مدة 3 أشهر لتسجيلها.. الحكومة العراقية تصدر جملة قرارات للحد من أعداد الدراجات النارية
الموصل – "لا أملك غير هذه الدراجة النارية، وهي وسيلة رزقي، أعمل في إيصال الطلبات من المطاعم، القرارات الجديدة بمنعها ستؤثر على آلاف الفقراء"، هكذا يصف محمد عباس -الذي يعمل على دراجته النارية في إيصال طلبات الطعام في جانب الرصافة من بغداد- الحال بعد قرار الحكومة العراقية منع سير الدراجات النارية في الطرق العامة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح عباس أن من جملة قرارات الحكومة منع استخدام الدراجات النارية على الطرق السريعة، مشيرا إلى أن هذه الدراجات تعد وسيلة رزق للكثير من الفقراء بسبب ارتفاع أسعار السيارات، وكذلك للاختناقات المرورية الكثيرة التي تشهدها العاصمة منذ سنوات.
وقد لا تقف المشكلة عند عباس فقط، إذ يقول عمر حمادي من مدينة الموصل (شمالا) إنه مع قرارات مجلس الوزراء منع سير الدراجات النارية على الطرق السريعة للحد من الحوادث، إلا أنه يستنكر منع سيرها داخل الطرق العامة في المدن.
حمادي الذي يعمل في نقل بعض المواد الإنشائية من خلال دراجة نارية بثلاث عجلات تسمى محليا بـ"الستوتة"، يشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن "هناك تضاربا بين قرارات مجلس الوزراء ومديرية المرور العامة بين تأكيد المرور على ضرورة تسجيلها، وبين قرارات الحكومة بمنع سيرها".
قرارت حكومية
وكان مجلس الوزراء العراقي الذي يترأسه محمد شياع السوداني، قد أقر الأسبوع الماضي العديد من التوصيات لبحث معالجة ظاهرة انتشار الدراجات بكافة أنواعها، حيث قرر المجلس منع استيراد الدراجات النارية (الدراجة العادية والتكتك والستوتة) منعا نهائيا، في حال عدم توفر شروط السلامة والأمان والمواصفات القياسية، وذلك من أجل تنظيم حركة السير والمرور في العاصمة والمدن الكبرى، وتقليل الزخم والحوادث المرورية الناتجة عن الاستخدام العشوائي للدراجات النارية والعربات المشابهة لها.
القرار الذي نشرته وكالة الأنباء العراقية، يشمل منع استيراد الدراجات النارية، واستثنى من ذلك حاجة الدوائر الأمنية والمرورية، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ اعتبارا من الأول من يوليو/تموز القادم.
كما أشار القرار إلى إيقاف منح أي إجازات لإنشاء خطوط إنتاجية للدراجات النارية داخل البلاد، سواء للقطاع العام أو الخاص أو المختلط، وإيقاق الورش الصناعية التي تعمل على تجميع هذه الدراجات محليا، ومراجعة الإجازات الممنوحة حاليا بما يتلاءم وأحكام القانون.
أما عن الدراجات المستخدمة محليا، فقد حدد القرار مدة 3 أشهر لتسجيلها رسميا في دوائر المرور، ومنحها لوحات تسجيل بغية إنشاء قاعدة بيانات تساعد الأجهزة الأمنية في التوصل إلى أي فعل إجرامي أو إرهابي، وفي حال عدم تسجيلها فإن الحكومة ستلجأ بعد انتهاء هذه المدة لحجز الدراجات النارية المخالفة، وإرسالها إلى الهيئة العامة للجمارك لمصادرتها.
وعن حركة سير الدراجات النارية التي تقل أحجام محركاتها عن 40 سي سي، فقد تقرر منع مرورها في الطرق السريعة والعامة منعا باتا، على أن يسمح بحركتها -بعد تسجلها- في المناطق الزراعية والسياحية المغلقة والأزقة والطرق الضيقة والفرعية والمناطق السكنية فقط.
ومن أجل تقليص أعداد الدراجات النارية المستخدمة في البلاد، فقد تقرر أنه يمكن تسجيل مركبة جديدة مستوردة مقابل إسقاط ملكية 5 دراجات نارية بعجلتين، أو 3 دراجات نارية بثلاث عجلات مسجلة أصوليا، مع منح قروض ميسرة لأصحابها.
أهداف عديدة
وقد أوضح العميد زياد القيسي مدير العلاقات والإعلام في مديرية المرور العامة التابعة لوزارة الداخلية، أن قرارات مجلس الوزراء جاءت نتيجة توصيات مديرية المرور العامة بشأن الدراجات النارية واستخدامها في البلاد.
أما عن الأهداف، فقد أكد القيسي -في تصريحه للجزيرة نت- أن مديرية المرور العامة لم تتسلم بعد نص قرارات مجلس الوزراء، وأن المديرية ستفصل قرارات الحكومة بعد تسلمها رسميا.
في السياق، أكد مصدر في مديرية المرور العامة -فضل عدم الكشف عن هويته لعدم تخويله الحديث لوسائل الإعلام- أن قرارات مجلس الوزراء جاءت بعد توصيات مديرية المرور العامة، وأنها تهدف للحد من الفوضى التي تشهدها المدن العراقية بسبب العدد الكبير للدراجات النارية، لا سيما أن غالبيتها غير مسجلة رسميا لدى مديريات المرور في المحافظات.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف المصدر أنه خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت العاصمة بغداد والمدن الكبرى ازدياد أعداد هذه الدراجات النارية بصورة غير مسيطر عليها، مما تسبب في حوادث مرورية مميتة لأصحاب هذه الدراجات وللمركبات على حد سواء، لا سيما أن كثيرا من الدراجات النارية قد تم تحويرها، فضلا عن عدم التزام أصحابها بالقواعد والإشارات المرورية مع عدم ارتدائهم المعدات الخاصة بالسلامة المتعلقة بالخوذ والملابس وغيرهما.
أما عن أعداد الدراجات النارية في البلاد، فقد أشار المصدر إلى أن مديرية المرور العامة ووزارة الداخلية تفتقر لأي إحصائية حول أعدادها، معلقا بالقول "إن الأعداد التقريبية تزيد عن مئات الآلاف، وما زاد من عدم القدرة على إحصاء أعدادها عبر دائرة الجمارك في المنافذ الحدودية أن بعض التجار عمدوا إلى استيراد كميات ضخمة من قطع غيار الدراجات النارية، ثم أعادوا تجميعها في ورش خاصة، وطرحت بعدها في الأسواق، ولهذا لم يغفل قرار مجلس الوزراء هذه الحيثية".
ويقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف إن الدراجات النارية أثرت سلبا على الوضع الأمني في البلاد، خاصة أن كثيرا من عمليات الاغتيال نفذت بواسطتها، مع استخدامها في السرقات الليلية، مبينا أن القرارات الأخيرة ستسهم بوضع حد معين للجرائم المنظمة والجنائية والإرهابية، وفق تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف أبو رغيف أن مستشفيات العاصمة بغداد وبقية المحافظات لا تنفك تسجل حوادث دموية ومميتة بسبب الدراجات النارية التي تفتقر لأبسط مقومات السلامة والأمان، فضلا عن أن عدم تسجيلها في دوائر المرور زاد من حجم الكارثة، سواء في حركة المرور أو في السلامة الشخصية لمن يسلكون الطرق.
وكانت حادثة اغتيال الخبير الأمني والإستراتيجي هشام الهاشمي ببغداد في يوليو/تموز 2020 قد تمت بواسطة دراجتين ناريتين، مما تسبب في موجة سخط شعبي كبير من عدم امتلاك السلطات الأمنية قاعدة بيانات خاصة بالدراجات النارية في البلاد.
تخطيط المدن
على الجانب الآخر، لا تخفي المهندسة الاستشارية في تنظيم وتخطيط المدن زينب عبد تأييدها قرار مجلس الوزراء، مشيرة إلى أن المدن العراقية لم تخضع لأي تطوير في تخطيطها العمراني منذ نحو 4 عقود، وبالتالي، فالطرق الحالية لا تستوعب الأعداد الكبيرة من المركبات التي زاد عددها عن 6 ملايين وفق آخر إحصائية لمديرية المرور العامة، فضلا عن أن ملايين الدراجات النارية المنتشرة في البلاد لا تحظى بأي مسارات تحدد سيرها في الطرق العامة كما هو الحال في الدول الآخرى، وفق قولها.
وفي حديثها للجزيرة نت، أوضحت المهندسة الاستشارية أن ما زاد من عبء الدراجات النارية في العراق أنها ليست من مصانع رصينة، مما يستبب، إضافة للحوادث المرورية، في "تلوث بيئي وبصري وسمعي كبير، أثر سلبا على الذائقة العامة للمدن وشوّه صورة المدن العراقية دون استثناء".