خوفا من الاغتيال أم خطة سابقة؟.. جدل حول خروج قيادات نظام البشير من السجن

بسبب جرائم دارفور.. هل بات البشير على طريق المحكمة الدولية؟
الرئيس السوداني السابق عمر البشير وعدد من رموز نظامه معتقلون في مستشفى علياء العسكري في الخرطوم (الجزيرة)

الخرطوم- أثار خروج مجموعة من قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان سابقا ورموز نظام الرئيس السابق عمر البشير من السجن، سجالا واسعا في الخرطوم؛ حيث اعتبرته قوات الدعم السريع وتحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي ضمن خطة لإعادة الإسلاميين إلى السلطة، بينما يرى آخرون الأمر طبيعيا كونهم خرجوا ضمن آلاف آخرين فروا من السجون.

ومن أبرز القيادات التي غادرت موقع احتجازها بعد 3 أيام من نقلها من سجن كوبر، علي عثمان طه نائب الرئيس السابق، ومساعده نافع علي نافع، والرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني أحمد هارون، ووزير الطاقة والنفط السابق عوض الجاز، ومدير هيئة الإذاعة والتلفزيون السابق محمد حاتم سليمان، وآخرون من العسكريين المتقاعدين.

بيان يثير ارتباكا

ويوم الأحد الماضي، اتهمت السلطات قوات الدعم السريع باقتحام سجن كوبر العمومي في الخرطوم بحري وإطلاق سراح آلاف النزلاء منهم محكومون بالإعدام. وسرت شائعات بهروب قيادات نظام البشير، لكن إدارة السجن أوضحت أن تلك القيادات تم نقلها إلى مكان آمن.

ومساء أمس الثلاثاء، فاجأ الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني أحمد هارون، السودانيين ببيان صوتي قال فيه إنه غادر السجن مع مسؤولين سابقين آخرين، وإنهم سيوفرون الحماية لأنفسهم.

وأشار هارون إلى أنهم مكثوا في السجن "تحت تبادل نيران المعركة 9 أيام"، وقد انقطعت عنهم إمدادات المياه والكهرباء والغذاء بشكل تام وغادر كل نزلاء السجن الآخرين، وبقوا وحدهم حتى تم نقلهم إلى موقع آخر بحراسة 3 رجال شرطة.

وأضاف القيادي السابق -وهو مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية- أنه "مستعد إضافة إلى المسؤولين السابقين الآخرين للمثول أمام القضاء عندما يضطلع بدوره".

ولاحقا، قال الجيش إن البشير وعددا آخر من رموز نظامه من العسكريين محتجزون في مستشفى علياء العسكري، حيث نقلوا من سجن كوبر قبل المواجهات العسكرية في الخرطوم.

وبجانب البشير في المستشفى نائبه السابق بكري حسن صالح، ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين، واللواء أحمد الطيب الخنجر، ووزير الشباب والرياضة السابق يوسف عبد الفتاح، حيث يخضعون للرعاية الطبية تحت حراسة الشرطة القضائية.

خوف من المجهول

بدوره، كشف قيادي في حزب المؤتمر الوطني أن قيادات الحزب التي غادرت موقع احتجازها لم تهرب مع آلاف فروا من سجن كوبر الأحد الماضي، ولكنها اتخذت قرار المغادرة بعدما حصلت على معلومات دقيقة حول أن قوات الدعم السريع أقرت ضمن خطتها للاستيلاء على السلطة، تصفية 32 من الرموز العسكرية والسياسية تشمل قيادات حزبه.

ويوضح القيادي -الذي تحدث مع الجزيرة نت، طالبا عدم الكشف عن هويته- أن القيادات التي خرجت كانت تعتقد أنه سيتم تأمينها بقوة عسكرية كافية، ولكنها لم تجد معها سوى 3 رجال شرطة بأسلحة خفيفة.

ولفت إلى أن الشرطة أدركت أنها لا تستطيع حماية تلك القيادات ولا تريد تحمل مسؤولية ما يمكن أن يحدث لهم، لذا لم تمانع في مغادرة موقع احتجازهم، كما تلقت منهم تعهدات والتزاما بالمثول أمام المحاكم التي تنظر في قضاياهم بعد زوال الأزمة الحالية.

وأوضح أنه جرت محاولتان لاقتحام سجن كوبر من مجموعة مسلحة تنتمي إلى الدعم السريع، يبدو أنها كانت مكلفة بتصفية المعتقلين السياسيين، وذلك بعد تكرار قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" في أحاديث عقب اندلاع الحرب أن الإسلاميين دفعوا الجيش لمنازلته من أجل إعادتهم إلى السلطة.

وأشار إلى أن القادة الذين خرجوا من المعتقل لم يذهبوا إلى منازلهم حتى لا يتم استهدافهم، حيث جرى نقلهم إلى منازل يسهل تأمينها للدفاع عن أنفسهم، مؤكدا أنهم لم يغادروا السودان ومستعدون للمثول أمام القضاء بعد مباشرة مؤسسات الدولة المعطلة نشاطها بسبب الحرب.

سجال سياسي

عقب نشر هارون تسجيلا صوتيا شرح فيه ملابسات مغادرة السجن ودعا فيه قواعد حزبه إلى الالتفاف حول القوات المسلحة، رد الجيش ببيان أكد فيه أنه لا علاقة له بالبيانات الصادرة عن رموز نظام البشير الفارين من سجن كوبر، ومن ضمنها بيان أحمد هارون.

وحمّل بيان الجيش، قوات الدعم السريع مسؤولية اقتحام السجون وإطلاق نزلائها بطريقة عشوائية في محاولة لخلق فوضى بالبلاد.

في المقابل، اتهمت قوات الدعم السريع، الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش بأنها وراء إطلاق سراح رموز النظام السابق بالتنسيق مع الإسلاميين، ضمن مخطط لإعادتهم إلى السلطة، وهدد مستشار حميدتي للشؤون السياسية يوسف عزت بالبحث عن قيادات النظام السابق وإعادتهم إلى السجن.

أما قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي فاعتبرت أن بيان أحمد هارون، دليل على أن النظام السابق وحزبه ومن خلال عناصرهم الموجودة داخل القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، هم من يقفون خلف الحرب الدائرة الآن.

وأضافت قوى الحرية التغيير أن النظام السابق يهدف من خلال الحرب لإعادة ما وصفتها بالطغمة المستبدة إلى الحكم.

استغلال سياسي

في السياق يعتقد المحلل إبراهيم عبد الله، أن قوى الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع تحاول استثمار خروج قيادات نظام البشير من المعتقل لتسويق أن الإسلاميين لا يزالون يمثلون "الدولة العميقة" ويسيطرون على مفاصل الدولة العسكرية والأمنية، وذلك بهدف إثارة مخاوف أطراف إقليمية ودولية.

وفي حديثه مع الجزيرة نت، يرى عبد الله أن الجيش لن يستفيد من مغادرة تلك القيادات لموقع احتجازهم، وليس سرا أن الإسلاميين وقطاعا واسعا من الشعب السوداني يساند الجيش باعتباره صمام أمان لوحدة البلاد واستقرارها.

ولفت إلى أن الإسلاميين يحمّلون البرهان مسؤولية وضعهم في المعتقلات أكثر من 4 سنوات، استجابة لشركائه السابقين في قوى الحرية والتغيير، وإرضاء لقوى عربية وغربية لا تريد عودتهم إلى المشهد.

من جهته، انتقد المتحدث باسم حزب البعث السوداني محمد وداعة، بيان هارون، وقال إنه يفتقد إلى الكياسة والحكمة، وأراد منه تسجيل موقف بطولي.

وأضاف وداعة أن من حق كل سوداني مساندة الجيش ضد حميدتي، لكن ليس عبر الدعاية السياسية التي يمكن أن تضر بسير معركة الجيش وتثير الشكوك وتهدد وحدة الجبهة الداخلية، معتبرا أن "خطاب هارون يهدد وحدة الشعب وإجماعه على مساندة جيشه، وأفضل خدمة يمكن أن يقدمها هارون ومن معه هي الصمت".

المصدر : الجزيرة