نفي أوكراني بعد إعلان موسكو السيطرة عليها.. هل حسمت معركة باخموت؟

Wagner mercenary group fighters wave flags on top of a building in an unidentified location
قوات فاغنر تلوح بالعلم الروسي بعد إعلانها السيطرة على باخموت (رويترز)

كييف، موسكوـ بحكم موقعها الجغرافي، تتسم باخموت شرقي أوكرانيا -التي أعلنت روسيا سيطرتها عليها- بأهمية إستراتيجية لكلا الجانبين، فالروس يصفونها بالقلعة التي سقطت، والأوكرانيون يتخوفون من أن تفتح أبوابها الطرق أمام تقدم الروس نحو مدن أخرى في مقاطعة دونيتسك، التي تخضع بنسبة 53% لهم.

وذلك لأن المدينة تقع على مفترق طريقين دوليين يصلانها بباقي أرجاء دونيتسك، وخاصة الطريق "إم 03" (M03)، الذي يؤدي إلى مدن كونستانتينيفكا وكراماتورسك وسلوفيانسك، أكبر وأهم المدن في الجزء الخاضع للسيطرة الأوكرانية من المقاطعة التي ضمتها روسيا إلى أراضيها في سبتمبر/أيلول من السنة الماضية.

ففي أوكرانيا، خلفت مستجدات المعارك في باخموت حالة ارتباك كبيرة لا يمكن تجاهلها، عبرت عنها تصريحات متناقضة لعدد من المسؤولين، ثم موجات من النفي والتوضيح لبعضها، قبل أن يلتزم الجميع بعبارات حازمة نفت سقوط المدينة بيد الروس، وأكدت أن القوات الأوكرانية مستمرة بأداء مهامها الدفاعية هناك.

 

Aerial view shows destructions in the frontline town of Bakhmut
المواجهات في باخموت خلفت دمارا هائلا في المدينة (رويترز)

تطويق "عملياتي"

النفي الأوكراني لسقوط باخموت مبني على سلسلة إعلانات سبقته خلال الأسبوع الماضي بشأن استعادة قوات كييف السيطرة على أكثر من 20 كيلومترا مربعا في منطقة المدينة، مع الاحتفاظ بمرتفعات مهمة تطل عليها، ومواقع دفاعية في جزئها الجنوبي الغربي.

من جهته، يرى قائد القوات البرية الأوكرانية العقيد أوليكساندر سيركي أن المدينة تشهد "تطويقا عملياتيا" من الأجنحة الشمالية الغربية والغربية والجنوبية الغربية، في حين يؤكد المتحدث باسم الجيش الأوكراني سيرهي شريفاتي أن "الروس لن ينعموا بالسلام داخل المدينة، وتطويقها يمهد لعمليات مضادة فيها".

بالنسبة لبعض المراقبين، لا يصح أصلا التعامل مع النتائج الراهنة لمعركة باخموت على أنها منعطف، ومن السابق لأوانه الحديث عن نصر أو خسارة.

في حديث مع الجزيرة نت، يقول إيفان ستوباك، عضو معهد دراسات الحرب البريطاني والخبير العسكري في المعهد الأوكراني للمستقبل، "داخل المدينة كان ينتقل ببطء إلى سيطرة الروس، بتكلفة بلغت ما لا يقل عن 70 ألف جندي، وكان من الواضح أيضا أن مجموعة فاغنر العسكرية شارفت على الانهيار".

وتابع "مؤخرا دفعت فاغنر ووزارة الدفاع الروسية أعدادا هائلة من الجنود إلى باخموت، حتى من قواتها الموجودة بعيدا في بيلاروسيا، لأنها أرادت الإعلان عن نصر ما، يسوّق لصالح الكرملين في الداخل الروسي".

وعلى حد رأي ستوباك: "كيف يمكن لروسيا وصف سقوط باخموت بأنه نصر؟ إنها لم تسقط مدينة كبيرة، ولم تستطع الوصول إلى مركز باخموت إلا بعد 9 أشهر من القتال، في حين كانت أوكرانيا -ولا تزال- تتعامل مع المدينة كأفضل مكان لقتل أكبر عدد من الجنود الروس، وهذا ما يحدث".

Founder of Wagner private mercenary group Yevgeny Prigozhin makes a statement in Bakhmut
رئيس مجموعة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين يدلي ببيان في باخموت (رويترز)

تبطيء "العمليات المضادة"

وفي المقابل، تشير تقديرات أوكرانية أخرى إلى أن سقوط باخموت، بغض النظر عن النفي الأوكراني، سيضع كييف أمام حسابات جديدة وقد يؤثر على مسار الحرب وخطط "العمليات المضادة".

من جهته، يقول المحلل العسكري يوري فيدوروف للجزيرة نت إن "تقدم الروس في باخموت يمنحهم إمكانية استهداف مدن دونيتسك بأنواع أكثر وأرخص تكلفة من الأسلحة، وهذا سيكون مؤشرا قريبا على حقيقة الوضع في المدينة".

ويضيف: "فتح جبهات ساخنة في مقاطعة دونيتسك لن يكون في مصلحتنا طبعا، بل إنه قد يؤدي إلى تغيير الأولويات والخطط المعدة لتلك العمليات المضادة التي ننوي القيام بها، أو تبطيئها على أقل تقدير".

ويرى فيدوروف أنه "يجب عدم الاستهزاء بإعلان الكرملين النصر في باخموت، حتى وإن كان كاذبا أو مكلفا، فبذلك يمهد الشعب الروسي لإجراءات تعبئة وتصعيد، وهو خاضع يصدق آلة الدعاية في روسيا"، على حد قوله.

بعد طول انتظار

أما في روسيا، فشكل إعلان السيطرة على باخموت حدثا نوعيا في أكثر من اتجاه، فمن الناحية العسكرية، من شأن السيطرة على المدينة الإستراتيجية تمكين الجيش الروسي من دخول الطرق المؤدية إلى سلافيانسك وكراماتورسك، ومن ثم اكتساب أوراق قوة ميدانية كبيرة في المنطقة.

أما من الناحية الرمزية، فإن تزامن دخول القوات الروسية إلى باخموت مع مرور عام بالضبط على ماريوبول يعد أول انتصار كبير لروسيا في العام الحالي، ورغم أهمية السيطرة على منطقة سوليدار مطلع العام الحالي، فإن الفرق يكمن في أن الأخيرة تمت السيطرة عليها بسهولة نسبيًا، خلافًا للحال في باخموت.

كما حرك الحدث في باخموت "المياه الراكدة" لجهة الحديث عن تحقيق إنجاز وازن في سير العمليات العسكرية، التي راوحت لبعض الوقت بين الكر والفر، وفق مراقبين روس.

وقال محللون روس إن السيطرة على باخموت أعطت دفعة سياسية وعسكرية ومعنوية قوية في آن واحد، لاستكمال أهداف العملية العسكرية الروسية والمتمثلة في إكمال السيطرة على دونباس.

ويرى الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين أن رفع العلم الروسي في باخموت شكل "ضربة معنوية" للقوات الأوكرانية، وإضعاف الرهان على قدرة الأسلحة الغربية في وقف التقدم العسكري الروسي، بعد أن دُمرت الأسلحة السوفياتية التي بحوزة أوكرانيا بالكامل تقريبًا خلال المعارك.

وتوقع ليتوفكين -في حديثه مع الجزيرة نت- أن تشجع التطورات الجديدة الجيش الروسي وقوات فاغنر على المضي قدمًا في إخراج وإبعاد القوات الأوكرانية من المناطق الأخرى الواقعة بالقرب من المدينة، ودفع خطوط المواجهة للخلف حتى لا تتمكن القوات الأوكرانية من قصف القوات الروسية والمناطق التي أصبحت تسيطر عليها الآن.

مركز لوجستي

وبدوره، يشير الخبير العسكري أناتولي ماتفيشوك إلى أن باخموت شكلت مركزا دفاعيا ولوجستيا مهما للقوات الأوكرانية، أتاح لها تزويد وحداتها القتالية في دونباس بالذخيرة والأدوية ونقل الأفراد بشكل فعال، لكن خسارتها المدينة جعلها كذلك تفقد القدرة على تنفيذ عمليات هجومية واسعة النطاق.

ولفت إلى أن القوات الأوكرانية ارتكبت خطأ تكتيكيا -كبدها لاحقا خسائر فادحة- عندما نقلت بشكل مبالغ فيه قوات الاحتياط، وبشكل متواصل إلى المدينة، بما في ذلك تشكيلات النخبة، وهو ما كان من المفترض أن يمنحها ميزة عددية، لكنها أخفقت في الحفاظ على المدينة، وتم سحقها في أعنف المعارك، حسب وصفه.

ويضيف ماتفيشوك أن ذلك لا يعني أن ما حصل لن يشكل دافعا للقوات الأوكرانية، بأن تسرع من البدء في الهجوم المضاد الذي تتحدث عنه لأشهر، لأنها أصبحت في موقف حرج أمام الرأي العام الأوكراني نتيجة التطورات الأخيرة.

واعتبر أن ما تحقق يشكل إنجازا لقوات فاغنر وقائدها شخصيا، بعد الحديث عن خلافات مع المركز بسبب ضعف التسليح، وقراره السابق بسحب قواته من المدينة بعد عيد النصر، متابعا أن الأمور ستتغير بشكل جذري الآن في ملف الاهتمام بتسليح المجموعة ودورها المستقبلي، بعد "النصر المدوي في باخموت"، وفق تعبيره.

المصدر : الجزيرة