قيس سعيّد يقيل وزير خارجيته.. ما أسباب قراره المفاجئ؟

تونس – أثار القرار المفاجئ للرئيس التونسي قيس سعيد بإقالة "منفذ أوامر قصره" وزير الخارجية عثمان الجرندي ردود فعل مستغربة، وذلك عقب سلسلة من الإقالات السابقة التي شملت بعض الوزراء في حكومته الحالية.
ومثلما جرت الإقالات الثلاث الأخيرة لكل من وزراء التربية والتجارة والفلاحة بدون أي تعليل، نشرت رئاسة الجمهورية مساء أمس الثلاثاء بيانا مقتضبا عن إعفاء الجرندي، وتعيين السفير نبيل عمار خلفا له، لكن بلا تبرير.
الوزير الجديد نبيل عمار شغل سابقا منصب سفير تونس في لندن (2012 -2017)، كما شغل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى حين تعيينه وزيرا للخارجية، منصب سفير فوق العادة ومنصب مفوض للجمهورية التونسية في بلجيكا.
رد فعل الجرندي
وتعقيبا على قرار إعفائه من منصبه، غرّد وزير الشؤون الخارجيّة المُقال على تويتر قائلا "انتهت اليوم مهامي كوزير للشؤون الخارجية بعد سنوات 3، وفي ظرف دقيق بوصلتي الوحيدة فيه كانت مصلحة تونس العليا".
ورغم طبيعة إقالته المفاجئة له، تابع الجرندي "كل التقدير للرئيس على ثقته ولرئيسة الحكومة ولإطارات الوزارة، سأظل حيثما كنت في خدمة هذا الوطن، كلنا عابرون وتبقى تونس شاهدة على من أحبها وأخلص لها".
وقبل إقالته تدرج الجرندي في مناصب السلك الدبلوماسي بمختلف رتبه، قبل أن ينتهي به المطاف حاملا حقيبة الخارجية بأكثر من حكومة تعاقبت على تونس، منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وحتى بعد الإجراءات الاستثنائية التي بسطت سلطان الرئيس قيس سعيّد في البلاد منذ يوليو/تموز 2021، آثرت رئيسة الحكومة نجلاء بودن الاحتفاظ بالجرندي (71 عاما) على رأس هذه الوزارة السيادية حتى أمس.
وكثيرا ما دافع عثمان الجرندي عن قرارات الرئيس قيس سعيد، خصوصا تلك الإجراءات الاستثنائية، وقد أكد –في حوار سابق مع الجزيرة نت– أن تونس تعيش في مناخ ديمقراطي منفتح على النقد.
امتصاص غضب
الدبلوماسي التونسي السابق عبد الله العبيدي، يرى أن الإقالة تأتي في سياق سلسلة من الإقالات لامتصاص غضب الشارع.
وشهدت تونس حركة إقالات انطلقت منذ الشهر الماضي في أعقاب الانتخابات التشريعية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي شهدت عزوفا كبيرا من المواطنين.
ورغم أن البعض ربط قرار إقالة الجرندي بإجرائه محادثة مع نظيره السوري فيصل المقداد عقب الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، فإن العبيدي يقول للجزيرة نت إن الإقالة كان مخططا لها من قبل.
آخر مكالمة منذ 55 دقيقة لعثمان الجرندي مع نظيره السوري قبل ان ينهي قيس سعيد مهامه#حكم_الانذال#يسقط_الانقلاب_في_تونس
قرّر رئيس الجمهورية قيس سعيّد، اليوم الثلاثاء 7 فيفري 2023، إنهاء مهام السيد عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج. pic.twitter.com/sLIfJt3M15— Nizar (@TTitou21) February 7, 2023
الأزمة الاقتصادية
ويرى مراقبون أن سعيد استغنى عن الجرندي لعدم نجاحه في إقناع الغرب بمسار 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ التدابير الاستثنائية التي ألغى بمقتضاها الدستور والبرلمان وأقال الحكومة وحكم البلاد بالمراسيم.
وأرجع نشطاء -عبر مواقع التواصل- إقالة الجرندي إلى ما يعتبرونه جمودا تاما في الحركة الدبلوماسية، وتعثر المفاوضات مع صندوق النقد، وتراجع تصنيف تونس إلى أسفل المراتب وفق وكالة "موديز"، مما سينعكس سلبا على صورتها دوليا.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية متصاعدة. وبينما سعت الحكومة للحصول على قسط أول من قرض إجمالي بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لم يوافق الأخير على القرض للآن.
قيس سعيد يكافئ وزير الشؤون الخارجية المقال عثمان الجرندي بالاعفاء بعد فشل الاخير ديبلوماسيا في اقناع الاوروبين و الامريكان بمسار 25 جويلية الانقلابي و ما ترتب عنه من اجراءات و اخرها الانتخابات التشريعية التي قاطعها اكثر من 90 % من التونسيين .
— أنيس الفائدي (@AlfaydyAnys) February 7, 2023
تقاسم الإخفاق
في هذا السياق، يرى الناشط السياسي حاتم المليكي، أنه ليس جديدا أن يقوم الرئيس قيس سعيد بإقالة وزراء بدون أن يقدّم سبب الإقالة.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال المليكي إنه كان على الرئيس أن يقدم تقييما لأداء الوزراء ولسياسته العامة في المرحلة المقبلة، لكنه "بقي حبيس إقالات وتعيينات في وظائف الدولة العليا، بدون أن يشرح للرأي العام دوافع قراراته المفاجئة".
وأضاف المتحدث "إذا كان هناك فشل في الدبلوماسية الاقتصادية لتونس وتحسين صورتها بعد 5 قمم دولية كبرى حضرها الرئيس قيس سعيد، فإن السبب في ذلك لا يتحملها وزير الخارجية المقال بمفرده، وإنما الرئيس كذلك".
إقالات سابقة
وتأتي إقالة وزير الخارجية استمرارا لسلسلة الإقالات التي أعلنها الرئيس قيس سعيد خلال الفترة الماضية، حيث أقال في السابع من يناير/كانون الثاني الماضي وزير التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي، ومحافظ صفاقس فاخر الفخفاخ.
ورجّح مراقبون أن تكون إقالة وزيرة التجارة على خلفية ارتفاع الأسعار، وفقدان عدد مهم من المواد الأساسية، وتزايد عمليات المضاربة والاحتكار.
كما جرى في 30 يناير/كانون الثاني الماضي إقالة وزير الفلاحة إلياس حمزة، ووزير التربية فتحي السلاوتي، وتعيين عضو المكتب التنفيذي السابق محمد علي البوغديري خلفا للسلاوتي.
ورجح مراقبون أن يكون تعيين البوغديري رسالة من الرئيس قيس سعيد موجهة لاتحاد الشغل، بأنه لن يرضخ لضغوط النقابات التعليمية التي تقدم حزمة من المطالب المادية والمهنية.