وصل معدل الرسوب إلى 80%.. لماذا يخفق طلاب الطب بجامعات جنوب مصر؟
القاهرة- على نحو يخالف التفوق المعتاد لطلاب الكليات الطبية، كشفت نتائج اختبارات طلبة الفرقة الأولى (السنة الجامعية الأولى) بكلية الطب في جامعات محافظات الصعيد، جنوب مصر، عن ارتفاع كبير في معدلات الرسوب.
في كلية الطب البشري بجامعة أسيوط، وهي الكلية الأعرق بالصعيد إذ تأسست عام 1960، رسب 720 طالبا من إجمالي 1207 طلاب خاضوا اختبارات العام الجاري، أي أن نسبة الإخفاق وصلت 60%.
بينما رسب أكثر من 70% من طلاب الطب البشري بجامعة جنوب الوادي. وفي كلية طب الأسنان بنفس الجامعة لم ينجح سوى 52 طالبا فقط بنسبة رسوب وصلت 80%. وفي جامعة سوهاج، وصلت نسبة الرسوب 34% العام الماضي، بينما لم يُعلن عن نسب الاجتياز هذا العام.
وبحسب مسؤولين بالقطاع الجامعي؛ فعادة ما تتراوح نسب النجاح لطلاب الفرقة الأولى بكليات الطب بين 75 و90%، وترتفع بين الفرق اللاحقة. ويبلغ عدد كليات الطب بالجامعات الحكومية 25 كلية يوجد منها 9 كليات في صعيد مصر.
"الغش والوافدون"
بدوره، قال عميد كلية الطب بجامعة أسيوط، علاء عطية، إن ارتفاع نسبة الرسوب بين طلاب الفرقة الأولى تشهده الكلية لأول مرة منذ تأسيسها. وأوضح، في تصريحات صحفية، أن نصف عدد الراسبين تقريبًا هم طلاب وافدون من دولة السودان حيث نجح 11 طالبا من أصل 350 طالبا سودانيا بالفرقة الأولى.
وأرجع رسوب الوافدين إلى عدم انتظامهم في حضور المحاضرات منذ بداية الفصل الدراسي الأول، فضلا عن ضعف قدراتهم في استيعاب المقررات الدراسية لكلية الطب.
وعن باقي الراسبين من المصريين، فهم الذين اجتازوا اختبارات الثانوية العامة العام الماضي "والتي أثير حولها الكثير من اللغط بسبب المجاميع التي حصل عليها الطلاب"، حسب قوله.
ومن نفس المنطلق، أرجع رئيس جامعة جنوب الوادي، يوسف الغرباوي، سبب ارتفاع نسب الرسوب إلى درجة كفاءة الطلاب. وربط أزمة الرسوب بالغش الجماعي الذي حدث بلجان الثانوية العامة، العام الماضي.
وقال الغرباوي إن "أبسط المؤهلات التي يجب أن تتوفر في طالب كليات القطاع الطبي أن يكون ملمًّا باللغة الإنجليزية تحدثًا وكتابة، إلا أن الامتحانات الجامعية أوضحت أن الطالب لا يعرف عنها شيئًا ويكتب بلغة غير مفهومة".
ودافع الغرباوي عن مستوى الجامعة العلمي، موضحًا أن نسب النجاح في الأعوام السابقة تتخطى 90%، "ما يبرهن على سلامة الأطر التعليمية المتبعة داخل الكلية" حسب تعبيره.
وفي تصريح متلفز، كشف عميد كلية الطب بجامعة جنوب الوادي، عبد الرحمن غويل، أن 90% من الطلاب الجامعيين الراسبين تخرجوا من مدارس محددة في مركزين بإحدى محافظات الصعيد، موضحًا أن مدرسة ثانوية التحق منها 80 طالبًا بكلية الطب رسب منهم 79 طالبًا في الفرقة الأولى.
تحرّك برلماني
عبر سؤال برلماني موجه لرئيس الوزراء ووزير التعليم، طرحت عضوة لجنة القيم بمجلس النواب سميرة الجزار، أزمة رسوب طلاب الطب بالمحافظات الجنوبية، معتبرة أنها تعكس المستوى الذي وصلت إليه الصروح التعليمية بالبلاد.
كما دعت لتشكيل لجنة من كبار الأساتذة في كلية طب جامعة القاهرة للتحقيق في الواقعة، مع إجراء اختبارات للطلاب الناجحين والراسبين لتقييم مستواهم.
وتطرقت النائبة البرلمانية إلى حالات الغش الجماعي التي شهدتها اختبارات الثانوية العامة -المؤهلة لدخول الجامعة- على مدار السنوات الماضية، موضحا أن الغش أدى لوجود نسب كبيرة من الطلاب في كليات القمة وهم غير مؤهلين لها.
منظومة تسمح بالغش
من جهته، قال الخبير بالمركز القومي للامتحانات والتقويم، محمد فتح الله، إن التطور التكنولوجي الهائل سهّل عمليات الغش خلال اختبارات الثانوية العامة، وهو ما يؤدي بعد ذلك لالتحاق طلبة غير مؤهلين بالجامعة، مشيرًا إلى حالات متعددة جرى فيها تسريب نماذج الامتحانات عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأوضح فتح الله، في حديثه للجزيرة نت، أن منظومة التقويم الجديدة تسمح بالغش في وقت قصير جدًّا، مستطردًا "قديمًا كانت الأسئلة أغلبها مقالية، أما الآن فهي تعتمد على الاختيار من أجوبة متعددة ما يؤدي لسرعة الغش.. لا يحتاج الطالب سوى دقيقتين لمعرفة كل أجوبة الامتحان".
وبشكل عام، رأى خبير التقويم أن منظومة التقويم بأكملها مترهلة داخل مصر في ظل تطور علمي عالمي هائل في أساليب القياس وتحصيل الطلاب.
وعن حالات الغش في المحافظات الجنوبية، قال فتح الله إن القَبَلية والتنافس بين العائلات، والتراخي في منظومة المراقبة على اللجان الامتحانية، يسيطر على تلك المناطق، ما يؤدي إلى تزايد حالات الغش بالثانوية العامة خاصة في السنوات الأخيرة.
ليس ذلك فحسب، بل يتعرض المراقبون أحيانا للتهديد بالعنف من قبل أهالي الطلاب حال عدم سماحهم بالغش داخل اللجان، وفق تأكيد الخبير التربوي.
ما جرى الصيف الماضي
في أغسطس/آب من العام الماضي، كشفت صحيفة الأهرام (شبه الرسمية) في تقرير لها عن قيام 1845 طالبا في الصف الثالث الثانوي من محافظات الصعيد، بتحويل أوراق اعتمادهم إلى مدرستي "تعليم خاص"، بمحافظة سوهاج.
أوضح التقرير أن تلك التحويلات، المخالفة لشروط نقل الطلاب من مدرسة إلى أخرى، غالبا ما تحدث بعدها وقائع شغب جماعية أو ترهيب للمراقبين لإجبارهم على الغش أو تصوير ونشر الأسئلة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ووصفت الصحيفة أن اللجان الامتحانية التابعة لها المدرستان بسوهاج معروفة بكونها "معقل الغش" في الصعيد، موضحة أن وزارة التعليم تتبعت المخطط وأحالت كل المسؤولين المتورطين في التحويلات المخالفة إلى التحقيق، كما حالت دون الغش عبر تشديد المراقبة وعدم تجميع هؤلاء الطلاب في لجان واحدة.
ولكن تتبع وزارة التعليم لمحاولة الغش في سوهاج لم يمنع حالات أخرى مشابهة بمحافظات جنوبية؛ حيث انتشر عبر المنصات الاجتماعية بعد إعلان نتائج اختبارات الثانوية العامة في أغسطس/آب الماضي، بيانات درجات لطلاب من مدارس محددة وينتمون لعائلات واحدة حيث ترتفع معدلات نجاحهم بشكل لافت.
وأصدرت وزارة التعليم حينئذ بيانا، قالت فيه إنها بصدد التحقيق بشأن الاتهامات المتداولة عبر الإعلام الاجتماعي، لكن لم يصدر بعدها ما يفيد بشأن مآل تلك التحقيقات.