يروي فيها الحال الآن.. شاب من غزة يوجه رسالة إلى فرنسا
اسمي أحمد وعمري 26 سنة، أكتب إليكم من قطاع غزة في الوقت الذي تحلّق فيه المسيّرات فوق رأسي، وأنا مع 18 لاجئا في الشقة نفسها، بعد يومين وليلتين من الرعب الشديد، إضافة إلى الأيام الـ 66 السابقة، ومع أن الشبكة غير مستقرة؛ فإنني تمكنت من إرسال قصتي إليكم.
هذه مقدمة رسالة بمدونات موقع "ميديا بارت"، من طالب مقيم بغزة، يوجهها إلى النواب وإلى الشعب الفرنسي عامة، يصف فيها حاله وظروفه وما يعيشه مع أهل غزة تحت أزيز المسيّرات، وقصف الطائرات والدبابات في حرب لا تبقي ولا تذر.
يبدأ أحمد قصة حياته قائلا، إن البداية كانت عندما طردت عائلته بالقوة في 1948 من قرية النبي روبين قرب تل أبيب الحالية، لتجد لها ملجأ في غزة، حيث ولد هو في 1997 وحيث عاش ولما يتجاوز السادسة والعشرين 4 "حروب"، وهو منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعيش الحرب الخامسة وربما الأخيرة.
لم أعُد أعرف غزة
ومع أن الحياة في غزة قبل بداية الحرب لم تكن طبيعية تحت الحصار المستمر، فقد كانت لها متعها حيث اللعب والمرح وروائح الأطباق اللذيذة، ودفء منزل العائلة.
ففي غزة الأمس "كنت من نافذتي أتأمل راجيا القدوم ذات يوم للدراسة في فرنسا، كنت أشاهد مباريات باريس سان جيرمان على أمل أن أرى مبابي يلعب في الحياة الحقيقية. تخيلت نفسي أتجول في شوارع باريس وأذهب إلى السينما".
"غير أنني –كما يكتب أحمد- منذ يوم 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي لم أعد أعرف غزة. لقد دمرت القنابل الإسرائيلية 60% من منازلنا. قصفت مستشفياتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا وكنائسنا وشركاتنا ومراكز الأرشيف. اليوم جامعتي مغلقة. كما قُصف المعهد الفرنسي الذي التحقت به ذات يوم".
"في غزة اليوم، لون الدم الأحمر هو الذي يسيل وينتشر، إنها رائحة الموت المنتشرة في كل مكان. في غزة اليوم، انطفأت كل الأضواء. لم نعُد نسمع الأطفال يلعبون. نسمع مسيّرات تحلّق فوقنا طوال اليوم. نسمع أصوات الصواريخ وهي تقصف المنازل المجاورة. في غزة لا نسمع إلا صرخات الضحايا والمحاصرين تحت الأنقاض، وعويل الباكين على أطفالهم وذويهم".
في غزة اليوم، حلَّ الضباب وسحب الغبار الناجمة عن القصف الإسرائيلي محلّ زرقة السماء. في غزة اليوم، شِبنا ونحن في العشرينيات من عمرنا. في غزة اليوم، نشرب مياها غير صحية، ولا نأكل سوى وجبة واحدة في اليوم إذا كنا محظوظين".
سأعيش بين الحسرة والأمل
نحن في غزة اليوم ننتظر ساعتنا مثل المحكوم عليهم بالإعدام، فأي نوع من الحياة هذه؟ -يتساءل أحمد-، متذكرا أنه يجب البقاء بأي ثمن لأن الرحيل هو ما تريده إسرائيل. ليثور من جديد متسائلا، لكن هل نحن ملزمون بالدفع بأجسامنا مقابل هذا الحق في الوجود؟ أليس لنا الحق في الحياة؟ هل نحن جميعا محكوم علينا بالموت لمجرد أننا نعيش في غزة؟
أنا شاب فلسطيني وأطمح أن أعيش –يقول أحمد- أنا أتوق إلى الحياة الطبيعية. أنا لست "سوبر مان" ولا حيوانا بشريا، ولذلك قررت بمباركة عائلتي، الفرار من هذا الجحيم إذا أتيحت لي الفرصة لتحقيق حلمي بالقدوم إلى فرنسا، حيث قُبلت في جامعة مرموقة بباريس.
كانت تلك لحظة سعادة سرعان ما تغلب عليها الواقع –كما يقول أحمد- فالقنابل تمطرنا ولا أعلم هل سأعيش إلى غد، حاضري في طريق مسدود ومستقبلي معلّق، وقد رُفض طلبي الأول للتأشيرة خلال 10 دقائق؛ لأنني لم أذهب شخصيا إلى القنصلية في القدس، الذي هو شيء مستحيل على أي مواطن في غزة خاضع للحصار منذ 2007.
طلبت إعادة النظر في ملفي وأن تساعدني فرنسا في الخروج من بلدي الذي يتعرض للقصف، وإذا كنت محظوظا ونجوت من مخاطر الطريق إلى الحدود المصرية، سوف أضطر إلى عبور نقطة التفتيش بعد النظر إلى أرضي وكل الحياة التي تركتها خلفي. وإذا غادرت غدا فلا أعرف متى سأرى بلدي مرة أخرى. وسأعيش بين الحسرة والأمل.