الصين وأميركا.. لوتان: سيناريوهات لحرب بين عملاقين
في الأيام الأخيرة، قال مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إن الرئيس الصيني شي جين بينغ يعدّ قواته لغزو تايوان في عام 2027، فكيف سيدافع التايوانيون عن أنفسهم في حالة إنزال صيني على شواطئهم؟ وهل تجرؤ واشنطن على الدخول في مواجهة مباشرة مع العملاق الصيني؟ وكيف ستكون تلك المعركة الدامية المروعة إذا لم يلجأ أي من العملاقين إلى السلاح النووي؟ هذا ما حاول بحث في معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" تقييم جميع فرضياته.
وفي تقرير له عن هذا الموضوع، يبدأ نائب رئيس تحرير الشؤون الدولية بصحيفة لوتان (Le Temps) السويسرية جوليان بيرون بأحد السيناريوهات المحتملة قائلا "فشل الغزو.. وتم القضاء على الأسطول البرمائي الصيني، ودُحر جنود جيش التحرير الشعبي الصيني الذين تمكنوا من الوصول إلى البر التايواني، وبدت الجزيرة مدمرة جزئيًا ولكنها حرة..".
ويتابع "تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من الوفاء بتعهداتها، إذ هبّت لنجدة الجزيرة المتمردة منذ بداية الإنزال الصيني، وكان النصر حليفها في هذه المواجهة المباشرة الأولى من نوعها مع بكين، وأسكتت بذلك أولئك الذين تجرؤوا على التشكيك في تفوقها العسكري في مواجهة صعود الجيش الصيني".
لكن بأي ثمن؟ يتساءل بيرون ليرد بما قدره في أوائل عام 2023 مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، وهو أحد أشهر مراكز الأبحاث في أميركا، لحجم الخسائر البشرية والمادية، حيث يقول إن الثمن سيكون باهظا ولا يصدق. ففي غضون أيام قليلة من المعركة حول تايوان وفي غرب المحيط الهادي، تكون البحرية الأميركية قد أغرقت أكثر من 100 سفينة صينية لكنها فقدت بين 10 و20 سفينة، منها حاملتا طائرات و4 غواصات فضلا عن تعطيل مئات من المقاتلات الأميركية وقتل عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين، بل التدمير الجزئي للقواعد الأميركية في المنطقة وتخييم جو بيرل هاربور على جزيرة غوام حيث تتناثر جثث مشاة البحرية الأميركية وسط ركام طائرات "إف-35" (F-35) المتفحمة.
ويعلق الكاتب هنا بأن هذه الصورة قد تبدو مروعة بل بعيدة الاحتمال، ومع ذلك فإن هذا هو أفضل السيناريوهات إذا قررت بكين الاستيلاء على الجزيرة بالقوة واستجابت واشنطن لطلب تايبيه بالتدخل إلى جانبها، وفقا للمركز المذكور آنفا.
ويلاحظ الكاتب أن معدّي هذه الدراسة استبعدوا فرضيتين هما استخدام الأسلحة النووية من قبل أحد المتحاربين وكذلك هجوم أميركي كبير على الصين القارية. وقد اقتصر التقرير على دراسة للنزاع حول تايوان بعد محاولة إنزال صينية، وكانت النتيجة هي أنه من 22 من السيناريوهات الـ24 لهذه "اللعبة الحربية" تمخض الصراع عن انتصار التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة وتايوان واليابان وذلك على الرغم من الخسائر الكبيرة.
ويضيف بيرون أن الخبراء الأميركيين يعتقدون أن احتمال نشوب صراع مفتوح بين القوتين العظميين "قائم" من الآن حتى عام 2027، وترى هذه الدراسة أن مثل تلك المواجهة ستمثل لبكين رهانًا محفوفًا بالمخاطر لا يصدق.
لكنها تحذر واشنطن من مغبة الانتشاء بمثل نتيجة تلك المعركة، فالمنتصر في الصراع ليس بالضرورة من ينتصر في ساحة المعركة، حسب قول هؤلاء الباحثين.
ويتساءل الكاتب قائلا: "ما هو الاستفزاز؟ أو ما الخطوة الصينية التي يمكن أن تدفع واشنطن إلى الانخراط أكثر في الوضع الراهن في مضيق تايوان؟"، ليجيب بأن ذلك غدا من علم الغيب منذ أن فشل الخط الأحمر للرئيس الأميركي باراك أوباما في سوريا، إذ لم يجرؤ أي مسؤول أميركي على استخدام هذا التعبير بعد ذلك.
وتحذر الدراسة واشنطن من أن نصرا باهظ الثمن سيضعفها على المدى البعيد، ويمكن لجميع القوى المعادية للغرب، ومنها روسيا وإيران وكوريا الشمالية، أن تستغل الحرب الصينية الأميركية لتقدم بيادقها وتزيد من زعزعة استقرار النظام الأميركي، والأدهى والأمرّ هو أن الصين يتوقع لها أن تتعافى في وقت أسرع من الولايات المتحدة.
ولتوضيح ذلك، يقول التقرير إن البحرية الصينية أصبحت الأكبر في العالم منذ أوائل عام 2020. ويقدر تقرير حديث للبنتاغون أن بكين ستمتلك 400 سفينة بحلول عام 2024 مقارنة بأقل من 300 سفينة للبحرية الأميركية، والأسوأ من ذلك أن قدرة بكين على التجديد أعلى من قدرة الأميركيين بكثير.
وهذا ما جعل الدراسة تصل إلى خلاصة مفادها أن أميركا ليست لديها مصلحة في دخول حرب مع الصين، رغم أن كل المؤشرات تظهر أنها إن فعلت فستنتصر فيها، لكن أنى لها أن تستفيد من موقعها المهيمن دون الاضطرار إلى اللجوء إلى القوة.
هذه هي المعضلة التي تقول الدراسة إن واشنطن تواجهها في تعاملها مع أحداث مضيق تايوان التي يوفر لها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إجابة واضحة ودقيقة هي "الردع"، على حد تعبير بيرون.
ثمة اتفاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أن على الإدارة الأميركية أن تكون أكثر حزما مع بكين، وثمة تدهور كبير لصورة الصين في الأوساط الأميركية في السنوات الأخيرة، إذ كان لدى نصف الأميركيين في عام 2018 رأي إيجابي عن الصين ولم تعد تلك النسبة تتجاوز 15% فقط في استطلاع حديث لمعهد غالوب.
وهذا ما جعل بيرون يتساءل: "هل يمكن لمناخ عدم الثقة العام في الصين أن يقود واشنطن إلى مواجهة عسكرية مع بكين؟ أم هل تستمر لغة التهدئة التي بدأت تتزايد في الأسابيع الأخيرة بين الطرفين؟".