كيف استغلت إسرائيل اتفاق أوسلو للاستيلاء على القدس؟
القدس المحتلة- يوم 13 سبتمبر/أيلول 1993، تم التوقيع على اتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في البيت الأبيض الأميركي، ووقّع الاتفاقية رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين عن الجانب الإسرائيلي، والرئيس الراحل ياسر عرفات عن الجانب الفلسطيني.
أُنشِئت السلطة الفلسطينية بموجب الاتفاقية، واستُثنيت العاصمة الفلسطينية "القدس" وأُدرجت ضمن قضايا الحل النهائي المؤجلة، وأُلزمت السلطة الفلسطينية بإخراج المدينة المقدسة من صلاحياتها.
ومع امتداد المهلة المؤقتة -التي حددتها الاتفاقية- من 5 سنوات إلى 30 عاما، تحول هذا التأجيل إلى حالة عزل وتهميش للقدس تتصاعد وتستمر حتى الآن.
على الأرض، باشرت إسرائيل بالعمل فورا لإحكام قبضتها على القدس، فمنعت أي حضور للسلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير في أي مؤسسة أو نشاط بالمدينة تحقيقا لالتزاماتها في هذا الاتفاق.
في المقابل، حاولت السلطة الفلسطينية التعويض عن هذا التأجيل والالتزام بالاحتفاظ بحضور رمزي في القدس.
أمر واقع
أما الجهات المانحة وتحديدا أوروبا والولايات المتحدة، فالتزمتا عدم دعم أي نشاط فلسطيني رسمي في المدينة واعتبرت الوجود الإسرائيلي فيها "أمرا واقعا تتقبله وتتعامل معه، وكان لذلك آثار سياسية واقتصادية عميقة على العاصمة المحتلة"، وفقا للباحث في شؤون القدس زياد ابحيص.
سياسيا، بدأت السلطة الفلسطينية بحشد مؤسساتها في غزة مؤقتا، ثم تركيزها في رام الله بعد اتفاق أوسلو الثاني عام 1995، وأخذت تؤسس مراكز الوزارات والأجهزة الأمنية فيها، ونقلت إليها النقابات التي لطالما كانت القدس مركزًا لها، وتحديدًا نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين والصحفيين، يقول ابحيص للجزيرة نت.
كما انتقل المركز المالي إلى رام الله التي باتت مركز البنوك الفلسطينية، ولحقت بها الجمعيات والمؤسسات غير الربحية.
وبعد أن كان الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في القدس يشكل قيادة أمر واقع للمؤسسات المقدسية ويعكس إرادة الصمود والاستقلال عن المؤسسات الإسرائيلية لدى المقدسيين، تُرك ليعتمد على المانحين الغربيين، ففقدت مؤسساته كثيرا من استقلاليتها وقدرتها على الفعل المبادر المتفق مع تطلعات المقدسيين للصمود والتحرير.
في الأثناء، عدّلت إسرائيل قانون التأمين الوطني عام 1993، وألزمت المقيمين الدائمين بإثبات أن "إسرائيل مركز حياتهم" للانتفاع من مخصصات التأمين الوطني.
هدم وتضييق
وبذلك، أسست حكومة الاحتلال قانونيا وتنفيذيا لتحديد أماكن سكن المقدسيين وسحب الهويات المؤقتة من كل من تضطرهم إجراءاتها في الهدم والتضييق على السكن، للإقامة في الأحياء المحيطة بالحدود التي رسمتها للقدس.
يوضح الباحث في شؤون القدس، أن وزارة الداخلية الإسرائيلية سحبت الهويات الزرقاء المؤقتة من أكثر من 17 ألفا و700 مقدسي على مدار 30 عاما، ثم طوقت القدس بجدار عازل بدءا من عام 2002.
وبقوة الاحتلال، ارتفع عدد المستوطنين في الشطر الشرقي من المدينة من 160 ألفا في نهاية عام 1996 إلى 273 ألفا نهاية 2021، أي بزيادة 113 ألف مستوطن على مدى 25 عاما، وتمكنت إسرائيل بذلك من استدامة وتيرة الاستيطان كما كانت قبل اتفاق أوسلو، مع رفع وتيرة طرد الفلسطينيين والاستفراد بالمدينة وعزلها عن الضفة الغربية.
وللتعويض عن ذلك، حاولت السلطة الفلسطينية استدامة بعض عناوين الوجود الرمزي في القدس، مثل بيت الشرق الذي أغلق مع جمعية الدراسات العربية عام 2001.
إضافة إلى عدد من المؤسسات الرسمية كمحافظة القدس، ووزارة القدس، ووحدة القدس في الرئاسة الفلسطينية، وزيادة مؤسسات القدس في منظمة التحرير مثل المؤتمر الوطني الشعبي للقدس والهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، وهي كلها مؤسسات لا مقرات لها داخل الحدود البلدية التي فرضها الاحتلال للقدس.
ولا يكتفي الاحتلال بطرد هذه المؤسسات خارج حدود المدينة، بل يلاحق مسؤوليها ويقيد حركتهم إلى الحد الأدنى.
ملاحقات
ويؤكد زياد ابحيص أن هذه الملاحقات ازدادت بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب القدس عاصمة موحدة لإسرائيل عام 2017، لتبدأ بعدها حملة جديدة لإنهاء كل مظاهر الوجود السيادي الفلسطيني في القدس بما فيها مكتب تلفزيون فلسطين ومكتب التربية والتعليم في القدس.
اقتصاديا، وبينما كانت إسرائيل تخصص ميزانيات ضخمة لبلدية الاحتلال في القدس، وتعزز مشروعات البنية التحتية، وتطور رؤية تحويل القدس إلى مركز تقني في المجالات الطبية وتكنولوجيا المعلومات؛ كانت الأموال الموجهة إلى السلطة الفلسطينية من المانحين الغربيين تُؤطر بشكل واضح لمنع توجيهها إلى القدس.
ويضيف أن "المانحين الغربيين أسندوا للبنك الدولي مهمة رسم سياسات واضحة لإنفاق المساعدات الدولية التي ستتدفق إلى السلطة الفلسطينية الناشئة، فأعد دراسة "تطوير الأراضي المحتلة: استثمار في السلام"، التي وضعت الهيكل الأساس لإنفاق المساعدات الغربية حتى يومنا هذا".
"وحاول هذا التقرير تجنب تقديم أي توصيات يمكن أن تتضمن تأثيرا على وضع القدس، وبذلك ضمن المانحون بقاء القدس على هامش الجسم السياسي الفلسطيني الناشئ"، يتابع ابحيص.
وبعد مرور 30 عاما على توقيع أوسلو، "يوضح تحليل موازنات السلطة أنها حافظت على توجيه 1% فقط من ميزانياتها إلى مختلف مؤسساتها في القدس على مدى 3 عقود، فإذا بالعاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية التي يفترض أن تشكل السلطة حالة انتقالية لتأسيسها، توضع على ذيل قائمة الإنفاق الحكومي".
يذكر أن دراسة تحليلية أجرتها مؤسسة القدس الدولية سنة 2013 لـثلاثة من كبرى الصناديق الاستثمارية الفلسطينية الحكومية والخاصة، توصلت إلى أن تلك الصناديق وجهت 1.4% فقط من مجموع استثماراتها بين عامي 1994-2010 إلى مدينة القدس، وهو ما يحافظ على نسبة مقاربة لحصة القدس من الموازنة الرسمية للسلطة الفلسطينية.