"طوفان الأقصى" محطة فارقة بين فلسطينيي 48 وإسرائيل
القدس المحتلة- شكلت معركة "طوفان الأقصى" محطة فاصلة بالعلاقات ما بين فلسطينيي 48 والمؤسسة الإسرائيلية، حيث يواجه المجتمع الفلسطيني بالداخل تحديات الحرب على غزة والسياسات الإسرائيلية ضدهم، التي تمثلت بسلب الحريات والحقوق، والترهيب والتخويف وتكميم الأفواه، وإسكات الأصوات المناهضة والمعارضة للحرب، وذلك ضمن حالة الطوارئ المعمول بها.
ومع استمرار الحرب، عكست هذه السياسات الإسرائيلية التي تأخذ منحى عدائيا تصاعديا ضد فلسطينيي 48، البالغ تعدادهم نحو 1.7 مليون نسمة، الأزمات السياسية والأمنية التي تعيشها إسرائيل، وهشاشة المواطنة والجنسية الإسرائيلية الممنوحة لفلسطينيي 48، والتي باتت رهينة وتخضع لدوافع المؤسسة الإسرائيلية والاحتياجات الأمنية والإجماع الصهيوني وشروطه.
وحمل الإجماع الإسرائيلي على تعريف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للحرب على أنها "حرب وجودية وحرب على البيت"، الكثير من المتغيرات والتحولات الداخلية الإسرائيلية، ومن ضمنها كل ما يتعلق بالعلاقة مع فلسطينيي 48 من منظور أمني وعسكري، والتعامل معهم كأعداء، بمؤشر عودة غير معلنة إلى الحكم العسكري.
لا رأي في الحرب
ناقشت ورقة موقف صادرة عن "مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية" في حيفا، أدوات تكميم الأفواه والإخراس والترهيب، التي وظفتها المؤسسة الإسرائيلية تجاه فلسطينيي 48، في ظل الحرب، بهدف منعهم من التعبير عن مواقف معارِضة للحرب ورافضة للقتل والدمار ومسانِدة للفلسطينيين في قطاع غزة.
وبحسب رصد "مدى الكرمل"، فإن السلطات الأمنية الإسرائيلية ومنذ اليوم الأول للحرب، شرعت بإخراس الأصوات الفلسطينية بالداخل المعارضة للحرب، إذ باتت تعتبر كل مقولة أو تصريح أو تغريدة في مواقع التواصل الاجتماعي تعبّر عن موقف مبدئي مُعارِض للحرب، أو ضدّ قتل المدنيين، أو تتعاطف مع سكان غزة، أنها موقف داعم لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
ترجمت هذه السياسة الإسرائيلية بالملاحقة والقمع واعتقال المئات من فلسطينيي 48، وتقديم العشرات منهم إلى المحاكمة بتهمة "دعم الإرهاب" أو "تأييد حماس"، ووفقا للمركز الحقوقي "عدالة"، فإن معظم التحقيقات والشبهات تمحورت حول المخالَفة لقانون العقوبات، والمخالَفة لقانون "مكافحة الإرهاب".
وتوسع قمع التعبير عن مواقف سياسية معاِرضة للحرب. وأصبح تسهيل حالة القمع السياسي والاعتقالات، سياسة منهجية من قبل الشرطة الإسرائيلية والنيابة العامة.
صراع المواطنة
وفي قراءة أولية لمكانة المجتمع الفلسطيني في إسرائيل إثر الحرب على غزة، يقول عضو لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية مطانس شحادة إن "إسرائيل تتعامل مع المواطنين العرب ضمن المقاربات الأمنية، وعلى هذا الأساس وضعت السياسات الإسرائيلية ضد فلسطينيي 48، الذين أدرجتهم ضمن الجبهات المفتوحة والمرشحة للاشتعال".
وأوضح شحادة للجزيرة نت أن المنظومة الإسرائيلية العامة للتعامل مع المجتمع الفلسطيني بالداخل، هي جزء من المنظومة الأمنية الكبرى للتعامل مع الشعب الفلسطيني، خصوصا أن العقيدة الأمنية التي كانت سائدة لعقود ووضعت فلسطينيي 48 ضمن أي حرب مستقبلية، انهارت بعد ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأشار شحادة إلى أن "الحرب على غزة أوضحت أن السكان الفلسطينيين في أراضي 48 خارج معادلة المواطنة، وهي القضية التي ستطرح من جديد وبقوة في إسرائيل بعد الحرب، علما أن الديمقراطية المزعومة والمواطنة عطلت خلال الحرب".
ويعتقد أن القبيلة اليهودية لا تريد المجتمع الفلسطيني بالداخل كجزء من المواطنة والدولة اليهودية، ويرفضون حتى إشراكهم ضمن أي احتجاجات ضد السياسات الحكومية، وهو ما يعكس ملامح الصراع وطبيعة النظام المتشكل، والسعي لإخراج العرب من سياق أي محاولة للتأثير، أو الاندماج في أي منظومة إسرائيلية تحدد ملامحها القبيلة اليهودية.
"هوية جماعية عسكرية"
تتفق الدكتورة المتخصصة في العلوم الاجتماعية هبة يزبك مع طرح شحادة، حيث استعرضت تحول العلاقات ما بين فلسطينيي 48 وإسرائيل، منذ بدء "طوفان الأقصى"، والتي تجلت بالتعامل معهم بموجب أنظمة الطوارئ في ظل استمرار الحرب على غزة، في مؤشر لحرب تستهدف الكل الفلسطيني.
تقول يزبك للجزيرة نت "تجلت العلاقات بمنحى عدائي تصاعدي من قبل المؤسسة الإسرائيلية ضد فلسطينيي 48 منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عبر الترهيب والتخويف والملاحقة والإخراس وتكميم الأفواه والقمع، وفرض الرقابة عليهم في مختلف مناحي الحياة".
وأوضحت أن العلاقة والتعامل الإسرائيلي المؤسساتي يشهد حالة جديدة لم يعهدها الداخل الفلسطيني بالسابق، وتحمل في طياتها سمات من الحكم والهيمنة العسكرية، إضافة إلى مسألة جديدة وهي العسكرة المجتمعية الإسرائيلية، بحيث أن التعامل مع فلسطينيي 48 في كافة مناحي الحياة اليومية بات من منظور عسكري.
وأشارت إلى أن إسرائيل تشهد منذ الانتفاضة الثانية عسكرة مجتمعية، وتضيف "تسارعت حالة العسكرة بشكل لافت عقب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويتم تكريسها وتوسيعها خلال سير وتطورات الحرب نحو بناء مجتمع إسرائيلي يحمل هوية جماعية عسكرية مركزها الجيش، وهذا ما يترسخ في العقلية الإسرائيلية".
واقع جديد
ولفتت المتخصصة في العلوم الاجتماعية إلى أن فلسطينيي 48 يواجهون تحديات كثيرة خلال الحرب، لعل أبرزها "محاولات المؤسسة الإسرائيلية انتزاع الغطاء الإنساني عن الفلسطيني، ومنعه من التضامن مع غزة أو التعبير عن الرأي ضد الحرب، وذلك عبر سلب الحقوق المدنية، ومحاولات تشويه الهوية، وحتى التهديد بسحب المواطنة لمجرد أي موقف متضامن مع غزة".
وفي ظل هذه التحولات والسياسات الإسرائيلية، تعتقد يزبك أن "فلسطينيي 48 يشكلون حالة التحدي للإجماع اليهودي للحرب على غزة، حيث تقرأ المؤسسة الإسرائيلية المواطنين العرب في أراضي 48 ضمن السياق القومي، وليس بالسياق المدني والمواطنة".
وتقول يزبك "هذا الواقع الجديد المتبلور يضع الداخل الفلسطيني أمام مواجهة جديدة، تحتم عليهم إعادة ترتيب الأوراق وصياغة أفق سياسي جديد، يتيح لفلسطينيي 48 العمل والتحرك ضمن واقع جديد تحدده النتائج النهائية للحرب".