ضغوط بفرنسا لسحب قانون الهجرة وحماية حقوق المهاجرين
باريس- لطالما اتخذت الأحداث الرياضية بشكل عام، والألعاب الأولمبية بشكل خاص، بعدا سياسيا في الدولة المضيفة لها، وفي فرنسا، أعاد قانون الهجرة المثير للجدل الحديث عن المهاجرين غير النظاميين، الذين يعملون في مواقع البناء الخاصة بهذا الحدث المرتقب في يوليو/تموز المقبل.
ففي محاولة للضغط على الحكومة لسحب القانون، قبل إعلان قرار المجلس الدستوري يوم 25 يناير/كانون الثاني الجاري، قال نواب من حزب "فرنسا الأبية" ونقابات عمالية إنه سيتم مقاطعة أولمبياد باريس 2024 في حال تمرير قانون الهجرة.
ورغم أن توظيفَ أجنبيّ دون تصريح عمل يعد جريمة، فإن هذا أمر واقع يعيشه عدد كبير من المهاجرين غير المسجلين، وتشير أرقام وزارة الداخلية الفرنسية إلى وجود ما يقارب 700 ألف شخص غير نظامي في البلاد، ولا يعني ذلك أنهم لا يعملون بالضرورة.
"لا أوراق.. لا أولمبياد"
بدعوة من أكثر من 400 جمعية ونقابة وحزب سياسي، شهدت كبرى المدن الفرنسية الأحد مظاهرات حاشدة ضد قانون الهجرة، للمطالبة بسحبه ومواصلة الضغط على المجلس الدستوري.
وجدد النائب الفرنسي عن حزب "فرنسا الأبية" أندي كربرات معارضته لهذا القانون، الذي وصفه بـ"العنصري والقاسي" ضد الأجانب "الذين نجلبهم ونستغلهم للعمل من أجل الحفاظ على جاذبية فرنسا ورونقها على المستوى الدولي، الذي نحتاج إليه بأي ثمن، خلال أولمبياد باريس، لكنهم يتعرضون لسوء المعاملة من قبل أصحاب الشركات الفرنسية".
وأوضح كربرات في حديثه للجزيرة نت أن "مطالبة تسوية أوضاع المهاجرين انطلقت من مشاريع الألعاب الأولمبية، حيث تمكنّا من تحقيق النصر وتسوية أوضاع 20 مهاجرا في منطقة سان دوني، و200 شخص في المجمل، بعد الإضراب وإغلاق موقع البناء الخاص بهم".
وأشار النائب الفرنسي إلى وجود 300 ألف عامل غير مسجل على الأقل في منطقة "إيل دو فرانس"، وواحدة من أصل كل عاملتين في مهنة التنظيف وواحدة من كل 3 جليسات أطفال هن عاملات غير نظاميات، وفي حين تظل أعداد المهاجرين الذي يعملون في أشغال الألعاب الأولمبية غير محددة، أكد كربرات أنها قد تصل إلى نحو 100 ألف شخص.
واستنكر النائب توقيت طرح هذا القانون حيث "يعاني الشعب الفرنسي من تداعيات معدلات التضخم المرتفعة ويموت الناس في الشوارع"، متعهدا بمقاطعة هذا الحدث الرياضي إذا تم إقرار القانون، وأضاف "تستخدم الحكومة ملف المهاجرين كصمام أمان وباب مفتوح يمنح أصحاب الشركات إمكانية الحصول على العمالة الرخيصة عندما تكون هناك حاجة فقط".
ووفقا لمديرية البحوث والدراسات والإحصاء (Dares) التابعة لوزارة العمل، تمثل مهن البناء القطاع الثالث لنشاط المهاجرين بنسبة 27%، بعد عمال المنازل 39% والحراس وأفراد الأمن 28%.
الإضراب.. ورقة ضغط
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، قال جيرالد ريه، السكرتير المسؤول عن نشاط المهاجرين في الاتحاد العام للشغل (CGT) إن "من بين وسائل ضغطنا التواصل مع العمال غير المسجلين وإظهار حقيقة ظروف أعمالهم الشاقة".
وأوضح المتحدث نفسه، أنه منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أضرب نحو 500 عامل في منطقة إيل دو فرانس في مجال الخدمات اللوجيستية وجمع النفايات ومواقع البناء من أجل الاعتراف بحقوقهم، كما سبق أن نُظمت مظاهرة في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي بالقرب من ملعب "أرينا دو لا بورت دو شابيل" قيد الإنشاء، للمطالبة بتسوية جماعية لأوضاع العمال.
وعلى الرغم من أنهم يسهمون بشكل كبير في الاقتصاد الفرنسي، فإن الحكومة تريد معاقبة المهاجرين من خلال هذا القانون، لأن "المحافظ سيكون لديه السلطة للحكم بالحياة أو الموت على كل مهاجر، من خلال سحب تصريح الإقامة والنطق بقرار مغادرة الأراضي الفرنسية"، وفق المتحدث.
ونشر تجمع منظمات التضامن الدولي وتعبئة المواطنين (CRID) بيانا أدان فيه "الآلة الاستغلالية" التي تمثلها سياسات الهجرة و"اللعبة المزدوجة" التي تمارسها الحكومة، فمن جهة، تهاجم المهاجرين وتجرمهم، ومن جهة أخرى يتم استخدامهم في قطاعات أساسية وبناء فضاءات الألعاب الأولمبية.
وبشكل عام، تصل نسبة المهاجرين النشطين -من عاملين أو عاطلين عن العمل- وتتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما إلى 70%، مقارنة بـ74% من الأشخاص الذين ليس لديهم أصول مهاجرة مباشرة و67% من أحفاد المهاجرين، بحسب دراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee).
أولمبياد بأيدي المهاجرين
وفي يونيو/حزيران الماضي، انتشرت شهادات هؤلاء العمال على وسائل الإعلام الفرنسية، بعد أن توجه عشرة منهم ـمعظمهم من مالي والكونغوـ إلى محكمة العمل في منطقة "بوبيني" ضواحي باريس، حيث تم استدعاء مقاولين و4 من عمالقة شركات البناء (فينشي، إيفاج، سبي باتينيول، جي سي سي).
وبعد تمكنهم من تسوية أوضاعهم بفضل مساعدة الاتحاد العام للشغل (سي جي تي)، سلطوا الضوء على الأوضاع التي يعاني منها المهاجرون في مواقع البناء الأولمبية، مما أسهم في فتح ملف شائك كانت تحاول هذه الشركات التستر عليه.
وللتذكير، لا يحصل المهاجرون غير المسجلين على عقود عمل أو إجازات مدفوعة الأجر أو بدل ساعات العمل الإضافي والنقل والغذاء، كما يضطر معظمهم إلى شراء المعدات الخاصة للتمكن من إنجاز الأعمال، فضلا عن المخاطر العديدة الناجمة عن حوادث العمل التي تؤدي إلى إصابات أو حتى وفيات.
وقد تطرقت بعض وسائل الإعلام المحلية إلى خبر وفاة عامل في مارس الماضي في موقع بناء "غراند باريس إكسبرس"، وهو مشروع يخضع لوتيرة اشتغال سريعة جدا لإنجازه قبل موعد الأولمبياد.
وفي هذا السياق، أشار ممثلو النقابات العمالية بأصابع الاتهام إلى ما وصفوه بـ"نفاق" السلطات الفرنسية ودور المقاولين من الباطن في توظيف هؤلاء العمال برواتب ضئيلة على مرأى ومسمع الجميع.
ووفقا لمرسوم تعميم "فالس" لعام 2012، يمكن للأجنبي الذي يعمل في وضع غير نظامي لدى شركة في فرنسا أن يقدم طلبا للحصول على قبول استثنائي للإقامة في المحافظة التي يوجد بها، ولتحقيق ذلك، يجب أن يتم إصدار وثيقة "سيرفا" (Cerfa) معبأة وموقعة من قبل صاحب العمل لإثبات نشاطه المهني، ثم يبقى القرار بيد المحافظ الذي سيختار بين تسوية وضع الأجنبي أو رفضه.
معركة ضد اليمين المتطرف
وتحت شعار "قانون ماكرون، قانون دارمانين، لا نريده"، يتوقع أن تستقبل المدن الفرنسية -غدا الأحد- أعدادا هائلة من المتظاهرين،الفرنسيين والأجانب، للتنديد بقانون الهجرة.
وأكد النائب الفرنسي -في حديثه للجزيرة نت- أن القانون "يعبر عن أفكار وتوجهات اليمين فقط، ولهذا نرفض مكوناته ومواده التي تعمد إلى تطبيق التفضيل الوطني للمساعدة الاجتماعية والطبية وغيرها، وهي مقترحات طالب بها الرجل اليميني المتطرف الأول في فرنسا، جان ماري لوبان".
وأضاف كربرات "الحكومة لا تريد أن تعي مخاطر رحلة اللجوء في البحر الأبيض المتوسط والاتجار بالبشر والعنف، وعندما يصل المهاجرون يتعرضون لسوء المعاملة من قبل الدولة الفرنسية".
واعتبر جيرالد ريه أن هناك "إرادة سياسية واضحة تهدف لطرد المهاجرين، رغم أن بلدانهم الأصلية قد لا تكون قادرة على استقبالهم، مما يعني أننا سنجد المزيد من المهاجرين غير النظاميين الذين لا يمكن ترحيلهم أو حتى العبور بهم إلى داخل فرنسا".
ومنتقدا سياسة الحكومة الفرنسية، قال ريه إنها تواجه صعوبة كبيرة في "تمرير عدد معين من الإصلاحات، وغياب أي إجراء قانوني يهدف إلى تسوية وضعية هؤلاء العمال، بطريقة بسيطة أو تلقائية".
وتابع "تريد الحكومة تحويل الرأي العام عن إصلاح نظام التقاعد -الذي نرفضه بشدة- للانشغال بمهاجمة الهجرة، للحصول على دعم أوسع من الشعب، من خلال تبني أفكار اليمين واليمين المتطرف، أو الرعايا الذين يدعمون التوجهات العنصرية والمعادية للأجانب".