ما الذي تسعى إليه إيران بتكثيف تجاربها الفضائية؟
طهران- في خضم التوتر المتصاعد بالشرق الأوسط، والاتهامات الغربية الموجهة إلی طهران بدعم حركات المقاومة لاستهداف القواعد الأميركية، أعلنت إيران، الأحد الماضي، وللمرة الأولى إطلاق 3 أقمار صناعية بشكل متزامن، على متن صاروخ "سيمرغ" ووضعها بنجاح في مدار يبعد نحو 450 كيلومترا عن سطح الأرض.
وتقول الجهات المعنية في طهران إن قمر "مهدا"، الذي يزن 32 كيلوغراما، مخصص لاختبار دقة صاروخ "سيمرغ" الحامل للأقمار الصناعية في إيصال شحنات متعددة للفضاء، في حين يبلغ وزن قمري "كيهان 2″ و"هاتف 1" نحو 10 كيلوغرامات، وهما موجهان لاختبار الاتصالات ضيقة النطاق وتكنولوجيا تحديد المواقع الجغرافية.
يأتي ذلك بعد مرور يومين فقط على تنديد الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بإطلاق الجمهورية الإسلامية قمر "ثريا" الاصطناعي عبر صاروخ "قائم 100".
ويقول الجانب الغربي إن هذا القمر يستخدم التكنولوجيا الأساسية لتطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى. وهو ما رفضته طهران، وقالت إن تطوير التكنولوجيا السلمية في مجال الفضاء حق مشروع لها.
تكثيف التجارب
ولدى إشارة الدول الأوروبية الثلاث إلى مخاوف "بشأن نشاط إيران المتعلق بتقنيات الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية"، تعهدت باتخاذ كل الخطوات الدبلوماسية اللازمة لمنع إيران من "تطوير أسلحة نووية، ومحاسبتها على أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وعلى الصعيد الدولي"، على حد تعبيرها.
وكانت إيران قد وضعت في 20 يناير/كانون الثاني الجاري القمر "ثريا"، الذي يزن 50 كيلوغراما، في مدار على ارتفاع نحو 750 كيلومترا من سطح الأرض. وتقول طهران إن هذه هي "المرة الأولى التي تنجح فيها إيران في وضع قمر اصطناعي في مدارات أعلى من 500 كيلومتر".
ولو أخذنا بعين الاعتبار تجربة إطلاق "قوة الجو-فضاء" التابعة للحرس الثوري القمر الصناعي "نور-3" إلى الفضاء أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، فإن مجموع الأقمار الصناعية التي وضعتها إيران خلال العامين الماضيين في مداراتها يرتفع إلى 11، ما يعادل عمليات الإطلاق طوال السنوات الـ10 الماضية.
وأفادت وكالة أنباء فارس، المقربة من الحرس الثوري، بأن "عدد الأقمار الصناعية قيد التصنيع في إيران سيبلغ 30 قبل نهاية العام الإيراني الحالي (ينتهي في 19 مارس/آذار المقبل)، كما سيصل عدد الأقمار الصناعية الجاهزة للإطلاق إلى 12 قمرا صناعيا حتى ذلك التاريخ".
الأهداف والأسباب
تأتي إيران في المرتبة الرابعة بين الدول التي تمتلك قمرا صناعيا محليا بالكامل، ومزودا بفوهات متحركة للوقود الصلبة، بعد أميركا والصين وروسيا. لكن تكثيف الحكومة الإيرانية الحالية عمليات إطلاق الأقمار الصناعية إلى مداراتها أثار تساؤلات عن الأهداف ودلالات التوقيت، وما تنوي الجمهورية الإسلامية تحقيقه عبر برنامجها الفضائي الخاضع لعقوبات أميركية.
ووصف العميد علي جعفر آبادي، الذي يُعد قائد قوة الفضاء في منظمة الجو فضاء التابعة للحرس الثوري، عملية الإطلاق الأخيرة بأنها "ورقة ذهبية في تاريخ إيران الفضائي، ونقطة تحول ستُسرّع تقنيات التقدم الفضائي".
وربط رئيس وكالة الفضاء الإيرانية حسن سالارية التجارب الفضائية وإطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء بتحسين مستوى معيشة المواطن وصيانة الثروات الوطنية، إلى جانب الاقتدار الوطني، ورفع مكانة البلاد على الصعيد الدولي.
وفي تصريح لوسائل الإعلام الفارسية، وصف سالارية الأقمار الصناعية المتطورة بأنها "عين البشر في الفضاء، وعنصر مساعد بيد السلطات الحاكمة لرفع جودة الحياة، والمساهمة في إدارة الأزمات الأرضية، وتحسين قطاع الزراعة وضمان الأمن الغذائي للشعب".
رسائل الإطلاق
ويضيف الباحث في الشؤون الدفاعية والعسكرية محمد شلتوكي، الأبعاد العسكرية إلى الأهداف المدنية التي ركز عليها المسؤولون الإيرانيون. ويقول إنه "لا بد من تنمية التقنية الفضائية لإيران التي تواجه تحديات أمنية وتهديدات أجنبية عديدة".
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى شلتوكي أن البرامج الفضائية لا سيما العسكرية منها تسهم في تعزيز الاستشراف الاستخباري وجمع المعلومات، فضلا عن رفع مديات الأسلحة وزيادة دقتها، مضيفا أن "الدول الغربية تتهم طهران باستغلال برنامجها الفضائي لتطوير برنامج الصواريخ الباليستية، بينما البرنامج الأخير أكثر تطورا بكثير من تقنية حاملات الأقمار الصناعية في إيران".
ورأى الباحث أن تكثيف عمليات إطلاق الأقمار الصناعية في بلاده "يرسل رسالة بوضع حد للفتور الطارئ على هذا البرنامج طوال سنوات حكومتي الرئيس السابق حسن روحاني، الذي حرص على عدم إثارة حفيظة الجانب الغربي، لا سيما بخصوص برنامج طهران النووي".
ورأى شلتوكي أنه "لا تغيير في تقويم التجارب العلمية والتقنية في إيران في ظل التوتر بالمنطقة، وأن طهران عازمة على تطوير برنامجها الفضائي لمواجهة التحديات البيئية في الداخل ومواجهة التهديدات الخارجية"، موضحا أن العملية الأخيرة تظهر التماسك الجيّد جدا بين المؤسسات الإيرانية، كالحرس الثوري ووزارتي الدفاع والاتصالات ووكالة الفضاء والمراكز البحثية في الداخل.
دلالات التوقيت
في المقابل، يستغرب الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي "اختيار المرحلة الراهنة لإطلاق الأقمار الصناعية، حيث منطقة الشرق الأوسط على شفا حفرة من حرب إقليمية"، واصفا تجارب إطلاق الأقمار الصناعية الأخيرة في سياق "استعراض طهران عضلاتها لتحييد الأخطار المحدقة بها وبحلفائها".
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد مجلسي أن "أهم ما في عمليات إطلاق الأقمار الصناعية هو الصواريخ الحاملة لتلك الأقمار، التي لا تتجاوز مهمتها الرصد والاستشعار وجمع البيانات الاستخبارية والقضايا العلمية الأخرى".
كما يقرأ دلالة التجارب الفضائية الإيرانية الأخيرة في سياق "استعداد طهران للرد على التهديدات الأجنبية المتصاعدة ضدها".
ويشير الدبلوماسي الإيراني السابق إلى انتهاء سريان القيود الأممية المفروضة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفقا للقرار 2231 الدولي. ويرى في عمليات الإطلاق الأخيرة محاولة إيرانية لتكريس الواقع الجديد، وتأكيد رفع الحظر الأممي عن برنامج صواريخها الباليستية.
وخلص مجلسي إلى أنه بالرغم من أنه يُراد لعمليات إطلاق الأقمار الصناعية الأخيرة أن تسهم في خفض التوتر في المنطقة، فإنه لا تأثير لمثل هذه التجارب سوى أنها تكشف عن توصُّل إيران إلى تقنيات صاروخية بالغة الأهمية.