هل ضحت الحكومة الليبية بوزيرة الخارجية لامتصاص غضب الشارع؟
طرابلس- "اختار رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة لقاء الجالية الفلسطينية، في مقر السفارة بطرابلس، للتأكيد على رفض بلاده للتطبيع مع إسرائيل.." بهذه الكلمات تحدث سفير فلسطين في البلاد محمد رحال عن قرار الدبيبة إقالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، على خلفية لقائها وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين.
وقال رحال -في تصريح خاص للجزيرة نت- إن الدبيبة أكد من داخل السفارة الفلسطينية، إقالته الوزيرة، مضيفا أن رئيس الوزراء قام بهذه الزيارة لتأكيد موقف الحكومة الرسمي من القضية الفلسطينية "ورفضها الكامل لكل أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال، لذا اختار لقاء الجالية الفلسطينية وبمقر السفارة تحديداً للتأكيد على هذا الموقف وإزالة اللبس نهائيا".
رفض قاطع
وتسبب الكشف عن لقاء المنقوش كوهين -الأسبوع الماضي، بالعاصمة الإيطالية- في موجة تنديد واسعة وردود فعل غاضبة على المستويات الرسمية والشعبية، وسط مطالبات بإقالة الوزيرة ووصل بعضها للمطالبة بإسقاط الحكومة.
واندلعت احتجاجات شعبية بمدينة الزاوية وبعض شوارع العاصمة وضواحيها بعيد انتشار الخبر رفضا للتطبيع مع إسرائيل، وامتدت الاحتجاجات إلى مدن أخرى حيث أغلق محتجون بعض الطرق وأحرقوا إطارات السيارات ملوحين بالعلم الفلسطيني.
وتضاربت الأنباء حول مغادرة المنقوش البلاد متوجهة إلى تركيا، ففي حين أكدت وسائل إعلام محلية ذلك، نفى مصدر أمني من مطار معيتيقة الخبر للجزيرة نت، في الوقت الذي نفى فيه جهاز الأمن الداخلي السماح للمنقوش بالسفر، مؤكداً عبر حسابه على فيسبوك إدراج اسم الوزيرة في قائمة الممنوعين من السفر إلى حين امتثالها للتحقيقات.
وكانت الخارجية الليبية قالت في بيان إن المنقوش رفضت عقد لقاءات مع أي طرف ممثل للكيان الإسرائيلي وفقا لنهج الحكومة، مضيفة أن ما حدث في روما كان لقاء عارضا غير رسمي وغير معد مسبقا، ولم يتضمن أي مباحثات أو اتفاقات.
#عاجل | رئيس حكومة الوحدة الوطنية في #ليبيا عبد الحميد الدبيبة يوقف وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش عن العمل ويحيلها إلى التحقيق على خلفية لقائها مع وزير الخارجية الإسرائيلي في روما pic.twitter.com/KfpWy0iAII
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 27, 2023
استنكار ومطالب بالمحاسبة
المجلس الرئاسي بوصفه السلطة الأعلى، طالب حكومة الوحدة بتوضيح حقيقة اللقاء قائلاً إن هذا التطور "لا يعكس السياسة الخارجية للدولة الليبية ولا يمثل الثوابت الوطنية، ويعتبر انتهاكا للقوانين الليبية التي تجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني" مطالباً الحكومة في حال ثبوت اللقاء "باتخاذ أقسى العقوبات وفق القوانين والإجراءات الليبية".
بدوره، أبدى المجلس الأعلى للدولة بطرابلس استغرابه من اللقاء، ودعا الجهات المختصة لمحاسبة المعنيين، وهو البيان الذي وصفه رئيسه السابق خالد المشري عبر حسابه على فيسبوك بالهزيل وبأنه محاولة لإعطاء شهادة براءة وغفران لرئيس الحكومة مستبعداً أن تقدم الوزيرة على هذه الخطوة دون علم رئيس الحكومة.
بدورها، دعت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، المنعقد في بنغازي، إلى توقيع أشد العقوبات على الوزيرة، معربة عن استهجانها لتصرفات حكومة الدبيبة "من أجل البقاء في السلطة، من خلال تقديم التنازلات على حساب الثوابت الوطنية ومخالفة القوانين الليبية".
من جهته، قال رئيس "حراك من أجل ليبيا" طلال أوحيدة إن موقفهم مما حدث "ثابت لن يتغير بثبات قضيتنا الفلسطينية، وهي بالنسبة لنا أحد الخطوط الحمراء التي لا يمكن المساس بها مهما حدث ومهما كانت المبررات".
وأوضح أوحيدة للجزيرة نت أن "اجتماع الوزيرة مع ممثل عن الكيان يعد اعترافا بالكيان، وهذا الاعتراف لا يمثل إرادتنا ولا إرادة الشعب الليبي" داعياً إلى الاستمرار في المظاهرات التي كان قد دعا إليها الحراك وخرجت في وقت سابق.
#ليبيا.. محتجون يضرمون النيران أمام مبنى رئاسة مجلس الوزراء ومتظاهرون آخرون يقتحمون مبنى وزارة الخارجية في #طرابلس احتجاجا على لقاء وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي في روما#الأخبار pic.twitter.com/Jwot0o07bR
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 28, 2023
لقاءات سابقة
المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية محمد شوبار رأى أن لقاء المنقوش بمسؤول إسرائيلي لم يكن الأول من نوعه، مضيفاً أن هناك مسؤولين ليبيين "قاموا بزيارات لدولة إسرائيل ولقاءات سواء من غرب البلاد أو شرقها، لم يكن هدفها مصلحة ليبيا وإنما كان الهدف منها طلب المساعدة من أجل البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة".
وأضاف شوبار في حديث للجزيرة نت "مثل هذه اللقاءات لن تغير شيئا في المشهد ولن تطيل من عمر حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها الساعي للبقاء في السلطة بأي ثمن" معتبرا أن تشكيل قيادة وطنية موحدة بوجوه جديدة للتمهيد للانتخابات بات أمرا حتميا، وأي تحركات محلية أو إقليمية مخالفة لذلك فهي والعدم سواء.
ويؤيد تكرار اللقاءات الكاتب والإعلامي أسامة الرياني الذي استدعى لقاءات سيف الإسلام نجل العقيد الليبي المخلوع معمر القذافي بمسؤولين إسرائيليين في عدة دول قبل ثورة فبراير/شباط 2011 ومحاولته الترويج لعودة يهود ليبيا.
ويرى الرياني أن تسريب الخبر كان مقصودا من الحكومة "لعلمها أن ردة الفعل مجرد موجة تنحني لها فتمر كما مرت سابقاتها" مذكراً في حديثه للجزيرة نت بلقاءات أجراها "صدام خليفة حفتر منذ فترة بالصهاينة، وقيل إنه زار دولة الاحتلال أيضاً، أو حين أجرى وزير خارجية عبد الله الثني (حكومة شرق ليبيا السابقة) لقاء مع صحيفة صهيونية".
ومن جانبه، يرى مدير مركز بيان "نزار أكريكش" أن المجتمع الليبي المحافظ بطبعه "تحكمه مسلمات وقواعد في علاقته بالعرب والمسلمين، وهذا له تاريخ طويل سواء من خلال الطابع الديني الغالب في ليبيا أو الخطاب الإعلامي لنظام القذافي أو مناهج التعليم التي تبنت فكرة العروبة والقومية ردحا من الزمن".
ورجح أكريكش أن يكون هناك سيناريوهان "إما أن ينتهي الحدث بفعل صارم مع الوزيرة بعد قرار إيقافها أو إقالتها وهو الأقرب، أو أن يطال هذا الحدث كل حكومة الدبيبة التي لم ينقصها سوى هذا الحدث ليزعزع صورتها بالشارع الليبي خاصة من القوى التي تراها حكومة ترعى الفساد وتحاول التشبث بالسلطة".