بين الأزمة الإنسانية في السودان وأسبابها.. "اتفاق جدة 2" هل تهزمه البنود الغامضة؟

اتفاق جدة وقّعه عن الجيش اللواء محجوب بشرى (يسار) وعن الدعم السريع العميد عمر حمدان (رويترز)

الخرطوم- في خطوة جديدة اعتبرها مراقبون اختبارا حقيقيا لرغبة وجدية الطرفين في إنهاء الحرب المستمرة منذ 37 يوما، وقّع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اتفاقا لوقف النار قصير الأمد وترتيبات إنسانية، لكن المراقبين أنفسهم شككوا في التزام الطرفين بالاتفاق بسبب مصاعب حقيقية ونصوص غامضة وفضفاضة يمكن استغلالها للتهرب من التعهدات.

وقالت مصادر أفريقية -تراقب مفاوضات جدة التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية- إن عملية التفاوض غير المباشرة استمرت أسبوعا بسبب مناورات الطرفين، ومحاولة إقحام قضايا غير مرتبطة بوقف النار والترتيبات الإنسانية.

وأوضحت المصادر للجزيرة نت أن أبرز القضايا التي أبطأت بالمفاوضات هي المطالبة بإعادة هيكلة الجيش وإشراك سياسيين في هذه المرحلة، وسحب قوات الدعم السريع إلى خارج العاصمة، وإيجاد مخارج آمنة لقيادات عسكرية تمكنهم من مغادرة البلاد للعلاج.

وحسب المصادر ذاتها، فإن الاتفاق فرضته موازين القوى على الأرض، فضلا على ضغوط دولية وإقليمية تخشى من دخول السودان في حرب أهلية وفوضى، تؤدي إلى انتشار التطرف والإرهاب وتشجع الهجرة غير النظامية، مما يؤثرعلى الإقليم الممتد من القرن الأفريقي شرقا وحتى الساحل الأفريقي غربا.

تمسك بحق الرد

وتمسك الجيش السوداني بحق الرد على أي اعتداء من قوات الدعم السريع على مواقعه، حسب مسؤول عسكري تحدث للجزيرة نت.

وقال المسؤول العسكري -الذي فضل عدم كشف اسمه- إن قناعتهم أن الطرف الآخر لن يلتزم بالاتفاق، بسبب انهيار منظومة القيادة والسيطرة للمتمردين من أول أيام الحرب، وتحولها إلى جزر معزولة، كما أن خروجهم من مواقع الخدمات المدنية سيجعلهم هائمين على وجوههم بعد تدمير قواعدهم ومعسكراتهم حول العاصمة.

وأضاف أنهم لاحظوا اختفاء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" وأخيه القائد الثاني للقوات عبد الرحيم حمدان دقلو، وتعذر على قادتهم الميدانيين التواصل معهما، وبات الرجل الثالث مسؤول العمليات اللواء عثمان حامد هو من يقود الدعم السريع عمليا، مما يجعل تنفيذ الاتفاق صعبا بسبب الأوضاع الداخلية المعقدة لدى الطرف الآخر.

في المقابل، أعلنت قوات الدعم السريع، ترحيبها بتوقيع اتفاق مع الجيش وقالت في بيان إنها ملتزمة تماما بوقف إطلاق النار، والعمل على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وفتح الممرات للمدنيين.

وأضاف البيان "نحن اليوم أكثر إصرارا وعزيمة على ضرورة كسر هذه الحلقة الشريرة التي ظلت تتحكم في مصير شعبنا ظلما واستبدادا".

اتفاق معيب

يرى رئيس السلطة الإقليمية في دارفور السابق التجاني سيسي، أن اتفاق جدة شرعن قوات الدعم السريع كصنو للجيش، وأعطى لها حق التمركز والاحتفاظ بالمواقع التي تسيطر عليها، ما يعني منحها منصات انطلاق ومقار بدلاً عن قواعدها ومقارها الإدارية التي دمرها الجيش.

وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد سيسي أن الاتفاق يجرد الجيش والقوات الأمنية من النهوض بمهامها من بسط الأمن وحرية الحركة والتحكم في مداخل المواقع الإستراتيجية، كما أنه لم يعرف مناطق التمركز أو الاحتفاظ بالمواقع، هل المقار السابقة أو مناطق أخرى؟

وأوضح أن الاتفاق أعطى كذلك القوات المرتكزة حق التفتيش وتوقيف المواطنين وتعطيل حرية التنقل، وحرم الجيش من التفوق الجوي والطلعات الروتينية، بل لم يتح لها حق الرد على أي تهديدات تطالها.

وأضاف أن الاتفاق لم يحدد شكل ونظام ومواقع الخدمات الطبية لقوات الدعم السريع بعد خروجها من المستشفيات التي تسيطر عليها، ولم ينص على حق الجيش والقوات الأمنية الأخرى في الدوريات التأمينية للمواطنين.

ضمانات قوية

بدوره، يقول خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الإستراتيجية أمين إسماعيل مجذوب، إن اتفاق جدة يرضي الطرفين ولكنه لا يحقق لهما مطالبهما، ورفض اتهام الجيش بتقديم تنازلات كبيرة رغم تفوقه العسكري وكسر شوكة الدعم السريع، لافتا إلى أن الجيش حريص على حماية المواطنين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى مجذوب أن هناك ضمانات قوية لتنفيذ الاتفاق، تشمل، إنشاء آلية للرقابة، ووقوف المجتمع الدولي والإقليمي خلفه، والأوضاع الإنسانية الضاغطة مثل نقص الغذاء والأدوية ومصاعب النقل، ثم رغبة الطرفين في طي صفحة الصراع بعد نحو 6 أسابيع من المواجهات الدامية.

وعن عدم تحديد الاتفاق مواقع تجمع قوات الدعم السريع عقب انسحابها من المستشفيات ومراكز الخدمات، يرى مجذوب أن الجيش لا يرغب في وضع قوات الدعم السريع في معسكرات حاليا، ويريد أن يتيح فرصة للراغبين في مغادرة الخرطوم بعد خروجهم من المواقع المدنية المحددة.

ترتيبات ومحظورات ومفاوضات مقبلة

يتضمن الاتفاق 9 ترتيبات إنسانية و25 عملا محظورا، ويسري اتفاق وقف إطلاق قصير الأمد مساء الاثنين بتوقيت السودان، ويستمر 7 أيام في جميع أنحاء البلاد، ويجوز للطرفين الموافقة على تجديد أو تحديث الاتفاق لفترات إضافية.

ووقع الاتفاق عن الجيش اللواء محجوب بشرى وعن الدعم السريع العميد عمر حمدان.

وينص الاتفاق احتفاظ كل طرف بمواقع سيطرته، وتشكيل لجنة مراقبة وتنسيق وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية تتألف من 12 عضوا، هم: 3 ممثلين للولايات المتحدة ومثلهم للسعودية، و3 ممثلين للجيش ومثلهم للدعم السريع.

وتعهد الطرفان بإيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسية، كما اتفق الطرفان على تسهيل المرور الآمن لمقدمي المساعدات الإنسانية، مما يسمح بتدفق المساعدات دون عوائق من موانئ الدخول إلى السكان المحتاجين.

ومن أبرز المحظورات: وقف الهجمات الجوية والقصف الجوي بالطائرات والمدافع الثقيلة والطائرات المسيّرة، ومنع أعمال التجسس برا وبحرا وجوا، واحتلال المستشفيات والمنشآت العامة "الكهرباء والماء"، والاعتقالات وأخذ الرهائن واستخدام المواطنين دروعا بشرية.

وسمح الاتفاق للطرفين بتوريد المواد غير القتالية والتحركات الإدارية ذات الصلة داخل مناطق سيطرة كل طرف.

وحسب الاتفاق، تركز جولة المفاوضات المقبلة على خطوات إضافية لتحسين الظروف الأمنية والإنسانية للمدنيين، مثل إخلاء المراكز الحضرية من القوات بما في ذلك منازل المواطنين، وتمكين الموظفين العموميين من استئناف واجباتهم، والتوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية من أجل الانتقال إلى عملية سياسية لاستئناف التحول إلى عملية سياسية للانتقال الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية.

المصدر : الجزيرة

إعلان