جهود إقليمية ودولية لوقف الاقتتال.. هل تعيد أزمة "لاس عانود" ملف أرض الصومال إلى الواجهة؟

استقبال زعماء العشائر بحفاوة في لاسعانود (الصحافة الصومالية)
الاشتباكات في منطقة لاس عانود خلّفت مئات القتلى والجرحى (مواقع إلكترونية)

منذ أن أعلن إقليم أرض الصومال استقلاله عن الدولة الأم؛ الصومال، من طرف واحد في عام 1991، وعلى الرغم من عدم حصوله على الاعتراف الدولي، فقد شهد حالة من الاستقرار السياسي مقارنة بالحروب الأهلية الدامية التي شهدها الصومال.

ظلت هذه القاعدة دائمة حتى اندلع النزاع الأخير في مدينة "لاس عانود" عاصمة إقليم سول التابع لـ"أرض الصومال" والذي راح ضحيته العشرات وجرح المئات وتشرد ما يزيد على 185 ألف صومالي.

  • ما قصة لاس عانود؟

لاس عانود هي العاصمة الإدارية لمنطقة سول في أرض الصومال، التي تطالب بالاستقلال عن جمهورية الصومال منذ 1991 وتقع على الحدود بين إقليمي بونت لاند وأرض الصومال في مساحة قدرها 11 ألفا و240 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عدد سكانها 108 آلاف نسمة.

تقطن لاس عانود عشائر دولباهنتي ووارسنقلي اللتان تنتميان إلى قبيلة الدارود التي تسيطر على إقليم بونت لاند، ومنذ بداية نزوع أرض الصومال إلى الاستقلال حاولت عشائر إسحاق المسيطرة على أرض الصومال أن تطمئن الأقليات في الإقليم عبر مصالحات ولكن ظلت الميول ورغبة الانتماء قائمة.

منطقة لاس عانود في أرض الصومال

  • كيف بدأت الخلافات في لاس عانود؟

في عام 2002 زار رئيس إقليم أرض الصومال آنذاك ضاهر ريالي كاهن بقوات مدججة لاس عانود ما استفز حكومة بونت لاند التي كانت تدير المنطقة، وأرسلت فورا وحدات قتالية ودخلت في مواجهات مسلحة مع قوات أرض الصومال، ما جعله ينسحب بقواته ومعه الإدارة المحلية للمنطقة، وتكررت المواجهات بعد ذلك فترة بعد أخرى، إلى أن تمكنت قوات إقليم أرض الصومال من السيطرة على لاس عانود في 2007.

  • ما طبيعة النزاع في لاس عانود وما أطرافه؟

يتمحور الخلاف حول لاس عانود بين الإقليمين على ادعاء تبعية لاس عانود وشرق منطقة ساناق، حيث تعتمد إدارة أرض الصومال الحدود الموروثة من الاستعمار والتي تعتمدها المؤسسات القارية في أفريقيا، بينما ترى إدارة بونت لاند أن الامتدادات العشائرية هو ما يجب اعتماده في الحدود، وبالتالي ضم المناطق التي تقطنها عشائر دولباهنتي ووارسنقلي إلى إقليم بونت لاند.

إضافة إلى ذلك، فهناك خلاف جوهري بين الإقليمين حول استقلال أرض الصومال، يعضده موقف العشائر الذي يميل إلى إقليم بعينه، ما يعني أن هناك إرادة محلية وإقليمية تتدافع مع توفر ظروف لها علاقة بالمصالح الاقتصادية حيث اشتكى السكان من استبعادهم من المشاريع التنموية الكبرى في الإقليم وقضايا التمثيل في السلطة السياسية على مستوى الإقليم.

  • كيف تطور الخلاف إلى مواجهات مسلحة؟

شهدت المنطقة أحداثًا متقطعة منذ سيطرة إقليم أرض الصومال على لاس عانود في 2007، كما شهدت توترًا آخر في 2011 عندما أسست أرض الصومال إدارة جديدة في منطقة سول وهي ولاية خاتومو، وتفجر صراع آخر في 2018 والذي توقف عبر وساطات، إضافة إلى طرد إدارة إقليم أرض الصومال لحوالي 6 آلاف صومالي باعتبارهم أجانب دخلوا أرض الصومال بطرق غير شرعية ما أثار سخط الصوماليين الذي يعتبرون أن كل بقعة في الصومال يحق لهم أن يعيشوا فيها.

في ديسمبر/كانون الأول 2022 قُتل أحد المعارضين السياسيين في المنطقة وهو السيد عبد الفتاح عبد الله عبدي على أيدي مجهولين، ما أعاد التوتر والاحتجاجات إلى الواجهة من جديد، قابلتها الأجهزة الأمنية بالقوة ما تسبب في قتل حوالي 20 من المحتجين، كانت هذه هي الشرارة التي أشعلت المواجهات المسلحة بين قوات الإقليم والمليشيات العشائرية الأخرى المسنودة من إقليم بونت لاند، واستمرت المواجهات وتوسع مداها ليتسبب في القتل والتشريد واتساع الفتق بين الأطراف.

  • ما أبرز نتائج المواجهات؟

منذ السادس من فبراير/شباط الجاري تصاعدت حدة التوترات والمواجهات القتالية بين الأطراف خاصة بعد تخطيط العشائر في لاس عانود لإعلان إقليم جديد يتبع مباشرة لإدارة الحكومة الفدرالية في مقديشو، معلنين إنهاء الارتباط مع إقليم أرض الصومال، استبقت إدارة الإقليم الإعلان وعطلت اللقاء ما رفع درجة المواجهات على مدى 18 يومًا، وكانت حصيلة المواجهات حوالي 150 قتيلا وأكثر 560 جريحًا ونزوح أكثر من 185 ألف من مناطقهم، 89% منهم نساء وأطفال، وتفيد تقارير بأن حوالي 60 ألفًا وصلوا الأراضي الإثيوبية، هذا غير الخسائر المادية الجسيمة في الجوانب الأخرى.

  • ما الجهود المبذولة لوقف الاقتتال؟

في 10 فبراير/شباط الجاري تم التوصل إلى اتفاق لوقف القتال، إلا أن توجه العشائر لإعلان رغبتهم بالانضمام إلى الحكومة المركزية فجّر القتال من جديد، كما بذل الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله محاولات للتقريب بين الحكومة الفدرالية في مقديشو وحكومة أرض الصومال، إلا أن المحاولة لم يحالفها التوفيق.

كما زار وفد من بعثة السفارة الأميركية في مقديشو، مدينة هرجيسا بأرض الصومال سعيا وراء إيقاف الحرب في لاس عانود، مطالبا الأطراف بوقف فوري غير مشروط للقتال وناقش فرص فتح الحوار بين الحكومة الفدرالية في مقديشو وأرض الصومال.

كما استقبل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وفودا من النرويج وتركيا تتوسط بين الصومال وإدارة أرض الصومال.

  • إلى أين تتجه الأحداث في لاس عانود؟

لم تتدخل الحكومة الفدرالية في مقديشو تدخلا مباشرا حتى لا تحسب على طرف ضد آخر في ظل رفض حكومة أرض الصومال التفاوض مع الرئيس حسن شيخ إلا بالاعتراف بالاستقلال أولا ثم الشروع في الحوار بعده، وهو ما قد يدفعها إلى دعم الأطراف التي تسعى للانفصال من إقليم أرض الصومال والعودة إلى حضن الحكومة المركزية، التي تخوض حربا صفرية مع حركة الشباب، عبر دعمها لإقليم بونت لاند.

ورغم أن الأوضاع تبدو هادئة خلال اليومين الماضيين فإنها مفتوحة على كل الاحتمالات، ذلك أن عوامل استمرار القتال هي الأوفر مع ضعف الجهود الدبلوماسية السلمية، التي يمكن أن تضمن فترة أطول لإيقاف القتال.

إضافة إلى توفر الاحتقان العشائري الذي تختزن الذاكرة الصومالية كثيرا من المآسي المرتبطة بها في فترة ما بعد سقوط حكومة الجنرال محمد سياد بري، في الوقت الذي تراجع فيه أداء إدارة الإقليم وبدت الخلافات واضحة ما أثر على العملية السياسية في الإقليم، وهو ما قد يمكن أن يحرك بواعث الخلافات العشائرية حتى داخل القبيلة الواحدة ما يهدد بعودة الحرب الأهلية.

المصدر : الجزيرة