خبراء تحدثوا للجزيرة نت.. لماذا تُعتبر عملية "عيلي" نوعية للمقاومة في الضفة؟
نابلس- على وقع أحداث متشابكة وآخذة بالتصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بكل مناطق وجودهم، لا سيما بالضفة الغربية وشمالها على وجه التحديد، جاءت عملية "مستوطنة عيلي الفدائية" أمس الثلاثاء، لتؤكد أن سفن الفلسطينيين تجري بما لا تشتهيه رياح الاحتلال وعلى رأسه يمينه المتطرف، ممثلا بالوزيرين في الحكومة الإسرائيلية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
العملية أسفرت عن قتل 4 إسرائيليين وإصابة 4 آخرين -بينهم حالات خطيرة- بإطلاق نار في مستوطنة "عيلي" الواقعة جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، كما أعلن الجيش الإسرائيلي قتل اثنين من منفذي الهجوم.
وجاءت العملية ردا على تصعيد الصهيونية الدينية ممثلة بهذين الوزيرين بن غفير وسموتريتش، وبعد أقل من 24 ساعة على اجتياح الاحتلال مخيم جنين وقتله 5 فلسطينيين وجرحه أكثر من 100 آخرين، لتؤكد أن الرد الفلسطيني كان وسيظل حاضرا على جرائم الاحتلال ومستوطنيه.
واعتبر خبراء ومحللون سياسيون تحدثوا للجزيرة نت، أن عملية أمس "نوعية بامتياز"، وأنها تأتي بظل إجراءات القمع الإسرائيلي ومحاولاته تدجين الفلسطينيين وإرهابهم بعملياته العسكرية واستهدافه المستمر للمقاومة، وتكمن أهميتها بهدفها المحقق وبطريقة تنفيذها والإعداد لذلك.
نوعية بكل أبعادها
ويقول المحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد إن العملية غابت عن المشهد منذ سنوات، وقد ضربت وكرا من أوكار اليمين المتطرف والمتمثل بنواة المستوطنين الصلبة المؤمنين بما يسمى "أرض إسرائيل".
كما تميزت العملية وفق شديد بتوقيتها بعد 24 ساعة من اجتياح الاحتلال مخيم جنين وقصفه بالطائرات وبنتيجتها المتمثلة بمقتل 4 مستوطنين وإصابة مثلهم، وكذلك بالشجاعة التي أبداها منفذا العملية.
ويقول شديد إن كل مكونات العملية أعطتها أهمية كبيرة، وخاصة في الوقت الذي تصعِّد فيه إسرائيل باتجاه عملية عسكرية واسعة النطاق بشمال الضفة الغربية، ويضيف "تبعث العملية برسالة للاحتلال تقول له إننا غير قلقين من التعزيزات وجاهزون للرد، بل إننا قادمون".
وتوقع شديد أن تمهد هذه العملية الفدائية لعمليات شبيهة خاصة أنها "عزّزت ثقة الفلسطيني بذاته وبمقاومته التي يمكن أن توجع الاحتلال وتؤذيه، كما أن ردود فعل المستوطنين ستؤدي إلى تأجيج الحالة وأن نكون أمام عمليات جديدة".
واتفق أيمن يوسف أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية بمدينة جنين مع أغلب ما ذهب إليه "شديد"، وأكد أنها عملية "نوعية ومن الطراز الأول" كونها أول رد على جريمة الاحتلال الأخيرة في جنين.
واختير فيها الزمان والمكان ودقة التنفيذ والوصول للهدف جيدا، لدرجة أن أحد المقاومين انسحب من موقع الحدث إلى مدينة طوباس شمالا (أكثر من 50 كيلومترا)، "فهذا نجاح كبير لخط عسكري مسلح حتى النخاع".
خلايا نائمة
وتحمل العملية -وفق يوسف- الكثير من الجرأة الميدانية والتكتيك والتخطيط المسبق والاستخدام الفاعل للسلاح بشكل ناجع والدليل عدد القتلى والإصابات، إضافة لجغرافية المكان وكثافة وجود المستوطنين المسلحين بالمكان وتنقلهم بين 5 مستوطنات ومعسكر للجيش يحيط بالمكان، وفضلا عن تحويل الجيش الإسرائيلي الشارع الرئيس قرب المستوطنة والواصل شمال الضفة بجنوبها لثكنة عسكرية.
واعتقد يوسف أن الخلية المنفذة للعملية "نائمة ومدربة بشكل جيد"، وأن هذا يثبت الفشل الاستخباري للاحتلال وأنه لا يستطيع أن يصل لكل المقاومين وبالتالي اعتقالهم، وأن هذا سيترتب عليه مراجعة استخبارية ومعلوماتية كون أن الجيش الإسرائيلي يتحرك برؤيا وضمن معلومات وبنك أهداف "ولكن هذه العملية كانت خارج رادار الاستخبارات وجواسيسه".
وذهب يوسف للتأكيد على أن هذه العملية شكلت "قدوة ونموذجا ملهما"؛ وبالتالي ستفتح الأفق أمام عمليات أوسع وبمشاركة الكل، خاصة في ظل قرار فصائلي بعدم المواجهة بغزة ونقل المعركة للضفة.
ورأى الأستاذ الجامعي أن هذا النمط من العمليات يمكن اللجوء له بدلا من التحصن في أماكن كمخيم جنين ونابلس، وهو أكثر فاعلية ويضغط على الجيش والمستوطنين وله أهداف سياسية واضحة، فضلا عن أن من يخوضه هو جيل شاب ومبادر، على حد قوله.
وما خلص إليه يوسف أكده الكاتب والسياسي الفلسطيني نهاد أبو غوش، وهو أن هذه العمليات خلقت نموذجا للعمل المقاوم الذي سيتصاعد أكثر ويأخذا أبعادا مختلفة.
وقال أبو غوش إن عملية أمس هي "الحصاد المر" نتيجة لما زرعته إسرائيل من دمار وخراب واستباحة لدم الفلسطينيين وأرضهم على مدى العامين الماضيين. موضحا أن "ردود الفعل هذه تكون أحيانا عفوية وبسيطة وأحيانا مخططة ومنظمة وأحيانا مؤلمة جدا كما جرى بجنين أمس (الاثنين) وبمستوطنة عيلي اليوم (الثلاثاء)".
مفخرة المقاومة
كما أن هذه العملية جاءت نتاج مراكمة الخبرة والتجربة واستخلاص الدروس من إجراءات الاحتلال وسعيه لحسم القرار وإخضاع الشعب الفلسطيني وحرمانه من كل حقوقه السياسية والسيادية، وهو أمر لا يمكن أن يُسلِّم به الفلسطينيون، لذلك، يضيف أبو غوش، سيشهد تكرر عمليات المقاومة بفعل تراكم حالة السخط وازدياد "خزان القهر" لدى كل فلسطيني وسيبدع بكيفية الرد، لا سيما لدى الشباب أمثال منفذي عملية عيلي وعدي التميمي وخيري علقم.
ويقول أبو غوش "إن المقاومة اليوم غادرت الحالة العفوية الساذجة كالتي شهدناها عام 2015 و2016، وبتنا أمام عمليات، صحيح أنها ذات طابع فردي ومن مجموعات محدودة لكنها مخططة ومنظمة بالتوقيت واختيار الهدف".
وتوقع أن تشكل هذه العمليات نموذجا يحتذي به الشباب الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى ستفرض نفسها كإحدى أهم أدوات النضال الفلسطيني في الوقت الذي هُمّشت فيه المقاومة وحُط من شأنها خلال السنوات الماضية.
ورأى أن المقاومة الآن تعود لتكون "مفخرة" لكل فلسطيني وأسلوبا مسلما به لاعتباره خيارا شرعيا وواقعيا ومحل احترام وتمجيد الفلسطينيين.