2800 معتقل خلال شهرين.. هل يتمكن الأمن العراقي من ضرب تجار المخدرات ومروجيها؟

A police officer shows drug pills at a police station in Basra, Iraq December 18, 2018. Picture taken December 18, 2018. REUTERS/Essam al-Sudani
وزارة الداخلية العراقية تبنت إستراتيجية جديدة لمطاردة تجار المخدرات تهدف لبناء قاعدة معلومات رئيسية عن أماكن وجودهم وأنشطتهم (رويترز)

بغداد– منذ أشهر، باتت عمليات مكافحة المخدرات وتجارها في العراق تشهد مواجهات عنيفة، في محاولة للقضاء على ترويج وتعاطي المخدرات بعد تفشيها وانتشارها على نطاق كبير وواسع.

ورغم جهود القوات الشرطية، فإن العمليات الأمنية ضد تجار المخدرات ليست بالسهولة التي كانت عليها من قبل، نظرا لما باتت تمتلكه عصابات المخدرات من إمكانيات مسلحة ونفوذ تواجه به هذه القوات، الأمر الذي يؤدي في أحيان كثيرة لسقوط ضحايا من الضباط والجنود، فضلا عن تسبب هذه العمليات في مقتل أو انتحار رؤوس المافيات بعد محاصرتهم وتشديد الخناق عليهم.

تفاقم مشكلة تجارة المخدرات وتعاطيها بكردستان العراق
خبراء يؤكدون أن تعاطي المخدرات في العراق امتد ليشمل النساء والقصر وهو ما يفاقم من المشكلة (الجزيرة)

إستراتيجية جديدة

ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا إن وزارته تبنت إستراتيجية متعددة الأبعاد لمكافحة المخدرات، إذ تهدف لبناء قاعدة معلومات رئيسية عن أماكن وجود التجار ونشاطاتهم وطرق عبور المواد المخدرة ومرورها بالبلاد، وذلك بغية وضع وتنفيذ الخطط الكفيلة باستهداف هؤلاء التجار في الوقت المناسب.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف المحنا أن وزارة الداخلية دعمت وحدات مكافحة المخدرات من خلال ربطها بوكالة الاستخبارات والاستفادة من كافة إمكاناتها العسكرية والتكتيكية والتقنية والفنية لإسناد مديرية مكافحة المخدرات.

وتأسيسا على ذلك، يؤكد المحنا أنه خلال فترة وجيزة، سجلت القوات الأمنية نجاحا كبيرا في مكافحة المخدرات كما ونوعا، إذ ضبطت مئات الكيلوغرامات من المواد المخدرة والحبوب، وتمكنت من قتل واعتقال كبار التجار ورؤساء العصابات، وفي المقابل، فقدت الوزارة عديدا من ضباط ومنتسبي أجهزة مكافحة المخدرات خلال العمليات.

أما عن ظاهرة انتحار بعض تجار المخدرات خلال المطاردة وفي أثناء محاصرتهم من قبل الأجهزة الأمنية، فأوضح المحنا أن مواجهة القوات الأمنية تعني أحكاما قضائية قاسية تصل إلى الإعدام، لا سيما أن أغلب العمليات تشهد صدامات مسلحة مع قوات الأمن، حيث تستخدم القوات الأمنية خبراتها وتكتيكاتها وقوات الردع في عميات الدهم والاعتقال.

ولا تقف إستراتيجية وزارة الداخلية عند هذا الحد، ففي خطوة هي الأولى من نوعها، وجه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري منتصف مارس/آذار الجاري مديرية مكافحة المخدرات بتشكيل لجنة لغرض إجراء الفحص الطبي المفاجئ لضباط وموظفي وعناصر الوزارة، على أن يتم ذلك في أوقات مختلفة ببغداد والمحافظات، بدءا من الأول من أبريل/نيسان المقبل، وذلك بهدف كشف حالات تعاطي المواد المخدرة بين منتسبي الوزارة.

في غضون ذلك، يؤكد المتحدث باسم مديرية مكافحة المخدرات العقيد بلال صبحي أن مديريته تنفذ عمليات نوعية ضد كبار تجار المخدرات، مبينا أنه خلال الشهرين الماضيين أُلقي القبض على أكثر من 2800 متهم بالتجارة والترويج والتعاطي، وضبط أكثر من 100 كيلوغرام من المواد المخدرة وأكثر من 1.5 مليون حبة من حبوب الكبتاغون والمؤثرات العقلية.

ويقول صبحي -في حديثه للجزيرة نت- إن مديريته فقدت عديدا من الضحايا خلال عمليات الدهم والمطاردة، لافتا لعدم توفر إحصائية بعدد ضحايا المداهمات من منتسبي الأمن بسبب أن العمليات التي تجري غالبا ما تكون مشتركة بين وزارة الداخلية والقوات الأمنية والعسكرية الموجودة في مسرح العمليات، وفق قوله.

السلطات العراقية صعدت وتيرة الصدامات مع عصابات المخدرات ومصادرة كميات قياسية خلال شهرين فقط (الفرنسية)

إفشاء الأسرار

في السياق، يرى رئيس الجمعية النفسية العراقية قاسم حسين صالح إن "إقدام تاجر المخدرات على الانتحار قبل اعتقاله ناتج عن معرفته المسبقة أنه في حال اعتقاله سيتعرض للتعذيب والموت البطيء، وبالتالي، يفضل الانتحار والموت السريع على الخيارات الأخرى"، وفق قوله.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول صالح إن تفضيل الانتحار يأتي من عدم الرغبة في إفشاء الأسرار التي يحملها تاجر المخدرات، التي قد تؤدي إلى اعتقال عائلته أو عصابته في حال إفشائها، مستدركا بالقول "قد تكون وراء بعض تجار المخدرات المنتحرين جهة سياسية أو مافيا دولية، وبالتالي يخشى هؤلاء من إفشاء الأسرار والتعرض للتصفية بعدها، بما يؤدي بهم إلى الانتحار مع حصول عوائلهم على رعاية تلك الجهات".

من جانبه، يصنف الخبير الأمني صفاء الأعسم مخاطر المخدرات على أنها أشد من "الإرهاب" وتبعاته، مبينا أن السلطات العراقية أهملت ملف المخدرات خلال السنوات السابقة مما أدى لتفاقمها، الأمر الذي نتج عنه تشكيل عصابات مختصة بالمخدرات ترتبط بمافيات وأحزاب.

ونتيجة لذلك، لم يعد تعاطي المخدرات مقتصرا على الشباب أو العاطلين عن العمل، وفق الأعسم، إذ بات منتشرا بين النساء والقاصرات والمراهقات، وهو ما يشير إلى خطورة وتفاقم المشكلة، بما يعني أن مواجهة هذه الآفة لم تعد بالأمر اليسير رغم جهود حكومة محمد شياع السوداني، وفق قوله.

وكان البرلمان العراقي قد شرع قانون مكافحة المخدرات رقم (50) لسنة 2017، الذي تضمن الفصل الثامن منه المتعلق بالعقوبات، أحكاما تصل للإعدام أو السجن المؤبد لكل من يستورد أو يصدر مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو مواد كيميائية بقصد المتاجرة بها في غير الأحوال التي أجازها القانون.

كما يقع تحت طائلة العقوبة ذاتها كل من أنتج أو صنع مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية بقصد المتاجرة بها، فضلا عن شمول العقوبات كل من يزرع نباتات مخدرة أو يستوردها أو يصدرها في أي طور من أطوار نموها بقصد المتاجرة بها أو المتاجرة ببذورها في غير الأحوال التي أجازها القانون.

المصدر : الجزيرة