مطالب فلسطينيي سوريا باستثنائهم من تعديل قانوني يخص الأجانب
دمشق- أعدَّ اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين في سوريا مذكرة تطالب رئاسة الوزراء السورية بالتراجع عن قرار معاملة الفلسطينيين المقيمين على أرضها معاملة الأجانب، واعتبر أعضاء الاتحاد -خلال اجتماع بمقرهم في دمشق قبل أيام- أن للقرار تداعيات سلبية على أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية والقانونية والإنسانية.
وصدرت هذه المذكرة عقب تداول نشطاء وحقوقيين ووسائل إعلام محلية ومنظمات فلسطينية -الأسبوع الماضي- خبراً عن إيقاف جميع عمليات شراء العقارات للفلسطينيين في سوريا ككل، ومعاملتهم معاملة "الأجنبي" بالنسبة لتملك العقارات.
وهو ما أشارت إليه مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، في تقرير على موقعها الرسمي يوم 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بينما لم تتداول وسائل إعلام سورية رسمية، أو أي جهة رسمية أخرى، أي تفاصيل عن هذا الموضوع.
مفارقة الفلسطيني والأجنبي
ينص القرار رقم 1011 الصادر عن مجلس الوزراء السوري عام 2021 على تعديل الفقرة (ب) من المادة الأولى من قانون تملك الأجانب للعقارات، لتصبح "يقصد في عبارة غير السوري أي شخص طبيعي أو اعتباري لا يحمل الجنسية العربية السورية" دون استثناء اللاجئين الفلسطينيين من نص القرار.
ويقول كريم، محامٍ وناشط حقوقي بدمشق، فضّل استخدام اسمه الأول فقط، إن "القرار يعامل الفلسطيني في سوريا معاملة الأجنبي تماماً فيما يتعلق بحق ملكية العقار، ويقيّده بالشروط التي يقيّد بها الأجنبي عند رغبته بالتملك" مثل اشتراط الحصول على موافقة وزارة الداخلية، وأن يكون العقار مسجلاً كسند تمليك دائم (طابو أخضر).
كما يشترط القرار أن يكون للمالك "الأجنبي" أسرة، ويسمح له بتملك عقار واحد فقط -بغرض السكن- لا تقل مساحته عن 140 مترا مربعا.
وإثر هذا القرار على اللاجئين الفلسطينيين بسوريا، يضيف كريم في حديث للجزيرة نت، أنه يخلف تمييزا غير مبرّر بين السوري والفلسطيني "ففي حين لا يزال الفلسطيني يعامل معاملة السوري في كافة المعاملات والمجالات، يتم تمييزه على صعيد الحقوق العينية، لا سيما حق الملكية، ويضطر -وفقاً للقرار- إلى التملك حصرا في المناطق النظامية التي تضاهي أسعار العقارات فيها أضعاف ما هي عليه في المناطق الأخرى".
ويتابع الناشط الحقوقي "يقيّد هذا القرار حرية تصرف الفلسطينيين بالعقارات التي يمتلكونها، فمن يبيع منهم اليوم عقاراً مسجلاً على أنه حكم محكمة أو كاتب عدل لن يتمكن من شراء عقار آخر من النوعية ذاتها، بل سيتقيّد بالشروط التي حددها قانون الملكية للأجانب رقم 11 لعام 2011، في أن يكون العقار مبنياً برخصة نظامية وفق نظام ضابطة البناء، عدا التعقيدات القانونية التي سيواجهها في حال أراد الاستفادة من العقار عبر تأجيره".
وأشار عضو اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين في سوريا -في حديث مع مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا- إلى أن التعليمات التنفيذية للقانون رقم 11 لعام 2011 حول تملك الأجانب للعقارات استثنت الفلسطيني من عبارة "غير السوري".
وأضاف "يبدو أن هذا الاستثناء قد أُلغي وفق قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1011 لعام 2021" موضحاً أنه لم يتسن له التأكد من صحته لعدم وجود توقيع على الكتاب المذكور، ووجود تشابه للصياغة مع مضمون القرار رقم 11567 لعام 2011.
انقلاب الوضع
اعتمد الفلسطينيون في سوريا، قبل صدور القرار 1011، على تملك العقارات وفق إحدى الطرق التالية:
- ورقة "حكم محكمة" وهي تثبّت شراء العقار الذي لم يتم فرزه بدوائر الدولة، لوجوده في أرض غير صالحة للبناء.
- أو وفق ورقة ملكية موثقة لدى كاتب عدل وغير مدرجة بالسجل العقاري.
- أو وفق عقد عادي بين البائع والمشتري مذيّل بالبصمة والتوقيع وتوقيع الشهود.
- أو من خلال ما يسمى "إذن السكن" وهو وثيقة تمنح للفلسطيني من قبل الهيئة العامة للاجئين، تشهد فيها على منحه أرضاً تتراوح مساحتها بين 50 و70 مترا مربعا.
بينما لم يعد يحق للفلسطيني، بعد إصدار القرار 1011، أن يتملك عقاراً إلا وفق ورقة ملكية مسجلة بالسجل العقاري، يطلق عليها اسم "طابو أخضر" ويشترط فيها أن يكون العقار نظاميا بمنطقة عقارية نظامية، مما يعني سعراً مضاعفاً مقارنة مع سعر العقارات بالمناطق الزراعية أو مناطق العشوائيات.
ويقول عروة (26 عاما) وهو محاسب فلسطيني في شركة خاصة بدمشق، للجزيرة نت "مع هذا القرار يتبخر حلمي في شراء شقة سكنية، فأقلّ سعر لشقة سكنية بالمواصفات المذكورة ضمن القرار سيكون بحدود الـ500 مليون ليرة (35 ألف دولار تقريباً) بينما راتبي لا يتعدى 600 ألف ليرة (42 دولاراً)".
ويضيف "كما أصبح لزاماً عليّ الزواج وتكوين أسرة قبل امتلاكي شقة سكنية، وهذا تناقض صارخ مع وضعي كشخص ولد وترعرع في سوريا، وفي ذلك إهمال صريح من القرار لأوضاعنا كفلسطينيين ولدوا وعاشوا (طوال) عمرهم في سوريا، ولا يجب التمييز بينهم وبين السوريين، فهذا القرار معدّ للأجانب ولا يراعي أوضاعنا".
حراك حقوقي
يرى حقوقيون أن التغييرات القانونية فيما يتعلق بالتملك وغيرها ستضاعف أعباء الفلسطينيين داخل الأراضي السورية، خاصة وأنهم يتعرضون للتضييق المستمر باستثنائهم من مسابقات واختبارات التوظيف، وصعوبة حصولهم على أرقام وطنية لأبنائهم ممن هم دون سن الـ 15، مما يؤدي إلى عدم حصولهم على حصصهم من المواد التموينية عبر البطاقة الذكية التي تأخذ بعدد أفراد الأسرة وفقاً لسجلات النفوس.
وقد عرفت القوانين السورية المتعلقة بموضوع الحقوق العينية العقارية في سوريا صرامة فيما يتعلق بتملك الأجانب للعقارات ضمن الأراضي السورية، قبل أن يقرّ مجلس الشعب تعديلات على قانون الملكية عامي 2008 و2011، والتي تم السماح بموجبها للأجانب بتملك عقار بقصد السكن، شرط أن يكون الأجنبي مقيما في سوريا إقامة مشروعة.
ويستثنى الفلسطينيون من القوانين المنظمة لشؤون الأجانب المقيمين في سوريا وفقا للقانون رقم 260 لعام 1956، والذي يعرّف غير السوري على أنه كل شخص لا يحمل الجنسية السورية باستثناء الفلسطيني، وفق تعبير "السوريون ومن في حكمهم".
وتساوى اللاجئ الفلسطيني المسجل في "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" -التي تأسست عام 1949 للإشراف على شؤون الفلسطينيين في سوريا- مع المواطن السوري في التعليم والتوظيف والتجارة والالتحاق بخدمة العلم وغيرها من الحقوق المدنية، ما عدا حق الانتخاب والترشح للبرلمان السوري وللإدارات المحلية.