مشاركون بمنتدى الدوحة: ما بعد حرب غزة يقرره الفلسطينيون وحدهم
الدوحة- اتفق خبراء وسياسيون مشاركون بأعمال "منتدى الدوحة" في قطر، على أهمية العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة أولا وعدم التطرق لمرحلة ما بعد الحرب، مشددين على أن الشعب الفلسطيني وحده هو الذي يقرر مستقبله، وأنه لا يجب التفكير في مصير شعب دون أن يكون مشاركا في قراره.
وأكد المشاركون أن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على فرض حل لهذه الأزمة التي أثبتت أن "عالما متعدد الأقطاب" لا وجود له، إذ تقوم باستخدام الفيتو ضد أي مشروع قرار لوقف الحرب أو حتى الهدنة، وصولا لدعم إسرائيل المطلق في كافة الجوانب السياسية والعسكرية.
من جانبه، دعا وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، خلال جلسة بعنوان "فلسطين أصبحت أزمة عالمية.. هل لها حل عالمي؟"، للتركيز على وقف إطلاق النار وإعطائه الأولوية القصوى، موضحا أن هذا هو ما تعمل عليه قطر بالتنسيق مع الدول الأخرى. وشدد على ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته أيضا.
وقال الوزير الخليفي "إننا بحاجة للقيام بالمزيد والتركيز على أن الأولوية القصوى هي وقف إطلاق النار ومساعدة أهالي غزة، وهذا ما نعمل عليه مع شركائنا في المجتمع الدولي".
ولفت إلى أنه منذ الساعات الأولى للحرب، قامت وزارة الخارجية القطرية بتشكيل فريق عمل "بهدف التعاون مع المجتمع الدولي لعدم توسع النزاع خارج حدوده، وعدم تدخل القوى الإقليمية والدولية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم هذا النزاع وتصعيده".
رسائل
وأشار الخليفي إلى أن أي قوة تعمل على تصعيد وتفاقم الوضع في هذا "النزاع" ستُعقّد جهود الوساطة الرامية لوضع حل للقضية، لذلك عملت قطر لإيصال هذه الرسالة بوضوح "حيث تواصلنا مع عدد كبير من الدول الإقليمية، لأن التنسيق بالغ الأهمية بدلا من تصعيد الوضع".
وتابع "تحدثنا مع الولايات المتحدة، وإيران، وجميع دول المنطقة، لا سيما أصحاب المصلحة البارزين والدوليين، فمن المهم الاتحاد والتعاون والنقاش بشفافية في جميع عناصر هذه الأزمة للابتعاد عن أي تدخل يؤدي إلى تصعيد الوضع".
شراكة دوليا
وقال الخليفي إن فلسطين "تحتل موضعا مهما جدا في أجندتنا للعلاقات الدولية ولها الأولوية في الشأن العالمي، ونحن نساهم مع المجتمع الدولي لدعم ومساعدة الشعب الفلسطيني، فقد كنا شفافين في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب في غزة، وإنشاء البنية التحتية بالتنسيق المباشر مع شركائنا الدوليين بما فيها الأمم المتحدة، ونعمل ذلك بلا مقابل، لكنه التزامنا وواجبنا تجاه إخواننا في فلسطين".
وحول سيناريو ما بعد الحرب، أكد أن دولة قطر لن تغير مسؤوليتها وهي "مساعدة إخوتنا"، و"سنقوم بذلك بشكل منظم كما فعلنا من قبل وبالتعاون مع شركائنا الإقليميين والعالميين لكي نتأكد من أن مساعداتنا تصل للأكثر تعرضا للنزاعات".
وأشار الوزير إلى أن هذه المساعدة تشمل "دعم البنية التحتية، والرعاية الصحية، والتعليم ومساعدة تعليم الشعب الفلسطيني، "وهو ما نسلط الضوء عليه، ونقوم به في كل دول المنطقة، وليس غزة فحسب" كما أوضح.
بعثة سلام أممية
من ناحيته، قال الدكتور هوياو وانغ، مؤسس ورئيس مركز الصين والعولمة "سي سي جي" (CCG) والمستشار السابق لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية، إن بلاده بصفتها رئيسة لمجلس الأمن اقترحت مشروع قرار لوقف إطلاق النار، ولكن تم نقضه بالفيتو الأميركي، مشيرا لأهمية عقد مؤتمر دولي يضم الدول الخمس الكبار والسلطة الفلسطينية وإسرائيل للحوار والخروج بحلول لهذه الأزمة.
واقترح وانغ إرسال بعثة أممية لحفظ السلام والأمن إلى الأراضي الفلسطينية، موضحا أن هذا المقترح قابل للحل، ولكن لا بد أولا من العمل على وقف إطلاق النار ووضع أسس لعمل هذه القوة.
بدوره، قال رئيس البعثة الدبلوماسية الفلسطينية لدى المملكة المتحدة السفير حسام زملط، إن إسرائيل تمارس القتل الجماعي في الشعب الفلسطيني، والقضية ليست قضية 17 ألف شهيد فقط، بل امتدت لتشمل البنية التحتية بما تشمله من مدارس ومستشفيات وجامعات حتى المباني الأثرية، ومن بينها ثالث أقدم كنيسة في العالم، بالإضافة إلى أحد أقدم المساجد في العالم وهو المسجد العمري.
وحول سيناريو ما بعد النزاع، قال زملط "لا يمكن الحديث عن هذه المرحلة دون التوصل لوقف شامل للحرب، لأن الوضع لا يمكن احتماله، كما يجب التركيز على الحصار والمستوطنات والعنف والفصل العنصري.
وأوضح أن سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المستمرة منذ 25 عاما هي تقويض أي إمكانية لحل الدولتين، وتعزيز العنصرية، كما أن أي مرحلة مستقبلية في الأراضي الفلسطينية هي شأن خاص يقرره الفلسطينيون فقط.
وأضاف زملط في تصريح خاص بالجزيرة نت، إنه بات واضحا أن المشكلة ليست في القانون الدولي ولا في السياسة الدولية، فالجميع يطالبون بوقف إطلاق النار، ولكن المشكلة تكمن في الولايات المتحدة التي تتعامل مع المسألة الفلسطينية وإسرائيل ليس من خلال القانون، وإنما من خلال منظور محلي أميركي.
ووفق زملط، فإن هذا الأمر "يجعل الولايات المتحدة غير قادرة على التعامل بمنطقية أو توازن وهو الأمر الذي بات واضحا أنها فقدته من خلال التعامل مع هذه الأزمة".
ولم يمانع السفير الفلسطيني مقترحا بإرسال بعثة أممية لحفظ السلام في الأراضي الفلسطينية، بشرط أن تكون مؤقتة، وتكون في القدس والضفة وغزة، ولا تقتصر على مكان واحد، وأن يكون لها صلاحيات بمرحلة انتقالية لإنهاء الاحتلال. وقال "نحن نقبل بأي قوة دولية لإنهاء الاحتلال، ولكن لا نقبل وصاية من أي طرف".
تنسيق أميركي قطري
من ناحية أخرى، قال السفير الأميركي بالدوحة تيمي ديفيس، في تصريح للجزيرة نت، إن الولايات المتحدة ملتزمة بالتعاون مع قطر والشركاء الإقليميين الآخرين في السعي للتوصل إلى فترات توقف طويلة في القتال بقطاع غزة.
وأضاف ديفيس أن هذه الوقفات أو الهُدن ستسهم بدون شك في منافع متبادلة للطرفين، منها التمكن من إطلاق سراح جميع "الرهائن" في غزة وحماية المدنيين، ومواصلة تقديم المساعدات الحيوية للقطاع، مؤكدا أن "الولايات المتحدة تركز أيضا على التخطيط لمستقبل مستقر وآمن للشعب الفلسطيني".
عجز عالمي
أما وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي، فقال في تصريح للجزيرة نت "إننا أمام أزمة كبيرة يقف العالم عاجزا أمامها، وقد أصبح النظام العالمي محل تساؤلات وتشكيك في فعاليته وجدواه". مشددا في الوقت نفسه على أن حل هذه الأزمة ذو شقين أحدهما عالمي والآخر إقليمي.
وأضاف أن الحل الإقليمي هو الأساس، ومنه ننطلق إلى العالمية، ولكن في الوقت الحالي نجد أن الحل العالمي ليس متاحا، بل يضع العقبات والقيود أمام أي حلول، لافتا إلى أن الأزمة الحالية سيكون لها انعكاسات سلبية كثيرة خلال الفترة المقبلة من حيث إعادة النظر في العلاقات الدولية وتشكيلها ومدى كفاءة النظام العالمي متعدد الأطراف الذي يتمسك به الجميع.
وأكد العرابي أن النظام الدولي متعدد الأطراف أثبت أنه عاجز عن اتخاذ أي إجراءات حاسمة في القضايا العالمية، والتي بدأت منذ أزمة أوكرانيا وصولا إلى الحرب في غزة، مشيرا إلى أن هذا الأمر يؤكد التدهور الواضح للنظام العالمي وهو بحد ذاته مصدر قلق للجميع.
ولفت إلى أن أزمة غزة أثبتت أنه لا يوجد نظام متعدد الأقطاب، ولكن ما نراه حاليا هو "عالم القطب الواحد" حيث تعتبر الولايات المتحدة الوحيدة القادرة على إيقاف الحرب، ولكنها تستخدم قوتها لوقف أي محاولة لإنهائها سواء من خلال استخدام الفيتو في مجلس الأمن أو تدخلها العسكري المباشر في الحرب".