 أشخاص و22 مصابا.
وفي حين أدان حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية الهجوم، اعتبر نائب رئيس حزب الحركة القومية، فتحي يلدز أن "الخطاب التاريخي الذي قدمه السيد دولت بهتشلي قبل يومين أفسد خطط الإمبرياليين وجعلهم يتخبطون لدرجة أنهم أرسلوا قتلتهم المأجورين علنًا في النهار لمهاجمة شركة توساش في أنقرة".
ديناميكيات داخلية
الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش، يضع مبادرة بهتشلي أولا في "إطار الديناميكيات الداخلية الجديدة التي ظهرت بعد الانتخابات المحلية، بالإضافة إلى مرحلة التليين بين التحالف الحاكم وأحزاب المعارضة"، كما أنها ترتبط، بحسب علوش، بالتحولات المستمرة التي "تؤثر على محركات الصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني".
وأوضح الباحث في حديثه للجزيرة نت، أن "العامل الخارجي يلعب دورا مؤثرا في هذا الصراع نظرا لتداخل مصالح وأدوار قوى إقليمية ودولية متعددة".
من جانبه، يرى الصحفي ومدير مركز القارات الثلاث، أحمد حسن، أن هناك قراءتين في تركيا لموقف زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي.
القراءة الأولى، بحسب حسن، تشير إلى أن هذا القرار ليس قرار بهتشلي فقط، بل هو تعبير عن موقف الدولة التركية ككل، وذلك في ظل التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد حاليا.
أما القراءة الثانية، فتعتبر أن مبادرة بهتشلي جاءت من منطلق رغبته في تعزيز فرص حزبه في الانتخابات المقبلة، إلا أن هذه الرؤية لا تحظى بتأييد واسع، حيث تتهم بهتشلي بأنه اتخذ هذه الخطوة دون التشاور مع الرئيس أردوغان أو أعضاء حزبه، وهو ما يعتبر أمرا غير معقول.
وأشار حسن، في حديث للجزيرة نت، إلى عدم إمكانية تجاهل تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي أشار منذ بداية حرب غزة إلى أن هدف إسرائيل لا يقتصر على غزة، بل يشمل سوريا ولبنان، مما يهدد بتفجير المنطقة وبناء شرق أوسط جديد.
وهو ما يفرض على تركيا وأحزابها صياغة مقاربة جديدة، ولا يمكن للأكراد أن يكونوا بمنأى عن هذه المقاربة. لهذا السبب، من المتوقع أن ينظر الأكراد إلى مبادرة بهتشلي بقدر أكبر من الانفتاح، بحسب الصحفي التركي.
فرص النجاح
ويرى الباحث محمود علوش أن حزب العمال الكردستاني يعيش اليوم أضعف حالاته بالمقارنة مع الفترات السابقة، حيث تتداخل العوامل الإقليمية والدولية بشكل يضعف من خياراته، خصوصًا في ظل المواقف المتغيرة من الولايات المتحدة، والتي لا تساعده في الاستمرار بالرهان على مواصلة الصراع مع تركيا.
وأكد الباحث أن نجاح أي مسار للسلام يتطلب توفر ظروف محلية ودولية ملائمة، وهو أمر غير متاح حاليًا. وأضاف أن الهجوم الأخير في أنقرة يمثل دليلا واضحا على التحديات الكبيرة التي تعترض طريق هذا المسار، إضافة إلى الهوة العميقة بين حزب العمال والتحالف الحاكم، والتي قد يستغرق تقليصها وقتا طويلا.
لكن فرص نجاح هذه المبادرة، وفقا لحسن، تعتمد على المفاوضات التي ستُجرى بالعَلن، بعدما تم التفاهم على أسس المبادرة ومراحلها التمهيدية في مفاوضات سرية.
ويشير حسن إلى أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في هذه المفاوضات، سواء العلنية أو السرية، إذ إن تسريبات تفيد بأن التحضيرات جارية لتتويج هذه المفاوضات في شهر مارس/آذار 2025.
وخلص أحمد حسن إلى أن هناك إجماعا بين جميع الأحزاب التركية على أن إطلاق هذه المبادرة من قبل بهتشلي يعكس شجاعة كبيرة.
ويرى أن بهتشلي لن يكون قادرا على اتخاذ هذه الخطوة إلا إذا كانت هناك أرضية سياسية واجتماعية ملائمة لها في الأحزاب والشارع التركي.