الأوبئة تفتك بالنازحين في رفح والأونروا تحذر من "سيناريو أشد رعبا"
غزة – لازمت كلمة "وبعدين"، التي تستخدم شعبيا للإشارة إلى انسداد الأفق وانعدام الخيارات، أحمد العامودي بينما كان منشغلا بتثبيت قطع من البلاستيك القديم على أعمدة خشبية لإقامة خيمة وسط ساحة مركز للإيواء في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) غرب مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
لم يجد العامودي متسعا له في 5 مراكز إيواء، فنصب خيمة في ساحة مدرسة، رغم أن التسجيل فيها مغلق أمام النازحين الجدد، ويقول "أين سأذهب بأسرتي؟ الزحام في رفح كأنه يوم القيامة".
النزوح المتكرر أتعب العامودي (45 عاما) وأسرته المكونة من 6 أفراد، فمن مخيم النصيرات حيث نزح إليه -أول مرة- من منزله في حي النصر شمال مدينة غزة، إلى منزل صديقه في منطقة القرارة شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة، ومنه إلى مستشفى ناصر الحكومي غرب المدينة، ثم إلى مركز إيواء في رفح.
وأعرب العامودي، في حديثه للجزيرة نت، عن أمنيته في أن يكون تحركه القادم ليس نزوحا جديدا، وإنما عودة إلى منزله، قائلا "والله تعبنا والعالم يتفرج علينا ونحن نموت بالصواريخ وبالأمراض".
مدينة منكوبة
واستجابة لموجات النزوح المتلاحقة، وجهت لجنة الطوارئ في مدينة رفح النازحين نحو مباني مستشفى حمد قيد الإنشاء غرب المدينة، في حين قررت مديرية أوقاف المدينة فتح المساجد أمام النساء والأطفال وكبار السن.
وتخشى الأونروا ما وصفته بـ"سيناريو أشد رعبا"، ووفقا لمستشارها الإعلامي عدنان أبو حسنة، فإن الأمراض المعوية زادت بمعدل 4 أضعاف، وزادت الأمراض الجلدية بمعدل 3 أضعاف، ويعاني نحو 170 ألف طفل من التهابات رئوية، مجددا التحذير من أن "الأمراض المعدية على وشك الانتشار".
بدوره، اختصر رئيس لجنة الطوارئ الصحية في رفح الدكتور مروان الهمص واقع الحال بأن "الوضع كرب"، مضيفا أن "رفح مدينة منكوبة، والازدحام الشديد في المدارس والمرافق العامة والمنازل السكنية ينذر بكارثة صحية، ولا نمتلك الإمكانيات لمجابهة هذه الكارثة".
ويدير الهمص مستشفى أبو يوسف النجار الأكبر بالمدينة، ووفقا له فإن المستشفى يستقبل أعدادا مضاعفة من حالات الإصابة بالإسهال وارتفاع درجات الحرارة والإعياء الشديد، النسبة الكبرى منها بين الأطفال وكبار السن داخل مراكز الإيواء، بحسب حديثه للجزيرة نت.
ويعاني كثير من الأطفال والرضع في مراكز الإيواء من الجفاف وفقر الدم الناجم عن سوء التغذية، حسب الهمص، الذي يضيف أن "القادم أسوأ ما لم يتم فتح معبر رفح بشكل دائم وضمان تدفق يومي للمساعدات والاحتياجات الإنسانية الأساسية، بما فيها الإغاثية والطبية، وكذلك الوقود اللازم لتشغيل المرافق الحيوية".
الكوليرا تطل برأسها
يتعامل الدكتور محمد ماضي يوميا مع العشرات من الحالات التي تحدث عنها الهمص، ويقول للجزيرة نت إن "الواقع مأساوي، ونتعامل مع هذه الحالات بأيد فارغة ومن دون أبسط المقومات الطبية".
ونزح ماضي من مستشفى الرنتيسي للأورام وسرطانات الأطفال في مدينة غزة، ويقيم مع أسرته في مركز للإيواء في مدرسة القدس الثانوية الحكومية في مدينة رفح، وقال إن انتشار أمراض وأوبئة أكثر فتكا وعلى نطاق واسع ليس أمرا مستبعدا، مثل الكوليرا والتهاب الكبد الوبائي، جراء عدم توفر المرافق الصحية والتغذية السليمة والمياه الصالحة للشرب.
وتطوع ماضي وزملاؤه من النازحين بفتح "نقطة طبية" داخل مركز الإيواء، موضحا أن النازحين يعيشون في "بيئة خصبة لتفشي الأمراض"، حيث الازدحام الشديد في الغرف والساحات، مما يتسبب في أمراض جلدية ونزلات معوية والتهابات صدرية.
ولضمان استمرار عمل هذه النقطة الطبية، يضطر ماضي إلى التجول بين المستشفيات والمراكز الصحية للحصول على بعض الأدوية والعلاجات الأولية.
نزوح إلى المجهول
وفي سياق متصل، قال المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة إن المئات من العائلات النازحة باتت في الشوارع على أبواب مراكز الإيواء، حيث لا مكان لها، مع وجود حوالي 1.2 مليون نازح في 156 مركز إيواء على مستوى القطاع، ولا يمكن استيعاب المزيد.
من بين هؤلاء النازحين، لجأ نحو مليون نازح إلى 99 مدرسة ومنشأة تابعة للأونروا في مناطق وسط القطاع ومدينتي رفح وخان يونس في جنوبي القطاع، وبحسب الوكالة الأممية، فإن متوسط عدد النازحين في مراكزها يبلغ 10 آلاف و326 نازحا، وهو أكثر من 4 أضعاف طاقتها الاستيعابية.
وتقدر الأونروا ومنظمات دولية أخرى العدد الإجمالي للنازحين بنحو مليون و900 ألف فلسطيني، بنسبة تبلغ 85% من إجمالي سكان القطاع وعددهم يتجاوز 2.2 مليون نسمة، ويتوزع هؤلاء النازحون بين مراكز الإيواء وفي منازل أقارب وأصدقاء.