بعد سلسلة زيارات من مسؤوليها للمنطقة.. هل تملك واشنطن أدوات وقف التصعيد بالأراضي الفلسطينية؟

بنيامين نتنياهو (يمين) أثناء استقباله وزيرة الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في 30 يناير/كانون الثاني الماضي (الفرنسية)

واشنطن- دفعت التطورات الأخيرة المتعلقة بالقضية الفلسطينية -خاصة ما يتعلق بسقوط أعداد متزايدة من الشهداء الفلسطينيين- ووصول أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل للحكم، وما تبع ذلك من زيارات متعاقبة لكبار المسؤولين الأميركيين للمنطقة؛ لطرح سؤال مهم يتعلق بطبيعة إستراتيجية الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه الفلسطينيين.

"إذا كانت لدى الرئيس جو بايدن إستراتيجية تجاه الفلسطينيين أنا لا أستطيع معرفتها أو تحديدها، وما أستطيع أن أقوله هو إنه يحاول فقط تأخير اتخاذ قرارات صعبة على أمل حدوث تغيير سياسي في الجانب الإسرائيلي أو في الجانب الفلسطيني، ونأمل أن يكون هناك تغيير في كليهما، أنا بصفة عامة أشك في أن مرور الوقت يصب في صالح بايدن". بهذه الكلمات بدأ السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي حديثه للجزيرة نت حول كشف حساب بايدن تجاه الفلسطينيين.

بلينكن (يسار) كرر أثناء لقائه محمود عباس دعوة الفلسطينيين وإسرائيل لاتخاذ خطوات لتخفيف حدة التصعيد (الفرنسية)

التهديدات الصينية وأسعار الطاقة

ومنذ وصول بايدن للحكم في يناير/كانون الثاني 2021، انشغلت الدبلوماسية الأميركية بصورة أكبر بالتهديدات الصينية، وحتى في الشرق الأوسط ركز بايدن وفريقه على الملف النووي الإيراني، ودعم "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي بدأتها إدارة سلفه دونالد ترامب.

وعلى وقع غزو أوكرانيا قبل نحو عام، شهدت القضية الفلسطينية تراجعا إضافيا، وبرزت قضية أسعار الطاقة ضمن أولويات سياسة الإدارة الأميركية في المنطقة، قبل أن تعود إلى صدارة اهتماماتها إثر العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021. ورغم تعهد بايدن في بداية حكمه بإعادة المبادئ الحاكمة التي وجهت الدبلوماسية الأميركية نحو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويشمل ذلك دعم حل الدولتين، ومعارضة ضم إسرائيل الأراضي وبناء المستوطنات؛ فإنه لم يتراجع عن قرارات سلفه ترامب الأحادية التي خدمت مصالح إسرائيل فقط.

ورفض بايدن تعديل أو تغيير قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً موحدة لإسرائيل، وقرر الإبقاء على قرار نقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس، كما خضع بايدن لضغوط الحكومة الإسرائيلية ورفض إعادة افتتاح قنصلية بلاده بالقدس الشرقية خوفا من إغضاب إسرائيل، رغم ادعائه بأنه لا يزال يهدف إلى إعادة فتحها.

ويرى آرون ديفيد ميلر المسؤول الأميركي السابق في ملف عملية سلام الشرق الأوسط أن بايدن مشغول للغاية، وأن مواجهة إسرائيل تتطلب وقتا وطاقة رئاسية، وهو ما لا يملكه الرئيس الأميركي حاليا، إذ يواجه ملفات سياسية خارجية شائكة تفتقر إلى حلول سريعة أو سهلة.

وأكد ميلر أن أهم أولويات السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الآن هي الحرب الروسية على أوكرانيا وكيفية التعامل مع الصين والتهديدات النووية من كل من كوريا الشمالية وإيران، وعليه فإن أفضل ما يمكن أن يأمل بايدن تحقيقه هو منع تفجر التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ما لم يحدث.

زيارات مهمة بلا نتائج

وانتهت سلسلة من الزيارات الأميركية رفيعة المستوى في يناير/كانون الثاني المنصرم لفلسطين وإسرائيل من دون تحقيق أي تقدم أو إحداث أي اختراق يُقرب بين الحكومة الإسرائيلية الجديدة والسلطة الفلسطينية.

وتشعر واشنطن بتشاؤم كبير في ما يتعلق بمسار العنف في المنطقة الذي تضاعف حتى من قبل وصول أكثر الحكومات اليمينية تطرفا في تاريخ إسرائيل للحكم.

ولم تنجح الزيارات الأميركية -التي أتت بمستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومدير الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة- في تهدئة الأوضاع أو تقليل أعمال العنف التي بلغت ذروتها قبل يومين من وصول بلينكن بهجوم إسرائيلي داخل مخيم جنين نتج عنه استشهاد 11 فلسطينيا، وأعقبه قيام شاب فلسطيني بهجوم في القدس نتج عنه مقتل 7 إسرائيليين.

وبعدما سجل عام 2022 أرقاما قياسية في عدد الشهداء الفلسطينيين بأكثر من 200 شهيد، كما قتل 30 إسرائيليا؛ تخطى يناير/كانون الثاني 2023 كل الشهور السابقة، إذ استشهد 30 فلسطينيا وقُتل 7 إسرائيليين، وهو ما يسبب انزعاجا كبيرا للبيت الأبيض.

وأصبح تركيز واشنطن منصبا على دفع الفلسطينيين للانخراط مجددا في التنسيق الأمني مع إسرائيل بعدما علقته السلطة الفلسطينية بعد أكبر اقتحام للقوات الإسرائيلية لمخيم جنين.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار غريغوري أفتانديليان المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية وفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والمحاضر حاليا بالجامعة الأميركية؛ إلى أن دعوات واشنطن العامة للهدوء واستمرار التعاون الأمني لا أهمية كبيرة لها؛ إذ من غير الواضح الأدوات التي تمتلكها الإدارة لتحقيق ذك فعليا على أرض الواقع، ومن الواضح أن واشنطن تريد السيطرة على العنف وعدم تصعيده، ووقف أي خطوات استفزازية جديدة، مثل رغبة اليميني المتطرف إيتمار بن غفير في اقتحام المسجد الأقصى مجددا".

لا سلام لا استقرار

ويرى السفير ديفيد ماك أن ما يقوم به يايدن هو محاولة "كسب الوقت من خلال إرسال مسؤولين رفيعين ومساعدين آخرين له رفيعي المستوى إلى المنطقة للتحدث مع كل من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، لتقريب الشقة بينهم، لكن هذا لن يقلل المعضلة الوجودية المركزية، فمن دون عملية سلام ذات مصداقية تقوم على حل الدولتين فإن الإسرائيليين والفلسطينيين سيبقون عالقين في دوامة من العنف المتبادل الذي لا يؤدي إلا إلى تقوية المتطرفين في كلا الجانبين".

وأضاف ماك أنه "ومع كل ما سبق ولأسباب سياسية داخلية، لا يمكن لإدارة بايدن تجاهل قضية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، رغم الائتلاف الإسرائيلي المتطرف والافتقار إلى سلطة حكم موحدة على الجانب الفلسطيني. في الوقت ذاته، فإن التكلفة السياسية للفشل في إحراز تقدم بنّاء بين إسرائيل وفلسطين ستتفوق في النهاية على أي مكاسب يمكن تخيلها من تجاهل هذه القضية وإبقائها في مؤخرة اهتمامات بايدن الشرق أوسطية؛ فالوقت ليس في صالح الإسرائيليين أو الفلسطينيين أو إدارة بايدن".

المصدر : الجزيرة