نهاية كابوس الانقلاب على التفاهمات.. مراقبون روس يشرحون تأثير فوز أردوغان على روسيا
موسكو- باهتمام واضح ولحظة بلحظة، تابعت وسائل الإعلام والمراقبون الروس مجريات الانتخابات الرئاسية في تركيا وصولا إلى إعلان نتائجها، في دلالة على أهمية الحدث بالنسبة لروسيا المنهمكة في ترتيب أوضاع محيطها الإقليمي، والساعية إلى تحصين هذا المحيط من أن يتحول إلى منطلق إضافي للتهديدات الغربية ضدها.
وعقب الإعلان الأولي عن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية جديدة، ازدحمت البرامج التحليلية ووسائل الإعلام بقراءات لمختلف المراقبين والمحللين السياسيين، حول انعكاس نتائج الانتخابات التركية على مستقبل العلاقات بين الجانبين والتأثيرات المحتملة على العلاقة مع الغرب، في ضوء عملية إعادة الاصطفاف الجارية على وقع الأزمة بين روسيا والغرب.
من هنا، يبدو منطقيًا اعتبار مراقبين روس نتائج الانتخابات التركية حدثا ذا أهمية عالمية، لا يعني المواطنين الأتراك فقط.
ضمانة استمرار التفاهمات
مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف، اعتبر -في حديث للجزيرة نت- أن فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة يشكل ضمانة لاستمرار وتعزيز التفاهمات القائمة بين موسكو وأنقرة، والتي تم التوصل إليها بعد "مخاض معقد" دخلته العلاقات الثنائية، ولاسيما بسبب الأزمتين السورية والأوكرانية.
ووفقا له، ترى موسكو في أردوغان شخصية براغماتية تتمتع بهامش وافر من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشؤون الإقليمية والدولية، وهو ما برز في الخطوات التي اتخذتها أنقرة في الملفين السوري والأوكراني، والتي كان واضحًا أنها وُوجهت بانزعاج من الإدارة الأميركية.
ويورد كركودينوف مثالا على ذلك ما حصل في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عندما قدم البرلمان الأوروبي -كموضوع منفصل للنقاش- ملف رفض تركيا فرض عقوبات على روسيا وتحولها إلى "مركز عبور" روسي، وهو ما اعتبره السياسيون الأوروبيون مشكلة حقيقية.
وفي أبعاد أخرى، يتابع كركودينوف، أصبحت تركيا برئاسة أردوغان أكثر أهمية بالنسبة لروسيا بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا، إذ تحولت إلى سوق حيوي بشكل متزايد للمعادن الروسية، حيث اشترت من النفط الروسي عام 2022 ما يقرب من ضعف كمية عام 2021.
ويوضح أنه نتيجة للتفاهمات الأخيرة، باتت تركيا تلعب دورًا لوجستيًا مهمًا، حيث تمرّ سفن الشحن الروسية عبر مياهها إلى البحر الأبيض المتوسط، "ومن هنا جاءت مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمد خطوط أنابيب غاز إضافية من روسيا إلى تركيا، وإنشاء مركز للغاز في البلاد".
ويتابع كركودينوف بأن السياسة التي يتبناها أردوغان لا تزال مفيدة لموسكو، لأنه أحد السياسيين الذين يفكرون أولا وقبل كل شيء في ازدهار دولتهم، ويمتلك قدرة على "توأمة" الاستقرار في الأوضاع الداخلية مع تسوية الملفات التي تعنيها بشكل مباشر على الساحة الخارجية.
تجذير مسار
وبالإضافة إلى المعطيات السابقة، يرى محلل الشؤون الدولية ديمتري كيم أنه حتى لو خسر أردوغان الانتخابات، فإنه لن يكون من السهولة بمكان أن يتمكن المسار السياسي العام في البلاد وعلاقات أنقرة الخارجية من اتخاذ طابع جديد بين عشية وضحاها، نظرًا للتحولات الجذرية التي كرسها أردوغان وحزبه.
ويتابع أنه وبغض النظر عمن سيكون في السلطة، فإن هذا السياسي سيضطر إلى حكم البلاد وفقا لمراعاة الاتجاهات المحلية والعالمية المهمة التي تطورت في السنوات الأخيرة، ولن يكون من الممكن إيقافها أو السير عكسها بعد الآن.
ويذهب كيم إلى الجزم بأن نتائج الانتخابات الرئاسية في تركيا التي أفضت لفوز أردوغان، ستكون -بطبيعة الحال- إيجابية لموسكو ومرحبا بها، بالنظر إلى مواقف المرشحين.
فبرأيه، لم يكن الخطاب المعادي لموسكو لمرشح الرئاسة المعارض كمال كليجدار أوغلو موجها إلى الناخب التركي، بل إلى القوى السياسية الأجنبية، فالغرض من هجمات كليجدار أوغلو على روسيا هو إظهاره للقوى الخارجية أنه -في حالة فوزه- سيختار مسارًا مؤيدًا للغرب.
ويلفت كيم في هذا السياق إلى تصريحات أخرى لمرشح المعارضة، أعلن فيها صراحة أن من الضروري أن يُظهر لروسيا أن تركيا دولة عضو في الناتو، وأنه سينضم إلى العقوبات المفروضة على موسكو، واصفًا هذا الكلام بأنه لم يأت بسبب وجود "مشترٍ" داخل تركيا، بل خارجها.
ويؤكد أن مسار العلاقات الروسية التركية بعد فوز أردوغان سيتواصل وفق ذات الاتجاه الذي سبق الانتخابات، لما في ذلك من مصلحة مشتركة، وكل من موسكو وأنقرة معنيتان في المحافظة عليها.
#عاجل | الكرملين: #بوتين يعرب عن تقديره لمساهمة #أردوغان في تعزيز العلاقات بين #روسيا وتركيا#تركيا_تنتخب pic.twitter.com/KqSpA3r2Jc
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 28, 2023
علاقات حيوية
فروسيا تعتبر مهمة بالنسبة لتركيا كمصدر لموارد الطاقة، كما يمثل المواطنون الروس أكثر من 10% من التدفق السياحي، وهو مصدر حيوي لقطاع السياحة الذي يشكل حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي التركي.
بالإضافة إلى ذلك، يشير كيم إلى أن روسيا وأوكرانيا هما مورّدا أغذية رئيسيان لتركيا، وموافقة موسكو ضرورية لإنجاح "صفقة الحبوب"، وبالتالي السماح بتوريد المنتجات الزراعية من الموانئ الأوكرانية.
ويختم بأن الولايات المتحدة مستمرة في فقدان مكانتها الرائدة في العالم تدريجيا، ويتبع العديد من حلفائها سياسة مستقلة دون اعتبار لواشنطن، على خلفية الدور المتنامي للصين والهند والبرازيل، وكذلك تركيا، مما يصب في المحصلة بمصلحة موسكو.