الأولى بعد الزلزال.. جمعة ليست كباقي الجمعات بإقليم الحوز

مشاهد من صلاة الجمعة بدوار ويرغان بإقليم الحوز
مشاهد من صلاة الجمعة بدوار ويرغان بإقليم الحوز (الجزيرة)

ويرغان- "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار"، بهذه الآية الكريمة من سورة التحريم، اختار إمام مسجد دوار ويرغان بإقليم الحوز (50 كيلومترا جنوبي مراكش) أن يختتم صلاة أول جمعة بعد الزلزال العنيف.

يبدو سكان هذا الدوار محظوظين لأنهم تمكنوا من أداء صلاة الجمعة، فعند مرورنا بعدة قرى ودواوير على امتداد نحو 100 كيلومتر جنوبي مراكش، بدا القهر واضحا على وجوه سكان المنطقة المنكوبة الذين لم يعتادوا التخلف عن أداء الصلاة في مسجد الدوار أو القرية في مساجد هي أغلى ما يملكون.

منعتهم منها جائحة كوفيد-19 عام 2020، وها هو زلزال الحوز العنيف يكرر السيناريو نفسه عام 2023.

قيمة عالية

وصلاة الجمعة ذات قيمة عالية في قلوب هؤلاء السكان المعروفين بقيمهم المحافظة وتشبثهم بالقيم الإسلامية، حتى إن نسبة كبيرة من الفقهاء وحفظة القرآن في المغرب تنحدر من هذه المنطقة تحديدا.

كما أن صلاة الجمعة هي فرصة يلتقي خلالها سكان الدوار المشتتون في قمم الجبال المحيطة، ويطلعون على أحوال بعضهم بعضا.

وبسبب الزلزال، جل تلك المساجد تهدمت، أو لم تعد آمنة للمصلين داخلها، لذا كان من البدهي ألا تقام صلاة الجمعة داخلها.

فضلا عن أن من بقي حيا من الساكنة غارق الآن في إنقاذ المصابين، أو البحث عن مساعدات، أو في توزيعها، أو في الاستعداد للسفر إلى مستشفيات مراكش للاطمئنان على أحوال الأهل والأحباب.

مشاهد من صلاة الجمعة بدوار ويرغان بإقليم الحوز
أول صلاة جمعة بعد الزلزال في دوار ويرغان بإقليم الحوز (الجزيرة)

كارثة كبرى

"عدم أداء صلاة الجمعة بالمسجد كارثة كبرى، لا حول ولا قوة إلا بالله" يقول محماد (محمد) بعد تنهيدة عميقة حملت معها من الألم ما لن يحس به إلا من عاش مأساة الزلزال، وفقد الأحباب والأصحاب والممتلكات.

مضى سي محماد (أحد سكان دوار إمكدال جنوبي دوار ويرغان) يحدثنا بينما كان على حافة الطريق منشغلا -برفقة بعض أبناء الدوار- بجمع المساعدات التي وصلت، من غذاء وأغطية وملابس، لتوزيعها لاحقا على السكان المشتتين في قمم الجبال المحيطة.

وأضاف محماد للجزيرة نت أن الجميع حزن لعدم أداء الصلاة في المسجد الذي لطالما ضم جمعهم، وشهد أحاديثهم وحفظ وجوههم.

مشاهد من صلاة الجمعة بدوار ويرغان بإقليم الحوز
الإمام ومعه المصلون دعوا بالرحمة للشهداء وبالشفاء للجرحى والمنكوبين (الجزيرة)

جمعة في العراء

عند وصولنا إلى دوار ويرغان، الذي يقع في منطقة وسطى بين جبل شاهق وبين سد يحمل اسمها، فوجئنا بجمع بسيط من السكان لا يتعدى عدد أفراده 30 شخصا يؤدون صلاة الجمعة في العراء، حيث وقف الإمام خطيبا، بينما جلس الناس بالقرب منه يستمعون إلى خطبة جمعة ليست كباقي الجمعات.

بالقرب من هذا المشهد، انتشرت بضع خيام أصبحت الآن "البيوت الآمنة" لسكان الدوار الذين لم يعد أحد منهم يستطيع العودة إلى ما كان يعتبر في وقت سابق "بيتا آمنا".

تحدث الإمام عن الابتلاء، وعن الصبر، وعن ضرورة التشبث بقيم الدين الحنيف إلى آخر نفس على هذه الأرض، مشددا على أن ما يقع، إنما يقع لهدف، وأن الله عنده كل شيء بمقدار، ولعل هذا هو أهم ما يحتاج الناس إلى فهمه الآن في هذه المنطقة المنكوبة.

ومعظم الخطبة الثانية كان دعاء مطولا حارا حرارة المشاعر التي تحرق قلوب سكان الحوز، ومعهم كل المغاربة وكل من يزورهم أو يراهم، حيث ارتفعت الأكف متضرعة إلى الله تسأله العفو والعافية، والرحمة للشهداء، والشفاء للمرضى، والدعم والإيواء للمنكوبين.

المصدر : الجزيرة

إعلان