120 ألف شكوى خلال شهر.. المصريون يواجهون دوامة البيروقراطية بالخدمات الرقمية

مجمع التحرير كان رمزا للبيروقراطية المصرية وزحام المواطنين في المصالح الحكومية قبل التحول الرقمي المصدر: مواقع التواصل
مجمع التحرير كان رمزا للبيروقراطية وزحام المواطنين في المصالح الحكومية قبل التحول الرقمي (مواقع التواصل)

القاهرة– طوال أكثر من 3 أشهر، ظلت الأرملة الستينية تتردد على مكتب الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بمحافظة أسيوط (جنوب مصر)، في محاولة يائسة لإنهاء إجراءات الحصول على مستحقاتها من معاش والدها الراحل.

6 ساعات على الأقل كانت تستغرقها الرحلة المرهقة بالقطار بين محافظة القاهرة التي تعيش فيها "سعاد" (اسم مستعار وفق طلبها) ومحافظة أسيوط حيث يوجد مكتب التأمينات الحكومية التابع له معاش والدها، والتي تكررت 4 مرات خلال 3 أشهر.

تروي الأرملة العجوز -للجزيرة نت- معاناتها مع طلبات روتينية كانت تبدو بلا نهاية، قبل أن تلجأ إلى منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة التي وضعت حدا لرحلتها الصعبة.

حالة "سعاد" واحدة من بين مئات الآلاف من الحالات التي واجهت معوقات البيروقراطية والإجراءات الروتينية في المصالح الحكومية المختلفة، لتتجه إلى منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة التي تلقت أكثر من 120 ألف شكوى وطلب واستغاثة في شهر مارس/آذار الماضي، بمعدل نحو 4 آلاف شكوى يوميا، وفق بيان أصدره مجلس الوزراء الأسبوع الماضي.

منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة تلقت ملايين الشكاوى من المصريين (الجزيرة)
منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة تلقت ملايين الشكاوى من المصريين (الجزيرة نت)

دوامة بيروقراطية

أوراق وأختام وإقرارات، وطلبات مستمرة، عانت منها "سعاد" طوال 3 أشهر، وفي كل مرة يؤمّلها الموظف المسؤول بأن أوراقها اكتملت ولم يبق سوى تحويل المعاش إلى حسابها البنكي تفاجأ بأن هناك مزيدا من الأوراق لا بد من تقديمها.

وفي نهاية الأشهر الثلاث اختفت أوراقها في أدراج مكاتب الهيئة كما تقول، ولم تعد تدري مصيرها، "أيقنت أني وقعت في الدوامة البيروقراطية التي كنت أعتقد أنها مبالغات في الأفلام"، على حد وصفها.

كادت المرأة العجوز تبكي يأسا، وبينما تهمّ بمغادرة مكتب التأمينات اقترب منها موظف شاب، وأعطاها نصيحة بأن تقدم "شكوى على الإنترنت"، عبر موقع منظومة الشكاوى الموحدة التابع لمجلس الوزراء، "فهم يهتمون كثيرا بمثل حالتها".

لم تكن المرأة تعلم شيئا عن منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة التي أنشئت عام 2017 بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 314 بهدف تعزيز التواصل مع المواطنين، لحل مشكلاتهم في مختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية بما في ذلك الوزارات والمصالح ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة المختلفة.

وخصصت المنظومة 5 طرق لتلقي شكاوى المواطنين وهي: البوابة الإلكترونية للشكاوى وهي الموقع الرسمي للمنظومة، وخط الهاتف الساخن، وتطبيق للهواتف المحمولة يحمل اسم "في خدمتك"، بجانب مكاتب خدمة المواطنين في الجهات والهيئات الحكومية، فضلا عن تخصيص أرقام على تطبيق واتساب لاستقبال الشكاوى المصورة لأماكن تراكم وتركز القمامة والمخلفات.

وتعهدت المنظومة بضمان سرية الشكاوى المقدمة والوثائق والمعلومات المتعلقة بها سواء كانت ورقية أو إلكترونية أو صوتية مسجلة.

الأمل الأخير

رغم تشكيك الأرملة "سعاد" في البداية في جدوى هذه الخطوة، فإنها تمسكت بأهداب الأمل الأخير، "المعيشة صعبة وكنت أحتاج إلى هذا المعاش بشدة" كما تؤكد، ولأنها غير ملمة بالتكنولوجيا الحديثة لجأت إلى ابن أختها ليقوم بتسجيل شكواها على الموقع الرسمي لمنظومة الشكاوى.

ولم تمض سوى ساعات قليلة حتى بشر الشاب خالته بأن شكواها أحيلت إلى صندوق العاملين بالقطاع الحكومي في الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي في أسيوط وسيأتي الرد عليها قريبا.

لم يتأخر الرد، وخلال يومين تلقت السيدة ردا على شكواها بأن ملفها في الإدارة القانونية للهيئة وستحل مشكلتها بعد استيفاء ورقة أخيرة.

سارعت "سعاد" بتقديم الورقة المطلوبة، وخلال أسبوعين جاءتها البشرى بأن المعاش قد أصبح متاحا في حسابها البنكي ويمكنها الحصول عليه.

طوق نجاة

سرعة الاستجابة التي أبدتها المنظومة تجاه الشكاوى والاستغاثات الموجهة إليها بحل كثير منها أوجدت للمصريين طوق نجاة للهرب من تعقيدات البيروقراطية وقواعد الروتين الحكومي العتيقة، ليبلغ عدد الشكاوى والاستغاثات التي تلقتها المنظومة قرابة 5 ملايين شكوى منذ عام 2017 حتى اليوم.

ووفق بيانات مجلس الوزراء وتصريحات مسؤولي المنظومة، بلغ عدد الشكاوى بين يوليو/تموز 2017 ويوليو/تموز 2021 نحو 3.2 ملايين شكوى وطلب واستغاثة، ونجحت المنظومة في حل 89% منها، وكان النصيب الأكبر منها في عامي 2020 و2021 يتعلق بالنواحي الصحية في ظل انتشار فيروس كورونا.

وبحلول نهاية مايو/أيار 2022 وصل عدد الشكاوى إلى أكثر من 4.25 ملايين شكوى وطلب واستغاثة، وفق تصريحات مدير المنظومة طارق الرفاعي.

وفي عام 2022 وحده تلقت المنظومة نحو مليون شكوى وطلب واستغاثة، أبرزها يتعلق بالصحة والرعاية الاجتماعية والتموين والتعليم، بينما بلغ عدد الشكاوى في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 الجاري نحو 332 ألف شكوى.

وفي تقرير أصدره مجلس الوزراء المصري مطلع الشهر الجاري عن جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، ظهر استقبال ورصد 120 ألف شكوى وطلب واستغاثة خلال شهر مارس/آذار 2023، وجهت 96 ألفا و500 شكوى منها لجهات الاختصاص، وحفظت 19 ألفا و500 شكوى، بينما لا تزال 4 آلاف شكوى أخرى قيد المراجعة.

واستأثرت بالنصيب الأكبر من شكاوى وطلبات المواطنين قطاعات الإسكان والمرافق، والضمان والحماية الاجتماعية، وخدمات الأمن، والرعاية الصحية، والخدمات والسلع التموينية، والجهاز الإداري، والاتصالات والبريد، بنسبة 72% من إجمالي الشكاوى خلال مارس/آذار.

وكان للوزارات النصيب الأكبر من الشكاوى الشهر الماضي بنسبة بلغت 67%، أما المحافظات فاختصت بنسبة 22% من إجمالي الشكاوى، وتلتها الهيئات والجامعات المرتبطة بالمنظومة بنسبة 11%.

وتتفاوت آراء المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي تجاه أداء المنظومة، فيرى بعضهم أن الأرقام الضخمة لعدد الشكاوى التي تتلقاها المنظومة الحكومية تعكس ازدياد ثقة المصريين بها.

ولكن آخرين حذروا من أن تزايد أعداد الشكاوى أدى إلى وجود بطء في التعامل مع الشكاوى والاكتفاء بردود الجهات المشكوة من دون تدقيق، كما أن هذا الكم من الشكاوى يشير في الوقت نفسه إلى استمرار المعوقات البيروقراطية والروتين في المصالح الحكومية.

خدمات إلكترونية

وإذ تمثل منظومة الشكاوى الموحدة تطورا كبيرا في استخدام التكنولوجيا الحديثة في التيسير على المصريين، فإن هناك العديد من الخدمات الإلكترونية الأخرى التي لا يعلم عنها كثير من المصريين ويمكن أن توفر عليهم كثيرا من عناء التعامل مع طوابير وزحام المؤسسات الحكومية، ومن أهمها:

  • بوابة الحكومة المصرية: تتيح للمواطنين الوصول إلى مجموعة من الخدمات مثل استخراج الوثائق الشخصية، وحجز تذاكر القطارات، وخدمات مكاتب الشهر العقاري، ونيابات المرور، وشكاوى واستفسارات المواطنين.
  • منصة "مصر الرقمية": وهي منصة إلكترونية تتيح للمصريين الاستفادة من خدمات مختلفة تتعلق بالتموين والكهرباء والشهر العقاري والتراخيص والسجل التجاري والمحاكم والضرائب العقارية والأحوال المدنية والتأمين الاجتماعي والتأمين الصحي ودار الإفتاء.
المصدر : الجزيرة