هل ولد ميتا؟.. خبراء أميركيون يشككون في نتائج اجتماع العقبة

وقفة لفصائل المقاومة الفلسطينية احتجاجا على مشاركة السلطة الفلسطينية في اجتماع العقبة (رويترز)

واشنطن – منذ وصول أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل إلى سدة الحكم في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تصاعدت جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين على نحو أدى إلى ردود فعل واشتباكات مسلحة ازدادت حدتها في المدة الأخيرة.

أثار ذلك غضبا عربيا ومخاوف دولية من الانجرار إلى صراع إسرائيلي فلسطيني على نطاق أوسع، لذلك جاءت عدة مبادرات للتهدئة أحدثها اجتماع العقبة أمس في الأردن، الذي حضره ممثلون عن حكومات إسرائيل وفلسطين والأردن ومصر والولايات المتحدة.

ووفقا للبيان الختامي لاجتماع العقبة، فقد اتفق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على دعم خطوات بناء الثقة لمعالجة القضايا العالقة عبر حوار مباشر، وأكدا التزامهما بجميع الاتفاقات السابقة بينهما، والعمل على تحقيق السلام العادل والدائم، وسيعقد اجتماع آخر في شرم الشيخ في مارس/آذار المقبل لتحقيق الأهداف التي حددت في العقبة.

لكن كثيرا من الخبراء الأميركيين شككوا في نجاح مساعي التهدئة، خاصة مع استشهاد 62 فلسطينيا وقتل 13 إسرائيليا منذ بداية هذا العام، وهو معدل قياسي بحسابات السنوات الأخيرة.

وكانت فصائل المقاومة الفلسطينية قد استبقت اجتماع العقبة باستنكار مشاركة السلطة الفلسطينية، وعدّتها "طعنة جديدة لتضحيات الشعب الفلسطيني وخيانة لتضحيات الشهداء"، وأن الاجتماع "استكمال لمخططات التآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته، ومحاولة جديدة لاستئصال مشروع المقاومة".

تخوفات أميركية

ويخشى الجانب الأميركي من اشتعال الأوضاع الأمنية مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، وعيد الفصح اليهودي، وهي مناسبات شهدت تاريخيا ارتفاعا في أعمال العنف بين الطرفين.

وعكست مشاركة بريت ماكغورك، مسؤول الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي، في اجتماع العقبة جدية البيت الأبيض في محاولة إعادة الهدوء للمنطقة.

وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن الاجتماع كان نقطة انطلاق وإن التنفيذ سيكون حاسما، مضيفا أن "الولايات المتحدة ستواصل المشاركة بنشاط في هذه الصيغة مع جميع الأطراف في الأسابيع المقبلة".

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد طالب -بعد انتهاء زيارته للضفة الغربية وإسرائيل بداية الشهر الجاري- ببقاء باربرا ليف مساعدة الوزير لشؤون الشرق الأدنى، وهادي عمرو الممثل الخاص للشؤون الفلسطينية، بهدف مناقشة "الأفكار البناءة للخطوات العملية التي يمكن لكل جانب اتخاذها لخفض حدة التصعيد".

رؤية أميركية معقدة

تؤمن واشنطن بضعف السلطة الفلسطينية وضعف قواتها الأمنية على مدار السنوات الثلاث الماضية، لا سيما في شمال الضفة الغربية حيث تفتقر إلى الدعم الشعبي بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة، واتهامات الفساد، وعدم إحراز تقدم في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

أدى ذلك إلى فقدان السلطة الفلسطينية السيطرة فعليا على مدينة جنين ومخيمها للاجئين، إذ تسيطر عليهما الآن جماعات مسلحة تابعة للجهاد الإسلامي وحركة حماس، فضلا عن أعضاء منظمة فتح الذين لا يلتزمون بتعليمات قيادة السلطة الفلسطينية، حسب الرؤية الأميركية.

وتشير تقديرات أميركية إلى تمتع السلطة الفلسطينية بسيطرة أكبر على مدينة نابلس، لكن في الوقت ذاته تكتسب الحركات المسلحة شعبية متزايدة خاصة بين الشباب الفلسطيني.

كما تشير تقديرات المراكز البحثية اليمينية المؤيدة لإسرائيل إلى أن الجيش الإسرائيلي يدهم جنين ونابلس من وقت لآخر لأن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لا تفعل ذلك بنفسها.

وذلك في الوقت الذي يرى فيه الجانب الفلسطيني أن التوغلات الإسرائيلية تقوّض قدرته وشرعيته على العمل ضد الجماعات المسلحة.

شكوك أميركية

يرى خبراء أميركيون أن تجديد ثقة واشنطن بالسلطة الفلسطينية لا يستند إلى أدائها الجيد، بل إلى عدم وجود خيارات بديلة من ناحية، ومن ناحية أخرى يرون أنه لا توجد ثقة كذلك بحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

فمن ناحيته، شكك أرون ديفيد ميلر، كبير الباحثين في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في وفاء الأطراف بالالتزامات الواردة في الاتفاق.

وغرد ميلر الذي كان أيضا مفاوضا في محادثات السلام بالشرق الأوسط بالقول "نأمل الوفاء بالالتزامات الواردة في بيان العقبة الصادر عن اجتماع اليوم، لكنني قلق. وكما قال قطب السينما الراحل صموئيل جولدوين ساخرا إن الاتفاق الشفهي لا يستحق الورق المكتوب عليه، وقد ندد سموتريتش وبن غفير بالاتفاق بالفعل".

أما روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فقد ذكر في تغريدة له أن "هناك أمرين واضحين: (أ) السلطة الفلسطينية غير قادرة/غير راغبة في تأمين المناطق التي تسيطر عليها، (ب) لا تتصرف الحكومة الإسرائيلية كما لو أن لديها مصلحة في منع انهيار السلطة الفلسطينية. ومن الصعب أن نرى كيف ينتهي هذا بشكل جيد".

وقد عبر عن تشاؤمه السفير مارتن إنديك، المبعوث الأميركي السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط والخبير حاليا بمجلس العلاقات الخارجية، وقال في تغريدة "هذا بيان العقبة الصادر اليوم وهذا المنتدى محاولة مهمة لمنع تصاعد العنف خارج نطاق السيطرة. ومن المفيد إشراك الأردن ومصر رسميا في هذه العملية، لكن أخشى أن يكون قد فات الأوان".

وفي بيان لها، طالبت "منظمة أميركيون من أجل السلام الآن" المعنية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأن تتحول من الأقوال إلى الأفعال، ومن البيانات إلى تأكيد عواقب انتهاكات لغة أو روح تفاهمات العقبة.

المنسق الأمني الأميركي

في هذا السياق، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن تفاصيل جديدة عن الخطة الأميركية المعروفة باسم "فنزل" (نسبة إلى المنسق الأمني الأميركي مايكل فنزل) لإعادة سيطرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على منطقتي جنين ونابلس.

ويقود مايكل فنزل جهود التنسيق الأمني بين حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتعزيز التعاون الأمني بينهما، ويشرف فنزل على أكثر من 75 متخصصا أمنيا من 9 دول في حلف شمال الأطلسي، ويتخذ من القدس مقرا له، إضافة إلى مواقع متقدمة في مدينة رام الله بالضفة الغربية.

وذكرت دراسة حديثة لخدمة أبحاث الكونغرس الأميركي أن الغرض الأصلي من وجود المنسق الأمني منذ مارس/آذار 2005 هو المساعدة في إنهاء العنف من خلال تقديم خدمات أمنية فلسطينية فعالة، بما يسهل التنسيق والتعاون في المسائل الأمنية المتبادلة، إضافة إلى تطوير قوة أمنية فلسطينية فعالة ومستدامة.

وأهم ما تضمنته الخطة هو بند تدريب 5 آلاف عنصر أمني فلسطيني لإعداد قوات خاصة فلسطينية، ويكون التدريب داخل الأراضي الأردنية بإشراف أميركي، على أن يتزامن دخول القوات الفلسطينية إلى المقارّ الجديدة في جنين ونابلس، مع تقليص أنشطة جيش الاحتلال الإسرائيلي في هذه المناطق.

المصدر : الجزيرة

إعلان