بعد اعتقال الغنوشي وحديث سعيّد عن حرب تحرير وطني.. إلى أين تتجه الأزمة في تونس؟

تونس – يبدو أن الأزمة السياسية في تونس تتدحرج نحو منعرج خطير بعد توقيف زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي رفقة عدد من قيادات الحركة، في وقت يؤكد فيه معارضون أن النظام القائم يستخدم قانون الإرهاب ويوظف أجهزة الدولة لتلفيق التهم الكيدية ضد خصوم الرئيس قيس سعيد.
وهذه أول مرة بعد الثورة يتعرض فيها راشد الغنوشي (81 عاما) إلى دهم لمنزله واقتياده أمس الاثنين من قبل فرقة أمنية، وذلك على خلفية تصريحات له اعتبرتها النيابة العمومية تحريضية، ويأتي هذا بعد سلسلة من التحقيقات معه مؤخرا بتهم "إرهابية".
ومنعت السلطات التونسية اليوم الثلاثاء الاجتماعات في كل مقرات حزب النهضة، وأغلقت الشرطة مقر اجتماعات جبهة الخلاص، وأوردت رويترز خبر منع الاجتماعات وإغلاق مقر اجتماعات الجبهة استنادا إلى ما سمتها "مصادر حزبية ورسمية".
وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لويس ميغيل بوينو إنه في انتظار صدور معطيات رسمية عن أسباب توقيف الغنوشي.
وأضاف بوينو "نذكّر بضرورة احترام حقوق الدفاع، وضمان الحق في محاكمة عادلة، وضرورة احترام مبدأ التعددية السياسية، وأن هذه المبادئ تعد ركيزة أساسية في كل الديمقراطيات وهي أساس الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي".
تصريحات الغنوشي وتصعيد قيس سعيد
جاء توقيف الغنوشي عقب ظهوره آخر مرة في أمسية رمضانية أول أمس السبت بمقر جبهة الخلاص المعارضة، ندد خلالها بالنخب المحتفية بما سماها انقلابات، قائلا "الانقلابات لا يُحتفى بها. الانقلابات ترمى بالحجارة"، مضيفا أنه لا يجب التساهل مع تلك النخب أو التعامل معها بسماحة.
وقال أيضا إن "تونس دون إسلام سياسي أو يسار أو أي مكون من المكونات هي مشروع حرب أهلية"، مضيفا أن من احتفوا بما سماه الانقلاب هم انتهازيون وإرهابيون ودعاة حرب أهلية.
في المقابل، صعّد قيس سعيد لهجته، وقال اليوم الثلاثاء إن هناك من يحاول تفجير الدولة من الداخل لتحويل البلاد إلى مجموعة من المقاطعات.
وأضاف سعيد "نخوض اليوم حرب تحرير وطني من أجل فرض سيادتنا كاملة ولن نتنازل عن أي جزء منها".
واعتبر الرئيس التونسي أن "من يحاولون تعطيل مسار الشعب يجب التصدي لهم"، مضيفا أن "على القضاء أن يلعب دوره في هذه المرحلة التي تعيشها البلاد".
مظلمة كبرى
من جانبه، يقول القيادي بحركة النهضة نور الدين العرباوي إن الغنوشي يتعرض لمظلمة كبرى بعد توقيفه بتلك الطريقة ودهم منزله واقتياده لوجهة غير معلومة لساعات، مؤكدا أن النظام القائم يستخدم قانون الإرهاب ويوظف أجهزة الدولة لتلفيق التهم الكيدية لخصومه.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضخ العرباوي أن الغنوشي لم يتوان في الحضور سابقا في أي جلسة تحقيق معه سواء لدى القضاء أو لدى فرق أمنية، كما تم استدعاؤه على خلفية تهم مختلفة، معتبرا أن طريقة توقيفه متعسفة وفيها محاولة انتقامية من السلطة بسبب مواقفه المعارضة للحكم الفردي المتشكل في تونس.
وأضاف المتحدث أن الغنوشي يحمل لقب زعيم سياسي ورئيس برلمان شرعي، وله في تاريخه نحو 50 عاما من النضال ضد الدكتاتورية بينها عقدان في المنفى، وأن اسمه ارتبط خلال العقد الماضي بتجذير الانتقال الديمقراطي وتكريس مبادئ التداول على السلطة في تونس.
انسداد كبير
ويرى العرباوي أن توقيف الغنوشي يدل على وجود نية مبيتة من قبل السلطة الحالية لاستهدافه في شخصه ورمزيته وصحته، قائلا إن الأزمة السياسية في البلاد ستزداد تعقيدا وانسدادا في ظل توسع دائرة الاعتقالات ضد النشطاء السياسيين المعارضين للحكم الفردي للرئيس الحالي.
بدوره، يقول الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي إن السلطة القائمة لا تستثني كبيرا ولا صغيرا في حملة التوقيفات، معتبرا أن استهداف النظام للمعارضين أخذ منحى تصاعديا، مما سيزيد في تغذية حالة الاحتقان السياسي في البلاد خلال الأيام المقبلة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار المكي إلى أن السلطة القائمة فشلت في إقناع الدوائر الدولية بأن التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس يوم 25 يوليو/تموز 2021 خطوة تصحيحية لمسار الانتقال الديمقراطي، مشيرا إلى أن النظام كشّر عن أنيابه وواصل نهجه الاستبدادي ضد المعارضين السياسيين بكل أنواعهم.
انهيار الحريات
واعتبر المكي أن منع الاجتماعات بمقر حركة النهضة وجبهة الخلاص المعارضة دليلٌ على مزيد توجه السلطة إلى تضييق الخناق على المعارضين، لكنه يرى أن السلطة لن تنجح من خلال توقيف المعارضين، في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم قدرتها على إيجاد لحلول لإنقاذ البلاد من الإفلاس.
وكان وزير الداخلية الجديد كمال الفقي وجّه برقية إلى الولاة ومديري الأقاليم للأمن والحرس ورؤساء المناطق الجهوية للأمن الوطني، بمنع الاجتماعات في مقرات حركة النهضة بكامل البلاد، ومقرات جبهة الخلاص الوطني بتونس الكبرى، وذلك استنادا إلى القانون المتعلق بحالة الطوارئ.
وتنفيذا لهذه الإجراءات، منعت اليوم الثلاثاء قوات الأمن معارضين ينتمون إلى جبهة الخلاص المعارضة من عقد ندوة صحفية بمقر الجبهة، في حين قال زعيم الجبهة أحمد نجيب الشابي إن ما حصل يدل على انهيار الحريات جراء القمع.
واعتبر القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي هذا التصعيد انتهاكا صارخا لحرية العمل الحزبي وحرية التنظيم، وضربا للحرية بوصفها أكبر مكسب بعد الثورة، مؤكدا محاصرة مقر حركة النهضة من قبل عشرات رجال الأمن من أجل التفتيش بعد توقيف الغنوشي.
وينتظر أن تحشد جبهة الخلاص أنصارها للاحتجاج وسط العاصمة يوم الجمعة المقبل للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين. علما أن السلطة شرعت في توقيف عدد كبير من المعارضين منذ منتصف فبراير/شباط الماضي.
من جهتها، دعت حركة النهضة في بيان المعارضة إلى "الوقوف صفا واحدا في وجه هذه الممارسات القمعية المنتهكة للحقوق والحريات ولأعراض السياسيين المعارضين"، وفق تعبيرها.
ونددت الحركة بما وصفته بـ"التطور الخطير جدا"، وطالبت بإطلاق سراح الغنوشي فورا، والكف عن "استباحة" النشطاء السياسيين المعارضين، وفق بيانها.