من بينها تعليم المرأة وعملها.. هذه أبرز نقاط الخلاف بين قادة حركة طالبان

كابل- إشكالية الحكم ربما أكثر تعقيدا من الحرب والصراع المسلح، هكذا تواجه حكومة حركة طالبان في أفغانستان تعقيدات قضايا عدة في ظل محاولتها التطبيع مع المجتمع الدولي.
أبرز تلك الأزمات قرار الحركة منع النساء مؤقتا من التعليم في المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات، وهي الأزمة التي ألقت بظلالها، ليس على علاقة الحكومة الوليدة بالمجتمع الدولي فقط، بل كشفت أيضا عن خلافات داخل الحركة؛ بين من يمكن وصفهم بـ"الحمائم" و"الصقور".
ويقول مراقبون إنه تم تهميش قيادات الحركة التي تولت المفاوضات في الدوحة قبل الانسحاب الأميركي وسيطرة الحركة على العاصمة وإعلان الحكومة، بعد أن سيطرت قيادات عسكرية على الحكومة، وبات هذا الفريق الأقرب لصنع قرارات زعيم الحركة الملا هبة الله آخوند زاده، وهو ما تجلى في قرار منع تعليم النساء على نحو مفاجئ.
لقاء قندهار
في هذا السياق، وداخل مدينة قندهار، معقل طالبان جنوبا، التقى زعيم الحركة والملا عبد السلام حنفي نائب رئيس الوزراء بالوكالة، ووزيرا الداخلية سراج الدين حقاني والدفاع الملا محمد يعقوب مجاهد، فضلا عن رئيس جهاز المخابرات الملا عبد الحق وثيق.
وجاءت زيارة الوفد الحكومي بطلب من زعيم طالبان لمناقشة قضايا عدة، أبرزها محاولة الحد من الخلافات داخل الحركة التي بدأت تظهر للعلن، خاصة مع أزمة تعليم المرأة وعملها.
في هذا الإطار، يقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت إن زعيم حركة طالبان عقد اجتماعا مع مجموعة علماء الدين بحضور وزراء الداخلية والدفاع والخارجية، كما استمع إلى آراء العلماء حول عدد من القضايا الأساسية والمهمة في أفغانستان.
وخلال الاجتماع، طلب زعيم طالبان من الحضور -بصورة واضحة- عدم الإدلاء بالتصريحات حول القضايا الخلافية، لأنها تثير الشبهة حول وحدة الصف في الإمارة وتؤدي إلى شق صف الطاعة، حسب مصدر حكومي مطلع تحدث للجزيرة نت.
وكشف المصدر عن أن زعيم حركة طالبان كلف لجنة برئاسة رئيس المحكمة العليا الشيخ عبد الحكيم حقاني بالنظر في تعليم المرأة وعملها، ثم رفع تقريرها إليه للمصادقة عليه أو رفضه، مؤكدا أن قرار إغلاق المدارس والجامعات الخاصة بيد زعيم طالبان، وأنه يبرر قراره بأن النظام المختلط في الدوائر التعليمية والمنهج الدراسي يحتاج إلى مراجعة دينية شاملة، وهذا هو سبب الخلاف بينه وبين عدد من قيادات طالبان.
تعليم النساء
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبعد نحو شهرين من تشكيل حكومتها، قررت طالبان -بشكل فاجأ وزير التعليم نفسه- إغلاق مدارس البنات، ومنع 3 ملايين فتاة من التعليم. في البداية، تجاهل عدد من المسؤولين القرار وبدأت الدراسة في 17 ولاية أفغانية، لكن بعد فترة شدد زعيم طالبان على تنفيذ قراره.
ويقول مصدر في وزارة التربية والتعليم للجزيرة نت "تمت إقالة وزير التربية السابق الشيخ نور الله منير الذي كان يدافع عن حق النساء في الدراسة، وتجاهل إلى حد ما تنفيذ القرار، إلى أن تم تعيين الشيخ حبيب الله مكانه وأمر بإغلاق جميع مدارس البناء المتوسطة والثانوية، وحدث الأمر نفسه في وزارة التعليم العالي، وتم تعيين الشيخ ندا محمد لتطبيق قرار منع الفتيات من مواصلة تعليمهن في الجامعات".
من جهته، يقول وكيل وزارة التربية والتعليم السابق إبراهيم شينواري "إن مسألة فصل الجنسين في الدوائر التعليمية أمر له علاقة مباشرة بتقاليد وثقافة المجتمع الأفغاني، حتى حكومة الشيوعيين أقرت فصل الجنسين في الدوائر التعليمية، والمنهج الدراسي لا يحتوي على المواد التي تعارض الثقافة الإسلامية".
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف شينواري أن "المشكلة الأساسية هي أن طالبان لا تعترف بحق المرأة في التعليم والعمل، رغم وجود نصوص دينية تثبت العكس".
خلافات حول الأولوية
ظهر تياران حول تعليم المرأة وعملها في أفغانستان: التيار الأول يؤيد دراستها وعملها في الدوائر الحكومية وغير الحكومية، وطالب زعيم الحركة بفتح مدارس البنات أولا ثم بدء عملية الإصلاح وسد الثغرات الموجودة في النظام التعليمي. في حين يرى التيار الآخر ضرورة إصلاح النظام التعليمي أولا، ثم السماح بدراسة البنات في المدارس الحكومية.
الخلاف حول أولوية تعليم المرأة يأتي في سياق خلاف أكبر ظهر بعد وصول طالبان إلى السلطة عام 2021، وذلك حول كيفية التعامل مع الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة.
وترى قيادات في طالبان أن قضية تعليم المرأة تتسبب في تهميش أفغانستان على الصعيد الدولي وتحرمها من الاعتراف بحكومة طالبان والتعامل معها، خاصة أنه منذ أكثر من 10 أشهر لم يقم أي مسؤول حكومي بزيارة خارجية، بسبب وجود قيادات بالحركة في القائمة السوداء لمجلس الأمن الدولي.
في هذا السياق، وخلال كلمته بولاية خوست (جنوب شرقي أفغانستان)، انتقد سراج الدين حقاني نائب زعيم طالبان ووزير الداخلية بالوكالة "الوضع الراهن، واحتكار السلطة، وتجاهل المطالب المشروعة للشعب الأفغاني من قبل المجموعة التي استحوذت على قرار الزعيم"، وهو ما كرره أيضا وزير الدفاع الملا محمد يعقوب مجاهد، وكذلك نجل مؤسس الحركة وزعيمها الراحل الملا محمد عمر.
كما طالب الملا عبد السلام حنفي نائب رئيس الوزراء العلماء الذين يعارضون تعليم المرأة الأفغانية وعملها بتقديم أدلة شرعية تؤيد وجهة نظرهم، في حين ذهب وكيل الخارجية الأفغانية وعضو لجنة المفاوضات مع الولايات المتحدة شير محمد ستانكزاي إلى عدم طاعة الأمير في الأمور التي تعارض الأحكام الشرعية، حسب قوله.
حمائم وصقور
ويرى خبراء في الشأن الأفغاني أنه تم تهميش المكتب السياسي الذي أجرى مفاوضات الدوحة مع واشنطن والقيادات التي تريد التعامل مع المجتمع الدولي، وأن مجموعة من العلماء المقربين من زعيم حركة طالبان تمكنوا من التأثير على قراره، وأهمهم الشيخ حبيب الله حقاني.
ورأى هؤلاء الخبراء أن ما يجري الآن في الساحة السياسية الأفغانية لا يمثل موقف حركة طالبان، وإنما موقف زعيمها وعدد من العلماء الذين ينتمون إلى الولايات الجنوبية فقط.
في المقابل، يقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت "لا توجد تيارات في حركة طالبان والجميع على قلب رجل واحد، والتصريحات الأخيرة اختلاف في الرؤى فقط".
لكن الأستاذ السابق في جامعة ليون الفرنسية روستار عثمان تره كي يقول للجزيرة نت إن هناك خلافا بشأن القضايا الرئيسية ولا أحد يستطيع نفيها، ولكنهم لا يتحدثون عنها صراحة.
وأكد عثمان -الذي لا ينتمي للحركة، لكنه التقي بزعيمها في قندهار- أنه "توجد خلافات بين قيادات طالبان على المستويين السياسي والعقائدي؛ فالمكتب السياسي الذي قاد المفاوضات مع الولايات المتحدة في الدوحة يرى نفسه أحق بالزعامة، ولكن الجناح العسكري تمكن من السيطرة على السلطة عبر استخدام القوة، وأخذ زمام الأمور بيده ولا يسمع من الجناح السياسي".