غادرها نحو 28 ألفا عام 2022.. القدس بيئة طاردة للمستوطنين خاصة العلمانيين
القدس المحتلة – بمناسبة الذكرى الـ56 لاحتلال شرقي القدس، نشرت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية معطيات لافتة عن المدينة المقدسة، جاء فيها أن ميزان الهجرة الداخلية ظلّ سلبيا في القدس عام 2022 مقارنة بالمدن الأخرى، بسبب هجرة نحو 27 ألفا و700 مستوطن منها إلى مدن ومستوطنات أخرى.
ووفق نتائج استطلاع للرأي أجرته القناة الإسرائيلية 12، يرى 65% من الإسرائيليين أن القدس غير موحدة، بينما يعتقد 23% أنها موحدة. وفي الاستطلاع ذاته عبّر 62% من الإسرائيليين عن رفضهم العيش في القدس، مقابل 30% أبدوا استعدادا لذلك.
وتُعد هذه الأرقام محبطة للحكومة الإسرائيلية التي تضخ ميزانيات ضخمة لتهويد القدس وتعزيز الاستيطان، وتشجيع المهاجرين اليهود الجدد على الاستقرار فيها.
-
كم يبلغ عدد اليهود بالقدس؟ وما نسبتهم من عدد السكان؟
وفقا لبيانات نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية بمناسبة يوم "توحيد القدس" التي توافق الذكرى الـ 56 لاحتلال شرقي المدينة المقدسة (غرب القدس احتل في نكبة عام 1948) فإن عدد اليهود فيها عام 2022 بلغ 595 ألفا من أصل نحو مليون شخص يعيشون بالمدينة، ويشكل هؤلاء ما نسبته 60.8% من إجمالي السكان.
-
ما التقسيمات الدينية لليهود في القدس؟
حسب بيانات أصدرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية عام 2021، فإن اليهود في القدس يتوزعون على التصنيفات الآتية:
%34 يهود حريديون: المتشددون دينيا لا قوميا. 26% يهود تقليديون: ليسوا علمانيين ولا متزمتين ويلتزمون بالحد الأدنى من الفرائض الدينية. 20% يهود علمانيون: غير متدينين ولا يلتزمون بأي من الفرائض الدينية. 19% يهود متدينون: المتزمتون قوميا.
وتظهر المعطيات أيضا أنه منذ عام 2002 ازدادت نسبة الحريديم في القدس، وانخفضت بالمقابل نسبة المستوطنين التقليديين غير المتدينين.
-
هل نجحت الحكومة الإسرائيلية عبر ضخ ميزانيات ضخمة لتهويد القدس في جعل المدينة جاذبة لليهود؟
أظهر استطلاع للقناة 12 الإسرائيلية أن 62% من الإسرائيليين يرفضون العيش في القدس، مقابل 30% أبدوا استعدادا لذلك.
ويرى الباحث الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي أن نحو ثلثي اليهود يرفضون العيش في القدس مقابل ثلث يقبل بذلك، وبالمقابل إصرار المقدسيين مسلمين ومسيحيين على التمسك بالمدينة والبقاء فيها بأي طريقة ممكنة رغم ما يقاسونه من إجراءات قمعية إسرائيلية، مما يشير إلى مدى الانتماء الحقيقي للقدس بين من يرون فيها مدينتهم، وبين الدخلاء عليها الذين يفرضون أنفسهم فيها بقوة السلاح.
كما أن كفة ميزان الهجرة السلبية من القدس ترجَح مقابل الهجرة الداخلية والخارجية الوافدة إليها، حسب بيانات دائرة الإحصاء الإسرائيلية مؤخرا.
وعام 2022 دخل نحو 12 ألفا و200 مستوطن للعيش بالقدس قادمين من مستوطنات ومدن تل أبيب ويافا وبني براك وبيت شيمش، بينما غادر المدينة 27 ألفا و700 مستوطن إلى مستوطنات جفعات زئيف وبيت شيمش ومدن تل أبيب ويافا، وبهذا تكون الهجرة الداخلية أنقصت عدد المستوطنين بالقدس نحو 15 ألفا و500 شخص خلال عام واحد فقط.
ودفعت معطيات الهجرة السلبية من القدس -السنوات الأخيرة- الحكومة الإسرائيلية لرصد مبلغ 95 مليون شيكل (26 مليون دولار) لتشجيع المهاجرين اليهود من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما على الاستيطان بالقدس.
وسيجري ذلك عبر خطة ستنفذ على مدار 3 أعوام تمت صياغتها بالتعاون بين وزارات الهجرة والاستيعاب، التربية والتعليم، الثقافة والرياضة، بلدية الاحتلال في القدس.
-
ما تصنيف المدينة المقدسة اقتصاديا؟ وما أثر الوجود المكثف للحريديم على أوضاع اليهود المعيشية؟
تُعد القدس من أكثر المدن فقرا في البلاد، لأن اليهود "الحريديم" (المتدينين) يشكلون عبئا كبيرا على دولتهم، فلا يتلقى هؤلاء تعليمهم في العلوم الحياتية المختلفة ويكرّسون وقتهم لتعلم العلوم الدينية التي لا تساعدهم على الاندماج في سوق العمل الإسرائيلي.
ولأن الاقتصاد الإسرائيلي -وفقا للباحث المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد-حديث ومتنوع ومتطور يعتمد على مؤهلات معينة، فلا يمكن للحريديم الانخراط به من جهة، ومن جهة أخرى هم لا يريدون الذهاب لسوق العمل لأنهم يمارسون الفريضة الشرعية في التعلم الديني ويؤمنون أنهم خُلقوا ليعبدوا الله ويتزوجوا وينجبوا لزيادة نسل اليهود فقط.
ويستنزف هؤلاء ميزانيات ضخمة من حكومتهم التي لا يمكن أن تدير ظهرها لهم كونهم الفئة التي تساعد على حسم الديمغرافيا في القدس لصالح اليهود. ومع هذا الوضع يواجه العلمانيون اليهود تحدي تعويض الأزمة وسد الفجوة الاقتصادية في المدينة.
-
لماذا لا يفضّل اليهود وخصوصا العلمانيين الإقامة في القدس؟
لأنه وفقا للباحث شديد، يحاول الحريديم فرض أنماط حياتهم على سائر شرائح السكان، ويجد العلمانيون أزمة في التكيّف مع ذلك ويرى بعضهم أن التعامل مع العرب شرقي المدينة -رغم صعوبة ذلك- أسهل من الانسجام مع الحريديم.
ولأن هؤلاء يشكلون أغلبية، تُلاحظ هجرة العلمانيين وتحديدا الشباب والمؤهلين والأزواج الشابة من القدس إلى مدن ومستوطنات أخرى.
وينعكس فرض المتدينين أنفسهم على طابع المدينة في المناطق التي يستوطنون بها لدرجة أن بعض الأحياء تكاد تكون محرمة على غير المتدينين.
ووفقا للباحث خلدون البرغوثي، ينعكس هذا الواقع على تصاعد مستوى الفقر في صفوف اليهود؛ إذ تظهر الإحصائيات أن بلدية الاحتلال بالقدس يمكن أن تنهار إذا لم توفر لها الحكومة الإسرائيلية دعما يصل إلى مليار شيقل سنويا (نحو 270 مليون دولار).
ويعود ذلك لكون المدينة ليست مركزا للأعمال وللشركات والمناطق الصناعية، بينما يشكل المتدينون -خاصة المتفرغين لدراسة التوراة- نسبة كبيرة ممن يتلقون دعما ماليا حكوميا دون أن يكونوا منتجين.
-
إلى أي درجة يؤثر الوضع الأمني على استقرار اليهود بالقدس؟
يرتبط العامل الأمني بتوجهاتهم الدينية. ويقول الباحث البرغوثي إن الليبراليين خاصة من الوسط واليسار يفضلون منطقة تل أبيب ومحيطها باعتبارها تمثل توجهاتهم السياسية والأيديولوجية ومستوياتهم العلمية وطبيعة عملهم، ويسعى هؤلاء إلى نسيان وجود الاحتلال لتجنّب حقيقته والتأثر بتبعاته.
وتشكل حالة الاشتباك الدائمة في القدس بالذات وضعا يتجنبه هؤلاء عبر الابتعاد عنها، مقابل تزايد المتدينين الحريديم وأتباع "الصهيونية الدينية" الذي يسعون إلى فرض أجندتهم الدينية والسياسية في المدينة، مما يساهم في زيادة التوتر الأمني والمواجهات مع الفلسطينيين.
من ناحيته، يعتقد الباحث شديد إن العامل الأمني يحتاج لدراسة عميقة، لكنه يجزم بأن أحد الأسباب الرئيسية للتنقلات الداخلية في إسرائيل هو البعد الديني والإثني، لأن المجتمع اليهودي منقسم بشكل حاد، ومكوناته غير قادرة على التكيف مع بعضها البعض.