أستاذ جامعي: تفجير بيشاور لا يبشر بخير والتحديات الأمنية تتطلب من باكستان نهجا جديدا

جاء في مقال بموقع قناة الجزيرة الإنجليزية أن التفجير الانتحاري الذي وقع الاثنين الماضي في مسجد بالقرب من مقر للشرطة في مدينة بيشاور الباكستانية لا يبشر بخير لقادة البلاد الذين يواجهون أزمات جمة في الداخل.
ومع أن حركة طالبان باكستان كانت أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم في أول الأمر، إلا أن أحد قادتها نفى بعد ذلك أي ضلوع لها في الحادث.
ويرى كاتب المقال فهد همايون، أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة تافتس (Tufts University) الأميركية، أن الهجوم يؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة لإستراتيجيات مكافحة الإرهاب في البلاد.
لكنه يعتقد أنه ليس من الواضح مدى قدرة قادة باكستان على التعامل بفعالية مع التحديات الأمنية المتزايدة، في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غير المستقرة وحالة الاستقطاب السياسي التي تعصف بالبلاد.
ورغم أن حركة طالبان باكستان آثرت أن تنأى بنفسها عن هجوم الاثنين الماضي، فليس هناك من ينكر أنها والأفرع التابعة لها كثفت في الآونة الأخيرة استهدافها الشرطة والمسؤولين عن إنفاذ القانون، حيث حاولوا توسيع الأنشطة العملياتية خارج إقليم خيبر بختونخوا (شمال غربي البلاد) وحاضرته مدينة بيشاور التي كانت مسرحا للهجوم على المسجد.
وتشير التقديرات إلى أن حركة طالبان باكستان نفذت نحو 100 هجوم منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وينقل همايون عن صانعي القرار في باكستان القول إن المسلحين -بمن فيهم مقاتلو حركة طالبان باكستان- استفادوا بشكل كبير من الملاذات التي توفرت لهم في أفغانستان المجاورة بعد استيلاء طالبان على كابل عام 2021.
والرأي عنده أن إحجام طالبان الأفغانية عن مواجهة طالبان الباكستانية يعود إلى أنها تعتبر الأخيرة أداة مفيدة ضد الدولة الباكستانية. وبمنحها ملاذا لطالبان باكستان -والحديث ما زال لأستاذ العلوم السياسية- فإن من شأن ذلك أن يتيح لطالبان أفغانستان ترسيخ استقلاليتها الإستراتيجية في مواجهة المؤسسة الأمنية الباكستانية، بعد أن تضاءل نفوذ إسلام آباد على الحركة الأفغانية منذ سيطرة الأخيرة على كابل.
ولهذا السبب، لجأ المسؤولون الباكستانيون إلى سياسة العصا والجزرة؛ فمن جانب، حاولوا التفاوض مع طالبان باكستان في محادثات مغلقة استضافتها طالبان الأفغانية، ومن جانب آخر، نفذ أولئك المسؤولون سلسلة من العمليات السرية والاستخباراتية في عمق أفغانستان استهدفت قادة طالبان باكستان.
فراغ سياسي
ورغم أن تلك العمليات قد تكللت في ظاهرها ببعض النجاحات التكتيكية -مثل اغتيال القائد البارز في حركة طالبان باكستان، خالد خراساني، العام الماضي- فإن همايون يرى أن هذه الإستراتيجية المزدوجة لا يبدو أنها قد حققت ما تنشده باكستان منها.
كما أن المفاوضات أخفقت في تحقيق أي شيء غير وقف إطلاق النار على المدى القصير، إذ تمسكت حركة طالبان باكستان بهدفها المعلن المتمثل في فرض تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية في جميع أنحاء البلاد.
وبدلا من أن تستدر الأزمات المتعددة ردود فعل موحدة من أجل القضاء على الإرهاب، أدى تجدد العنف في جميع أنحاء باكستان إلى تفاقم التصدعات الاجتماعية والسياسية والعرقية المقلقة بالفعل، وفق ما ورد في المقال.
وأشار الكاتب إلى حل المجالس الإقليمية لأكبر مقاطعتين في باكستان (البنجاب وخيبر بختونخوا) -اللتين كانتا تحت سيطرة حزب حركة إنصاف الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عمران خان- في محاولة تكتيكية للضغط على الائتلاف الحاكم في إسلام آباد لإجراء انتخابات مبكرة.
ووفقا للمقال، هناك احتمال كبير أن تحاول حركة طالبان باكستان استغلال الفراغ السياسي في المقاطعتين. والحالة هذه، يبدو أن الاستهداف الإستراتيجي لأجهزة إنفاذ القانون المدنية في خيبر بختونخوا من قبل الجماعات المسلحة محسوب بمكر، وذلك لإظهار نقاط ضعف حكومة المقاطعة وعدم قدرتها على مواجهة التشدد العنيف، وتمكين حركة طالبان باكستان وتنظيماتها الفرعية من تجنيد "إرهابيين"، على حد وصف الكاتب.
تحديات
وتزيد الضائقة الاقتصادية من حدة الأزمة السياسية الراهنة في باكستان، فقد انخفض احتياطي النقد الأجنبي للدولة الشهر المنصرم إلى أدنى مستوى له منذ عام 2014. وعانت مدن البلاد الأسبوع الماضي من انقطاع التيار الكهربائي، "مما أدى إلى سقوط اقتصادها المريض بالفعل في الهاوية".
والواضح الآن -كما يقول همايون- هو أن باكستان تحتاج بشكل عاجل إلى بعض الاستقرار السياسي لكي تتصدى بشكل فعال لمجموعة معقدة من التحديات الاقتصادية والأمنية. ويتطلب ذلك من القادة السياسيين والعسكريين، في نهاية المطاف، تعاونا وثيقا لضمان انتقال حر ونزيه نحو الديمقراطية.
ويختم همايون مقاله بالتشديد على أنه في غياب هذا الاستقرار، فإن هناك احتمالا أن تؤدي المشاكل الاقتصادية في باكستان إلى اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق، ستذكي -بدورها- أوار العنف "والإرهاب".