رغم الحرب والمعاناة.. لماذا لم ينتقد الأوكرانيون سلطات بلادهم؟
كييف- في الطريق إلى عملها بإحدى محطات مترو الأنفاق بالعاصمة كييف، تقول أناستاسيا إن الحرب مستمرة، والحياة أيضا كذلك.
هكذا تختصر السيدة الأوكرانية مفارقة الحرب والحياة في أرض المعركة، فبينما يضج العالم بالحديث عن أنباء وتحليلات حرب روسيا على أوكرانيا في سنويتها الأولى، يبدو الشارع الأوكراني اليوم هادئا وطبيعيا للغاية، لدرجة قد توحي للزوار وكأن الحرب ليست هنا، بل في دولة أخرى بعيدة.
مشهد حركة الناس وتعاملاتهم اليومية يذكّر -إلى حد ما- بحالة اللامبالاة والتهوين التي شملت معظم الأوكرانيين قبيل الحرب، في وقت كان فيه العالم يضج تحذيرا من نوايا روسيا.
تفسير ذلك -بحسب كثيرين- هو تأقلم الناس مع واقع الحرب وتداعياتها، وحتى مع المعاناة التي خلّفتها السنة الماضية، وتحولت إلى ما يشبه روتينًا يوميًّا.
"قطع الكهرباء وبُعد الأقرباء في مناطق النزوح ودول اللجوء المؤقت لا يوقف الحياة، كما أن فقدان العمل يدفع لتغييره، وتراجع الدخل لا يسبب الجوع لمن يملك الإرادة"، هكذا تؤكد السيدة الأوكرانية.
وتضيف: "تجاوزنا أزمة شح الوقود في بداية الحرب، وسنتجاوز أزمة شح الكهرباء أيضا. اليوم، أعتقد أن صافرات الإنذار هي وحدها التي توقف الحياة، لا لأن الناس تخاف، بل لأنها توقف عمل المواصلات والمحلات والدوائر الحكومية والشركات التزامًا بالتعليمات الحكومية".
عدم انتقاد السلطات
بالإضافة إلى ما سبق، لا ترتفع -حتى يومنا هذا- أي أصوات انتقاد تذكر للسلطات في تعاملها مع الحرب وتداعياتها؛ ولا سيما أن ساحات كييف لا تخلو يوميا -لا قبل الحرب ولا في أثنائها- من مظاهرات وفعاليات تطالب بتغيير أو أمر ما، حتى وإن كان ذلك من قبل متظاهر أو محتج واحد فقط.
وعلى العكس من ذلك، باتت الساحات تشهد -من حين إلى آخر- فعاليات شعبية تؤيد بعض الإجراءات أو النجاحات الميدانية، وأخرى تطالب السلطات باستعجال تحرير الأراضي، أو تبادل المزيد من الأسرى؛ أو توجه نداءات إلى العالم، لحشد مزيد من الدعم ومواقف الحزم.
تفسير ذلك بسيط للغاية بالنسبة للعامة والخاصة في أوكرانيا، يكمن في سؤال: من السبب، ومن المسؤول؟ حيث الجواب لدى الجميع هو "روسيا".
في هذا السياق، يقول رئيس مؤسسة الخيارات الأوكرانية للدراسات الإستراتيجية أوليكسي كوشيل، إن الانتقادات موجودة طبعا، وقد شهدتها كييف وكثير من المدن، لكنها أخذت طابعًا محليًّا، ضد آليات لا سياسات، وفي بعض الأحيان كانت هناك شكوك حول أن بعض الفعاليات مدعومة فعلا من قبل روسيا، التي تقصف بهدف تأليب الشعب على السلطات، لكنها فشلت، بحسب وصفه.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف كوشيل "أعتقد أن أكثر من 90% من الأوكرانيين يجمعون على أن أطماع بوتين وسياسات روسيا هما سبب كل ما يحدث، ويكنون اليوم الحقد والكراهية لروسيا".
وكمثال على هذا، قال كوشيل انظروا إلى مدينة خاركيف الناطقة بالروسية، التي دخلها الروس في أقصى الشرق، وإلى لفيف الناطقة بالأوكرانية في أقصى الغرب، كلاهما تعانيان ذات الأزمات المتعلقة بانقطاع الكهرباء اليوم.
وأضاف أن تعامل سلطات البلاد مع الحرب وتداعياتها كان -ولا يزال- على قدر عال من المسؤولية والكفاءة، ولا يقارن مع سلطات دول أخرى خاضت وتخوض حروبا أو نزاعات، حتى وإن حدثت بعض الأخطاء.
ويدلل على وجه نظره هذه بمثال قائلا: "اهتمام الأوكرانيين بشراء المولدات ومحطات الطاقة المنزلية لم يعد كما في السابق، لأنهم يثقون بأن السلطات تعمل سريعا على زيادة حجم وقدرة الدفاعات الجوية وحل المشاكل الناجمة عن القصف، تماما كما فعلت سابقا مع أزمات النزوح وشح الوقود وغيرها".
علاقات أوسع ودعم أكبر
في بعد آخر يفسر الأمر، يربط الخبراء رضا الأوكرانيين -إن صح التعبير- بما وصلت إليه سلطات البلاد من قوة علاقات مع من تسميهم بالدول الحليفة والشريكة في الغرب، وحجم الدعم الذي باتت تحصل عليه منهم.
في هذا الإطار، يقول الخبير كوشيل: "لم يسبق أن وصلت أوكرانيا إلى هذا الحجم من ثقة الدول الداعمة، حتى وإن كانت لتلك الدول مصالح، أوكرانيا مسلحة اليوم أكثر من دول أعضاء في الناتو، وتحظى أوروبيا باحترام ودعم أكبر من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي".
واختتم بالقول إن "هذا يحسب لسلطات أوكرانيا ولم يكن لغيرها في السابق، وهذا يعود لتراجع حجم الفساد على أكبر المستويات، الأوكرانيون يقدرون هذا كثيرا، فهو أمر انتظروه منذ 3 عقود".