رحلة إلى واشنطن.. ما الذي حققه الوفد العراقي بزيارته لأميركا؟

US Secretary of State Antony Blinken and Iraqi Foreign Minister Fuad Hussein speak to the media prior to a meeting, in the Treaty Room of the US State Department in Washington, DC, on February 9, 2023. (Photo by SAUL LOEB / AFP)
رغم أنها استمرت قرابة الأسبوع؛ لا يزال الغموض يخيم على تفاصيل زيارة الوفد العراقي لواشنطن (الفرنسية)

بغداد – كثيرة هي التساؤلات التي تُثار عمّا خرج به الوفد العراقي الذي ترأسه وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى الولايات المتحدة الأميركية رفقة وفد رفيع ضم محافظ البنك المركزي والعديد من المسؤولين.

الزيارة التي بدأها الوفد العراقي في التاسع من فبراير/شباط الجاري استمرت أكثر من 6 أيام وشابها الكثير من الغموض، لا سيما أن معهد الشرق الأوسط الأميركي أوضح في تقرير له أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضغطت على الوفد العراقي الذي زار واشنطن باتجاه دفع بغداد نحو إعادة توجيه قطاع الطاقة العراقي بعيدا عن إيران، والتعامل مع الاتهامات التي تطال القطاع المصرفي العراقي بأنه يساعد النظام الإيراني للإفلات من العقوبات الغربية.

مبنى البنك المركزي العراقي2 (الجزيرة نت)
المركزي العراقي أعلن قبل أيام عن تعديل سعر صرف الدولار أمام الدينار لضبط سعر الصرف في الأسواق الموازية (الجزيرة نت)

زيارة غامضة

ويشهد العراق منذ نحو 3 أشهر ارتفاعا كبيرا في سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي في الأسواق الموازية، الأمر الذي دفع الحكومة العراقية لخفض سعر صرف الدولار رسميا من 1460 إلى 1310 دنانير لكل دولار للسيطرة على الوضع الاقتصادي وتجنب الاحتجاجات الشعبية، وهو ما يبدو أن الحكومة العراقية لم تنجح فيه كليا، لا سيما أن سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية لا يزال بحدود 1530 دينارا لكل دولار.

وزاد من حدة غموض زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن حيث تحدث الطرفان في واشنطن عن أهمية استمرار العلاقة الأميركية العراقية على كل المستويات بدون الخوض في التفاصيل.

في حين أشار بيان وزارة الخارجية العراقية إلى تأكيد الوزير العراقي خلال المؤتمر على ضرورة تعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك، حيث قال "جرى خلال اللقاء تبادل وجهات النظر المُشترَكة حول أهم القضايا ذات الصلة بالعلاقات الثنائية، ووزير الخارجية العراقي أشاد بدعم الولايات المتحدة للعراق".

وكانت الحكومتان العراقية والأميركية قد أصدرتا أمس الأول الأربعاء، بيانا مشتركا للجنة التنسيق العليا الأميركية-العراقية، تضمن جملة اتفاقات وتفاهمات، جاء فيه أن وزير الخارجية العراقي ونظيره الأميركي ترأسا اجتماعا للجنة التنسيق العليا، وفقا لاتفاقية الإطار الإستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين البلدين الموقعة عام 2008.

وتطرق البيان للدعم الذي تقدمه واشنطن لبغداد فيما يتعلق بالقطاعين المالي والمصرفي ومكافحة غسيل الأموال والتغير المناخي وعلاقة بغداد بدول الخليج والربط الكهربائي بدون التطرق لتفاصيل المحادثات التي جمعت الطرفين فيما يتعلق بشروط الفدرالي الأميركي (المركزي الأميركي) وتطبيق نظام سويفت.

وجاء في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط الأميركي أن الحكومة العراقية كانت تراهن على أن يتمكن فؤاد حسين ومحافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق من إقناع الإدارة الأميركية بتجميد أو تأجيل القيود التي فرضها الاحتياطي الفدرالي الأميركي على تحويلات الدولار إلى العراق، ثم عاد التقرير وأكد أن واشنطن لم تقدم أي وعود بهذا الشأن.

الشمري: لم يستطع الوفد العراقي إقناع واشنطن بإيقاف المنصة الإلكترونية للبنك المركزي العراقي (الجزيرة نت)

ما وراء الكواليس

ويبدو أن الوفد العراقي لم يستطع إقناع الولايات المتحدة بإيقاف المنصة الإلكترونية للبنك المركزي العراقي أو تأجيل عملها، وذلك وفق ما كشفه رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري للجزيرة نت.

وتابع الشمري أن الولايات المتحدة أبلغت الوفد العراقي أنها مستعدة للتعاون مع بغداد فيما يتعلق بآليات تطبيق المنصة الإلكترونية وتسليم الدولار إلى العراق وفق مستندات تثبت المستخدم النهائي للعملة الأميركية، بما يتماشى مع نظام "سويفت"، فضلا عن ضرورة عدم إسهام الحكومة العراقية بتسليم الدولار للعراقيين الخاضعين للعقوبات الأميركية.

ولم تقف المحادثات العراقية الأميركية عند هذا الحد، وفق الشمري، الذي قال إن واشنطن بحثت مع الوفد العراقي العديد من القضايا فيما يتعلق باتفاقية الإطار الإستراتيجي، وشددت على ضرورة إزالة التوتر بين بغداد وإقليم كردستان وتسوية ملفات النفط والغاز بينهما، عازيا سبب طول فترة مكوث الوفد العراقي بواشنطن للملفات الشائكة التي تم مناقشتها.

ويتضح من خلال الغموض الذي رافق زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن وجود توصيات للوفد العراقي لاتباع ما يوصف بـ"الصمت الإعلامي" وعدم كشف كواليس ما جرى بحثه خلف الأبواب المغلقة، وفق الباحث السياسي رعد هاشم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح هاشم أن الوفد العراقي ناقش الوضع الاقتصادي والمالي فيما يتعلق بالدولار والتفاهمات مع وزارة الخزانة الأميركية والفدرالي الأميركي، موضحا أنه "قد تكون هناك مهلة محددة جدا، لا تتجاوز 3 أشهر، للعراق من أجل منع تهريب الدولار إلى كل من إيران وسوريا ولبنان وروسيا، مقابل تسهيل تزويد العراق بالدولار مع بقاء عمل المنصة الإلكترونية ونظام سويفت بدون العودة للنظام القديم في مزاد بيع العملة بتاتا".

غانم العابد: واشنطن ستحدد مدى رضاها عن الحكومة العراقية من خلال توجيه دعوة للسوداني من عدمه (الجزيرة نت)

الرضى الأميركي

وفي خضم الحديث عن زيارة الوفد العراقي إلى الولايات المتحدة، يتساءل كثير من الأوساط العراقية عن مدى الرضى الأميركي عن الحكومة العراقية التي يترأسها محمد شياع السوداني الذي تولى مهامه نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويجيب عن هذا التساؤل الباحث في مؤسسة رؤى للدراسات غانم العابد الذي أوضح أن الولايات المتحدة لم تعط أي أمل لبغداد بتأجيل العمل بالمنصة الإلكترونية مقابل وعود بدعم الحكومة العراقية في علاقاتها مع الأردن ودول الخليج، مشيرا إلى أن هذا الدعم سيكون وفق شروط، وبخلافها لن يستمر دعم واشنطن لحكومة السوداني، وفق تعبيره.

أما عن زيارة السوداني إلى واشنطن، والتي طال الحديث عنها، فيرى العابد -في حديثه للجزيرة نت- أنه لا يُعرف حتى اللحظة فيما إذا كان السوداني سيزور واشنطن قريبا أم لا، مبينا أن هذه الزيارة ستكون المعيار لمعرفة مدى الرضى الأميركي، وأن معرفة ذلك بحاجة لمزيد من الوقت الذي قد لا يتجاوز شهرا واحدا فقط، وفق قوله.

المحلل الإقتصادي عبد الرحمن المشهداني يعتبر أن معظم هذه القروض وهمية
المشهداني رأى أن فرض واشنطن تطبيق نظام سويفت يعد فرصة لبغداد لضبط تهريب الدولار (الجزيرة نت)

فرصة عراقية

من جانب آخر، اعتبر أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية في بغداد عبد الرحمن المشهداني أن فرض واشنطن تطبيق نظام سويفت على العراق يعد فرصة للحكومة العراقية لضبط ملف تهريب الدولار خارج البلاد، وهو ما لم تفلح فيه الحكومات العراقية السابقة.

وفي حديثه للجزيرة نت، كشف المشهداني أن الوفد العراقي لم يكن في نيته مطالبة واشنطن بتأجيل العمل بالمنصة الإلكترونية، لمعرفته استحالة ذلك، وأن ما جرى مع وزارة الخزانة الأميركية والبنك الفدرالي لا يتجاوز كيفية تنظيم الدفعات النقدية والمراقبة والتدقيق وكيفية مساعدة الفدرالي للمركزي العراقي في تحقيق الاستقرار النقدي داخل للعراق، تاركا تحديد سعر الصرف للدولار بعهدة الحكومة العراقية التي تتولى مهام ضبط سعر الصرف وتحديد قيمة العملة العراقية.

واقتصاديا، يقول المشهداني "إن مبيعات مزاد العملة لدى البنك المركزي العراقي تسير الآن وفق الوضع الطبيعي، وإن استمرار تقليص البيع النقدي للدولار سيجفف منابع التهريب، رغم أنه سيؤدي لزيادة سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية، مع الأخذ بالحسبان أن التهريب لا يزال مستمرا نقدا عبر الحدود العراقية مع دول الجوار".

ويحمّل المشهداني البنك المركزي والحكومات العراقية مسؤولية الوضع النقدي المتعلق بالدولار، لا سيما أن الفدرالي الأميركي كان قد أبلغ بغداد بوجوب العمل بالمنصة الإلكترونية قبل نحو عامين.

ولم تفلح محاولات مراسل الجزيرة نت للتواصل مع مسؤولين في البنك المركزي والحكومة العراقية للتعليق على الزيارة وما آلت إليه من تفاهمات.

المصدر : الجزيرة