بعد بندقية "الغول" والبندقية الصينية.. كيف يرجح قناصة القسام كفة المقاومة؟
تتواصل جهود فصائل المقاومة الفلسطينية في التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق الضفة جباليا ورفح ومختلف مناطق التوغل داخل قطاع غزة. في هذا السياق أصدرت كتائب "الشهيد عز الدين القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، تقريرا في وقت سابق حوى حدثا من نوع خاص: تمكّن أحد قناصة المقاومة من الإجهاز على جندي إسرائيلي في حي "الشيخ عجلين" قرب الطريق الساحلي في غزة، وذلك باستخدام بندقية القنص صينية الصنع "زيجيانغ إم 99" (Zijiang M99).
وفي وقت سابق من شهر يوليو/تموز 2023، نشر حساب "الصين بالعربية" على موقع "إكس" (تويتر سابقا) صورة لأحد المقاتلين بينما يحمل في يده بندقية من الطراز ذاته. وزعم الحساب أن الصورة تعود لأحد مقاتلي المقاومة الفلسطينية، فيما افترض أن البندقية ربما أُعيد تصديرها إلى غزة عن طريق إيران.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsفي أكتوبر الأسود موجات من الخسائر والضربات الصعبة توجع إسرائيل
وفق هذا تُعَدُّ "إم 99" أحدث الأسلحة المنضمة إلى منظومة القنص القسامية، بعد بندقية "الغول" المصنعة محليا، التي نشرت المقاومة مؤخرا مقطعا يوضح مراحل تصنيعها بأيدٍ فلسطينية في أحد المخابئ السرية في قطاع غزة، كما تضمن المقطع ذاته تدريبات لأفراد المقاومة على استعمال هذه البندقية.
"إم 99".. القاتل الصامت
بندقية القنص "إم 99" دخلت إلى الخدمة عام 2005، وكان استخدامها الأول من قِبل القوات البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، فيما أبرزت تقارير عدة أن البندقية استُخدمت من قِبل فصائل المعارضة السورية خلال معاركها مع النظام إبان الثورة السورية. وتتميز البندقية ذات العيار الثقيل بالقدرة على اختراق المركبات المدرعة والمواد الصلبة (مثل أحجار الأبنية والسواتر الحديدية). أما عن مواصفاتها، فهي تزن 12 كيلوغراما، ويبلغ طولها مترا ونصف المتر، كما أنها مجهزة بحوامل قابلة للتعديل (حامل ثنائي أمامي وآخر أحادي في الخلف)، فيما يتميز مسند الكتف بسطح مبطن يوفر الراحة لمُطلق النار. وتتسع الخزانة لـ5 طلقات، أما التلقيم فهو نصف آلي (حيث تُدعَم الطلقات اللاحقة بواسطة المزلاج المفتوح).
يصل نطاق "إم 99" إلى نحو 1500 متر، فيما تبلغ سرعة الإطلاق 800 متر في الثانية (أكثر من ضِعْف سرعة الصوت)، مما يعني أن الرصاصة سوف تُصيب هدفها في غضون ثانيتين في أقصى الأحوال وقبل أن يصله صوتها. ميدانيا تُمثِّل تلك الخاصية أهمية كبيرة بالنسبة للقناص، حيث تسمح له بمباغتة الهدف دون أن تعطي الأخير الفرصة لأية ردة فعل، مثلما توفر للقناص القدرة على إصابة هدف آخر مجاور للهدف الأول تحت غطاء الصدمة والارتباك، كذلك تمنحه وقتا للتحرك وتغيير موقعه قبل أن تحدده القوات المعادية.
مزايا "إم 99" تمتد إلى وجود مكابح قوية متعددة المنافذ في نهاية الكمامة، تعمل على مواجهة تأثير الارتداد العنيف الناتج عن طلقاتها الكبيرة (عبر دفع جزء من غازات الاحتراق في اتجاه معاكس لاتجاه الارتداد)، وهي الميزة التي توفر الحماية للقناص من ردة السلاح في جسده، كما تعمل على تقليل الانحراف أثناء الإطلاق وبالتالي زيادة الدقة. كذلك فإن الجزء العلوي من البندقية مجهز بسكّة (مجرى) من طراز (Picatinny) لاستقبال أنواع مختلفة من التلسكوبات ومعدات الرؤية الليلية، ويتضمن إعداد الرؤية النموذجي تلسكوبا بطاقة تكبير ثابتة 10 X (عشرة أضعاف) أو تلسكوبا بطاقات متغيرة تتراوح ما بين 4-12 X أو 22- 27 X.
القناصة القسامية.. طلقة واحدة لإسقاط عدة صقور
انضمام "إم 99" إلى ترسانة القنص القسامية يكشف عن وعي المقاومة بطبيعة الحرب غير النظامية التي تخوضها أمام الاحتلال الإسرائيلي، حيث يعادل القناص كتيبة مشاة كاملة على مستوى نوعية الأهداف في مثل هذه الحروب، وهو أمر ضروري نظرا للفارق العددي بين قوات المقاومة وجنود الاحتلال، كذلك فإن سريّة القناصة تتطلب الحد الأدنى من الإنفاق فيما يتعلق بالمعدّات والأفراد، وهو الأمر الذي لا يُمثِّل عبئا ماديا مقارنة بالتكلفة التي يتحملها جيش الاحتلال في المقابل.
تشير مجلة "العلوم العسكرية والمعلومات" إلى أن توظيف القناصة جيدا في الحروب الحديثة من شأنه أن يتسبب في أوقات عصيبة للقوات المعادية، وباعتبار القناصة عادة عناصر "غير مرئية" فهي تتسبب في قدر أكبر من القلق وتؤدي إلى تفشي حالة من عدم اليقين بين صفوف الأعداء (نظرا لوجود هذه الوحدات تحت تهديد دائم مجهول المصدر)، الأمر الذي ينعكس على المعنويات سلبيا، خاصة مع نجاح القناصة في إحداث إصابات نوعية.
في السياق ذاته، يشير رقيب مشاة البحرية الأميركية "أوغستو زاباتا"، كبير المدربين في دورات تعزيز مهارات القناصة في البيئات الحضرية، إلى أن أدوار القناصة تشمل أيضا منع جنود العدو من التحرك بحرية في المنطقة المستهدفة بصورة تؤدي إلى تعطيل عملياتهم، كما يمكن للقناص في هذه الأثناء إجراء عمليات الاستطلاع والمراقبة وإبلاغ قيادته بالمستجدات. ويوفر التحرك الفردي للقناص قدرا كبيرا من المرونة والمبادرة الفعالة على خلاف تحركات الوحدات المعادية المقيدة بتكتيكات العمل الجماعي والتنسيق والتواصل أثناء الحروب الحضرية من أجل تلافي التهديدات أو لتجنب حوادث النيران الصديقة.
من هذا المنظور يتضح أن دور القناص يتعدى الإجهاز على جنود العدو إلى أدوار إستراتيجية ومعلوماتية أكثر شمولا. ومع وصول العدوان الإسرائيلي على غزة إلى شهره الرابع؛ تتزايد الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية وتطفو أزمة انعدام الثقة من تحقيق نتائج ملموسة، الأمر الذي أوضحته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية حين دعت إلى خفض سقف التوقعات حيال هذه الحرب "لأن النصر بات غير متوقع". وفي ضوء ذلك يمكن أن نفهم أهمية القناصة القسامية، فهي تساهم في خفض المعنويات والإجهاز على ثقة العدو (المهتزة بعد ثلاثة أشهر من المعارك التي أثبتت أنها غير مجدية) تماما كما تعطّل عمليات تقدمه في غزة وترفع تكاليف الحرب بشكل لا يمكنه تحمله.
رصاص "الغول"
هذا وقد كشفت المقاومة في وقت سابق عن بندقية القنص "الغول" محلية الصنع. ورغم أن "الغول" شاركت من قبل في التصدي لجيش الاحتلال أثناء "عملية العصف المأكول" عام 2014، فإن المقاومة سلطت عليها الضوء مجددا خلال عملية "طوفان الأقصى".
التسمية تأتي تيمُّنا بالشهيد "عدنان الغول" (واسمه الحقيقي يحيى جابر الغول)، المولود في مخيم الشاطئ غرب قطاع غزة عام 1958. ويُعَدُّ "الغول" أحد رواد التصنيع العسكري لدى المقاومة الفلسطينية، بما يشمل الصواريخ، مثل "القسام" و"البتار" و"البنا"، كذلك قذائف الهاون والقذائف المضادة للدروع. وقد استشهد "الغول" في أكتوبر/تشرين الأول 2004 في شارع "يافا" في غزة بعد استهداف سيارته بواسطة طائرة إسرائيلية.
كشْف المقاومة عن تصنيع "الغول" محليا فاجأ العديد من المراقبين على مستوى العالم، لدرجة أن شكك بعض داعمي دولة الاحتلال في مسألة التصنيع المحلي، وزعم هؤلاء أن "الغول" مجرد محاكاة للبندقية "شتاير" نمساوية الصنع، فيما تشير البيانات إلى أن "الغول" تتفوق على البندقية النمساوية المذكورة من حيث المدى والعيار المستخدم، حيث يصل مدى الغول إلى كيلومترين مع ذخيرة من عيار 14.5 مليمترا، وهي بذلك تُعَدُّ أشد فتكا من البندقية النمساوية ذات العيار 12.7 مليمترا التي لا يتجاوز مداها 1500 متر، كما تتفوق "الغول" أيضا على بندقية القنص روسية الصنع "دراغونوف" ذات العيار 7.62 مليمترات والمدى الذي يقتصر على 1200 متر، وتُعَدُّ "الغول" واحدة من أطول بنادق القنص حول العالم، إذ يتجاوز طولها مترا ونصف المتر، مقارنة بالروسية "دراغونوف" التي يبلغ طولها 120 سنتيمترا، و"شتاير" ذات الـ137 سنتيمترا.
وترى الكولومبية "ماريا أليخاندرا تروجيلو"، المراسلة الدولية والخبيرة في المواجهات المسلحة والشؤون العالمية، أن "الغول" ليست مجرد سلاح قنص، بل تُعَدُّ كذلك رمزا قويا للمقاومة يحمل في طياته تكريما للقائد "عدنان الغول"، مؤكدة أن ظهور البندقية المنتجة محليا يغير من الديناميكيات الأمنية في المنطقة، ويحظى باهتمام كبير من قِبل المتابعين للتطورات العسكرية والجيوسياسية في الشرق الأوسط.