شكري في سوريا وتركيا.. زيارة تضامنية أم للتطبيع مع أنقرة وكسر عزلة الأسد؟

وزير الخارجية المصري سامح شكري (يسار) خلال اللقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد (أسوشيتد برس)

القاهرة- في خضم تحولات إقليمية متسارعة وجدول دبلوماسي مصري مزدحم، يبدو أن جولة وزير الخارجية سامح شكري لكل من سوريا وتركيا تحمل ما هو أبعد من عنوانها الإنساني وتتخطى ما يمكن وصفه بدبلوماسية الكوارث.

زيارة شكري لتركيا وسوريا تعد الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، وتأتي -وفق مراقبين- في سياق استكمال مسار طويل ومساع لاستعادة علاقات القاهرة وأنقرة من جانب، والقاهرة والنظام السوري من جانب آخر، بعد أن مرت بعدة منعطفات خلال العقد الماضي.

فقد استهل الوزير المصري جولته للبلدين بزيارة دمشق صباح أمس الاثنين، وكان في استقباله في المطار نظيره السوري فيصل المقداد، وأشار شكري -في أثناء مؤتمر صحفي جمع الوزيرين- إلى أن الزيارة "إنسانية بالمقام الأول، وللتضامن مع شعب سوريا" في مواجهة آثار الزلزال، وذلك ردا على سؤال بشأن إمكانية إعادة مصر علاقاتها مع سوريا لسابق عهدها.

وبعد ساعات، وصل شكري إلى مدينة أضنة (جنوبي تركيا)، وشدد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو على أن بلاده "ستبقى بجانب شقيقتها تركيا" وأن العلاقات بين البلدين سترتقي لأفضل مستوى.

وتأتي جولة شكري بعد أيام من اتصالين هاتفيين أجراهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع كل من بشار الأسد ورجب طيب أردوغان.

وعلى ضوء هذا التحرك الدبلوماسي، تسعى الجزيرة نت إلى قراءة ما تحمله زيارة شكري للبلدين من أهداف، ودلالاتها على مسار تطبيع العلاقات المصرية التركية، ومساعي كسر عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد عربيًا، وتوابع وارتداد الزيارة.

ما أهداف زيارة شكري لسوريا وتركيا؟ وما ارتداداتها المحتملة؟

يمكن القول -وفق مراقبين- إن التطورات والتحولات الإقليمية والدولية الأخيرة، تشير إلى وجود رغبة جادة لدى قادة دول المنطقة في تصفير الأزمات الثنائية لمواجهة التحديات، مما يعزز فرضية عدم اختزال زيارة شكري -الأولى من نوعها للبلدين- في سياق "عنوان إنساني" فحسب.

ويعبر عن ذلك حديث وزير الخارجية التركي في المؤتمر الصحفي مع نظيره المصري، لدى استقبالهما سفينة المساعدات المصرية في ولاية مرسين جنوبي تركيا، بأن تطور العلاقات بين البلدين يصب في مصلحتهما وينعكس إيجابا على استقرار ورخاء المنطقة.

في هذا الصدد، يرى الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد أن جولة شكري في سوريا وتركيا لها عوامل مشتركة ودلالات ورسائل، أهمها تأكيد التضامن بعد كارثة الزلزال، ودفع وتعزيز العلاقات الثنائية مع البلدين.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال عبد الواحد إن الزيارة تخدم الجميع في توقيت حساس. وعن مصر، شدد على أن القاهرة هي الأخرى مستفيدة، على الأقل من وقف نشاط المعارضة والظهور الإعلامي لقيادات الإخوان من الأراضي التركية، وكذلك وقف الممارسات الضارة للأمن القومي المصري، كاستضافة تركيا بعض "العناصر الإرهابية" طبقا للتوصيف المصري.

هل تسرع الزيارة من وتيرة تطبيع العلاقات المصرية التركية؟

مشيدا بتطور العلاقات الثنائية مؤخرا بعد تخطي الأزمة الدبلوماسية التي تعود إلى عام 2013، يشدد عبد الواحد على أن زيارة شكري لتركيا بداية قوية للتطبيع، وأن للبلدين رغبة مشتركة في استئناف العلاقات وتعزيزها لتحقيق منافع مشتركة.

وأوضح أن الحديث عن عودة العلاقات بدأ عن طريق اتصالات سرية عبر ممثلين عن جهازي الاستخبارات في البلدين، وكانت هناك صيغ توافقية كثيرة طرحت للتوصل إلى مقاربات، وجرى الاتفاق على تشكيل لجان متخصصة أمنية وسياسية واقتصادية لبحث الملفات الخلافية، لافتا إلى أن المباحثات الاستكشافية التي بدأت جولتها الأولى في القاهرة مايو/أيار 2021 أدت إلى تحسين الأجواء، خاصة الإعلامية، والتوافق على استمرار المباحثات.

وبالنظر للعلاقات التاريخية والمصالح المشتركة وفرض سياقات مستجدة في المنطقة تحديات على البلدين، يرى اللواء عبد الواحد أن التقارب يصب في مصلحتيهما ولن يعود بأي ضرر، بل سيفتح مجالات أرحب في التعاون الثنائي، خاصة في الاستثمارات المشتركة والتبادل التجاري والتنسيق الأمني والسياسي في ملفات مشتركة بالمنطقة.

تطور طبيعي

متجاوزا الطرح السابق، يقول المحلل السياسي المصري وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة سكاريا التركية خيري عمر إن زيارة شكري لتركيا تعبر عن تطور طبيعي لمسار عودة اللقاءات الثنائية منذ مايو/أيار 2021 (اللقاء الاستكشافي الأول بالقاهرة).

وفي حديث للجزيرة نت، أضاف عمر أن العلاقات الدبلوماسية قائمة، وتبادل السفراء مسألة شكلية ليست منشئة للعلاقات، إضافة إلى أن هناك زيادة في معدلات التبادل الاقتصادي، والقابلية لتوسيعها وتحويلها لعلاقات إستراتيجية أمر يتوقف على قدرة البلدين.

ويعتقد عمر أن "دبلوماسية الكوارث والأزمات" لا تنطبق على الحالة المصرية التركية، موضحا أن البنية الأساسية لتطوير العلاقات بين البلدين تمت بالفعل، وبالتالي فإن زيارة شكري إلى تركيا تعبّر عن استجابة للكارثة من قبيل التعبير العفوي والأخلاقي، حيث كان من الممكن أن تكتفي مصر بإرسال مساعدات إغاثية لو كان هناك توتر في العلاقات مع تركيا.

وتابع أن المشكلات الأساسية بين مصر وتركيا كانت تتعلق بملفات ليبيا وشرق المتوسط والمعارضة المصرية الموجودة في تركيا، فكان منظور البلدين لحلحلتها متعلقا بكيفية تيسير الإجراءات، وليس التفاوض على وقف أو تجميد العلاقات.

مهمة ولكن

ومن منظور تركي، يشدد الكاتب والباحث التركي عبد الله أيدوغان على أهمية الزيارة التي تبقى إشارة من إشارات التقارب في المقام الأول، وبالتالي لن تتخطى "دبلوماسية الأزمات" ما هو أبعد من الجانب الإنساني، وفق قوله.

ويوضح أيدوغان، في حديثه للجزيرة نت، أن زيارة شكري لبلاده لا تعبر عن وصول البلدين لتطبيع كامل في العلاقات الثنائية، حيث لم تكن في العاصمة أنقرة بمراسيم رسمية ودبلوماسية كاملة، مضيفا "لا أتوقع تطور التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفير بين تركيا ومصر في هذه الأيام أو نتيجة زيارة شكري".

هل تلقي زيارة شكري لتركيا بظلالها على ملفي ليبيا وشرق المتوسط؟

يتوقع اللواء عبد الواحد أن يكون هناك توافق في الملف الليبي "الحساس" بين البلدين، ويعزز ذلك زيارة مدير الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA) وليام بيرنز لطرابلس وبنغازي قبل أسابيع، وما حملته من دعوات غربية وأميركية ضمنية لتحسين بيئة العمل السياسي في ليبيا، وفرض حالة من الاستقرار، وتوحيد الجيش، وطرد المرتزقة، بحسب وصفه.

ويعتقد عبد الواحد أنه من المحتمل في الفترة المقبلة وجود أرضية مشتركة تنسق من خلالها مصر وتركيا في الملف الليبي، وفي ما يتعلق بملف شرق البحر المتوسط، أوضح أن تطور العلاقات الثنائية يعزز دور مصر الإقليمي، ليس من منطلق تغيير التحالفات، بل من باب تعزيز المصالح المصرية.

بدوره، يرى عمر أن ملفي شرق المتوسط وليبيا متروكان للجان المشتركة بين البلدين، وبالتالي فإن زيارة شكري تعد تحفيزية للعلاقات الثنائية فحسب.

هل تتجه مصر إلى كسر عزلة الأسد؟

حسب عبد الواحد، فإن زيارة الوزير شكري لدمشق، التي تعد أول زيارة لدبلوماسي مصري رفيع المستوى منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تحمل رسالة تضامن، وفك العزلة عن سوريا ومحاولة لعودة العلاقات ودفئها مرة أخرى.

ويرى أن تحسين العلاقات العربية السورية بداية لتحسين الوضع العربي بالكامل، في ظل التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة بصرف النظر عن وجود خلافات عربية حول الوضع في سوريا.

وأضاف أن مصر كانت حريصة خلال الفترة السابقة على تغيير علاقاتها المتوترة مع سوريا منذ وصول الرئيس السيسي للحكم، موضحًا أنه كان حريصا على التمسك بـ"شعرة معاوية" في العلاقات مع سوريا، وكان داعما للمسار السياسي لحل الأزمة وأن تعود الدولة مرة أخرى لقوتها وممارسة مهامها في المنطقة، من دون النظر في مصير الأسد الذي كان مسألة على درجة عالية من الحساسية.

وتعد الزيارة، حسب الخبير الأمني المصري، بادرة انفراجة جديدة لتعزيز العلاقات المصرية السورية وعودة سوريا مرة أخرى للحضن العربي.

من جانبه، قال المحلل السياسي خيري عمر إن الملف السوري تتم تسويته إقليميا، وليس على مستوى مصر فحسب، حيث تتشارك فيه عدة دول، مشيرا إلى أن هناك اجتماعا آخر سيُعقد بين تركيا وإيران وروسيا لحل أزمة شمالي سوريا وسيحضره الأسد.

المصدر : الجزيرة