لوفيغارو: تاريخ روسيا حافل بالانقلابات على رأس السلطة.. فهل ينجو بوتين؟
نشرت صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية مقالا للكاتب غيوم بيرو يسلط الضوء على تاريخ طويل من المؤامرات والثورات والانقلابات على رأس السلطة في روسيا، منذ صعود القيصر إيفان الذي كان يلقب بـ"إيفان الرهيب" مؤسس الدولة الروسية الحديثة حتى يومنا هذا.
ويرى غيوم أنه بينما يتساءل العالم عن مدى متانة سلطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن فكرة وجود مؤامرة عليه أو احتمال الانقلاب عليه لا تفارق أذهان الناس، نظرا للتقلبات التي شهدتها السلطة في التاريخ الروسي ثم السوفياتي وتواتر المؤامرات على رأس الدولة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتايمز: من يحل محل بوتين إذا سقط؟
في حادثة غير مسبوقة.. روسيا: أوكرانيا حاولت اغتيال بوتين
قائد روسي سابق يحذر: بوتين قد يواجه "تمردا عسكريا" تقوده فاغنر
وقبل الدخول في العرض التاريخي، نبه الكاتب إلى اتهامات يفغيني بريغوجين -رئيس شركة "فاغنر" شبه العسكرية- لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، موضحا أنها تشي بالتوتر السائد بين الأطراف التي تتقاسم السلطة في موسكو، إلى الحد الذي أصبح معه بريغوجين يؤلّب الرأي العام على صديقه بوتين علنا ودون أي خوف من عواقب ذلك.
وتساءل الكاتب عما إذا كانت مواقف زعيم فاغنر تلك تعني أنه يفكر في الانقلاب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أم تعني أنه يمثل "خط الدفاع الأخير للرئيس الروسي المحاصر"، كما تتصور المؤرخة غاليا أكرمان التي تقول إن "النظام إذا بدأ بالتعثر وحاولت الفئات الحاكمة تحرير نفسها من الوصاية الرئاسية، فإن بريغوجين قد يلعب دورا رئيسا" في الدفاع عن بوتين.
غياب قانون ينظم تداول السلطة
وبعد عرض موجز لملابسات صعود مؤسس الدولة الروسية الحديثة القيصر إيفان الرهيب (1530-1584) للسلطة عقب اغتيال سلفه القوي أندريه تشوسكي الذي تولى مقاليد الحكم في الدولة، يشير الكاتب إلى فرار الأمير أندريه كوربسكي -جنرال جيوش القيصر- من موسكو عام 1563 ولجوئه إلى ليتوانيا حيث كتب رسالة لإيفان الرهيب يسرد فيها جرائمه ويشرح سبب تركه له خوفا من الهلاك، قائلا إن إيفان يطبق النصيحة التي تقول "لا تحتفظ بمستشار أذكى منك إلى جانبك"، ليرد عليه القيصر "نحن أحرار في العفو عن عبيدنا لأننا أحرار في تأديبهم".
وأرجع الكاتب الاضطرابات والمؤامرات على رأس الدولة الروسية إلى غياب قوانين دستورية تنظم تداول السلطة وتحدّ من سلطة الملك أو القيصر، على شاكلة تلك التي كانت تتمتع بها فرنسا -على سبيل المثال- حيث تعود السلطة إلى أكبر أبناء الملك دون منازع، ولا يمكن للملك أن يختار خليفته، خلافا لما كان عليه الحال في روسيا حيث يستطيع القيصر اختيار خليفة له، وهو ما يتيح المجال للطعن في اختياره التقديري وقيام شرعيات أخرى.
ولذلك تعاقب على السلطة في روسيا أكثر من 10 قياصرة ورؤساء كلهم يدّعون الشرعية منذ عام 1584 إلى 1613، من أشهرهم بوريس غودونوف (1551-1605) صهر إيفان الرهيب والوصي على أبنائه الصغار والذي يشتبه في أنه اغتال ولي العهد ديمتري حتى يتمكن من ارتداء التاج، وذلك لأن انتقال السلطة عند وفاة كل قيصر يعتمد فقط على توازن القوى لعدم وجود قانون دستوري يسمح بترسيخ المؤسسية، وفق الكاتب.
إعدام ألف متمرد
يقول غيوم إن صعود أول حاكم من عائلة رومانوف (في عام 1613) شكل نهاية "لحقبة الاضطرابات"، لكن السلطة مع ذلك لم تعرف استقرارا حقيقيا، حيث ثارت النخبة المسؤولة عن ضمان سلامة الملوك أحيانا ضدهم، وذلك من خلال اللعب على المنافسات بين أطراف العائلة الإمبراطورية أحيانا، خاصة عندما يفرض صغر سن وريث القيصر اللجوء إلى الوصاية.
وقد حدث ذلك في عهد بطرس الأكبر (1672-1725) الذي تولى الحكم وهو في سن العاشرة، إذ ثار عليه متمردون واغتالوا اثنين من أعمامه أمام عينيه، ليعود لاحقا ويسحق محاولة انقلاب أخرى ضده في عام 1689، بتحريض من أخته غير الشقيقة صوفي أليكسييفنا التي كانت وصية عليه. وقد أعدم بطرس الأكبر أكثر من ألف متمرد بعد معركة ضارية خسرها المتمردون، وفرض على الوصية ترك السلطة والخضوع لأوامره.
وخلال القرن الذي أعقب وفاة بطرس الأكبر مؤسس سانت بطرسبورغ، تتابع 9 قياصرة على السلطة أغلبهم من أصل ألماني، وقد شهدت خلافة كل واحد منهم صراعات كان الحسم فيها للحرس الإمبراطوري.
قسطنطين رافض العرش
ومن الأحداث التي ساقها الكاتب من التاريخ الروسي، وقال إنها تتسم بالغرابة، ما وقع في عهد الإسكندر الأول الذي توفي في عام 1825، حين رفض ابنه البكر قسطنطين تولّي العرش، فعين الإسكندر ابنه الثاني نيكولاي لخلافته دون أن يعلن قراره الذي أودعه لدى أرشيف كاتدرائية موسكو، وسلم نسخا منه لمجلس الدولة والمجمع الديني ومجلس الشيوخ، ولكن وفاة الملك المفاجئة جعلت الحاكم العسكري لمدينة بطرسبورغ ومجموعة من كبار ضباط الحرس يلزمون نيكولاي بالاعتراف بأخيه الأكبر باعتباره الوريث الشرعي الوحيد في نظرهم، غير أن كلا الأخوين اعترف بأحقية الثاني في الحكم، ليعلن نيكولاي نفسه إمبراطورا بعد استمرار أخيه في رفض تولي مقاليد السلطة.
وبعد ذلك علم نيكولاي بوجود مؤامرة تحاك ضده، وسرعان ما تمكن حرسه المقرب من إخمادها، وأوصلتهم التحقيقات إلى مجموعة من الضباط من كبار الأسر الأرستقراطية، فحوكموا وأعدموا، ليتوقف الجيش بعد تلك الانتفاضة عن التدخل في الصراعات على رأس السلطة نحو قرن من الزمن.
بيروقراطية
وأشار الكاتب إلى أن مجيء النظام الشيوعي وقيام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لم يسهم في اختفاء المؤامرات التي تحاك ضد من يترأس الدولة. فقد حمل جميع خلفاء لينين المحتملين، باستثناء ليون تروتسكي، نعش القائد الراحل وهم في صراع محتدم على تسلم السلطة بعده، ليفوز بها جوزيف ستالين "الرجل الحديدي" الذي مارس سلطة مطلقة في الاتحاد السوفياتي وفي بلدان الكتلة الشرقية، قبل أن يصبح على رأس بيروقراطية عملاقة معتمدا على مجموعة من الأتباع، لا يستطيع الضغط عليهم إلا عبر المكائد من أجل إنقاذ مظاهر الشرعية الاشتراكية.
وقال غيوم إنه عندما أصيب ستالين في مارس/آذار عام 1953 بسكتة دماغية، انتظر المقربون منه ساعات عديدة قبل الاتصال بالأطباء لإسعافه، واحتدم الصراع على السلطة بين المجتمعين حول سرير ستالين الذي كان يحتضر، واستمر الصراع حتى إعلان وفاته.