هكذا انعكست هدنة الأيام الأربعة بغزة على الجنوب اللبناني
جنوب لبنان- مع إعلان الهدنة الإنسانية صباح الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في قطاع غزة لمدة 4 أيام، اختنقت أصوات المدافع والصواريخ على الجبهة اللبنانية معلنة الهدوء شبه التام، ومعها تنفس أهالي الجنوب الصعداء، وعادوا إلى قراهم وبلداتهم الحدودية مع فلسطين المحتلة، بعد أن خرجوا منها مرغمين، على إثر المواجهات بين المقاومة الإسلامية والجيش الإسرائيلي منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى.
سهيل رمال ابن بلدة العديسة الحدودية، التي نالت نصيبها من القصف الإسرائيلي، يتحدث للجزيرة نت عن أجواء الفرح التي يعيشها أبناء بلدته منذ صباح الجمعة، فالأسر التي بقيت في العديسة خلال المعارك، خرجت لتستقبل العائدين استقبالا حارا، حيث عادت إلى البلدة عائلات كثيرة، وعقدت الجلسات العائلية والزيارات التفقدية للوقوف على أوضاع بعضهم.
أخرج سهيل عائلته منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات إلى بيروت، وبقي في بلدته قرابة 35 يوما، ثم خرج منها بعد اشتداد القصف الإسرائيلي، الذي دمر عدة بيوت، ومنها بيته، لكن سهيل يبدي سعادة كبيرة بهذه العودة "كل شيء يمكن تعويضه، والمهم أن نعيش بكرامة، ولا نرضخ للمحتل"، وفق تعبيره.
وحول الأوضاع العامة في البلدة، يقول سهيل "لا يوجد خوف عند الناس، وإنما يوجد ترقب وحذر، خاصة أننا في لبنان معتادون على الغدر الإسرائيلي، فهو لا يلتزم بأي ميثاق أو عهد، وإنما ديدنه الغدر والقتل".
عودة بلا خوف
يتحدث عبد الكريم يونس ابن بلدة مركبا الحدودية للجزيرة نت أنه لم يترك بلدته طوال المعارك، مثل العديد من الأسر التي لم تخرج منذ بداية العدوان على غزة، فرغم الأضرار الكبيرة في المنازل وبساتين الزيتون وغيرها من الخسائر الاقتصادية، فإن الناس سعيدة جدا بعودتها إلى مركبا، وهناك حركة كبيرة داخل البلدة منذ صباح الجمعة حيث بدأت زيارات الاطمئنان والتهنئة بالسلامة بين الأهالي.
ويلفت يونس إلى أن هناك أضرارا كبيرة في المنازل، فهناك أكثر من 20 منزلا متضررا، بعضها تضرر جزئيا وبعضها كليا، والناس تغمرها السعادة بهذه العودة، لأنها متعلقة بأرضها، التي تعني لهم الكثير.
ويضيف يونس "لا يوجد خوف أبدا، ولو كان كذلك لما رأينا العائلات بصغارها وكبارها تعود إلى القرى الحدودية، لكن هناك حذر تجاه الجيش الإسرائيلي، وهذا أمر طبيعي مع عدو مثل هذا".
ميس الجبل التي شهدت أطرافها معارك ضارية مع الجيش الإسرائيلي، ولا سيما باتجاه مستعمرة المنارة، تلقت مئات القذائف منها الفوسفورية، التي أتت على بيوت ومحاصيل ومرافق تجارية فيها، ومع بدء سريان الهدنة عادت عشرات العائلات النازحة إليها.
قطف الزيتون
يؤكد الدكتور محمد عيسى ابن بلدة ميس الجبل الذي بقي يتردد إليها طوال المعارك، أن البلدة لم تخل من السكان خلال العدوان، بل بقي كثير من الشبان فيها، ولكن من لديه أطفال وشيوخ اضطر إلى الخروج كإجراء احترازي لحمايتهم من آلة القتل الإسرائيلية.
ويلفت عيسى إلى أنه منذ صباح الجمعة، ومع بدء سريان الهدنة في غزة، أعدت الناس العدة للعودة إلى ديارها بعد أن تركتها عنوة، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية "فالناس تريد أن تطمئن على رزقها، وبعضهم استغل الهدنة لجني ما تبقى من مواسم الزيتون أو لزراعة الأرض بالقمح والشعير والعدس، أما أصحاب المؤسسات التجارية فتفقدوا مؤسساتهم، وجردوا البضاعة لديهم، وتخلصوا من التالف منها".
يقول عيسى "الناس معنوياتها مرتفعة جدا، لأنها بالأساس مستعدة نفسيا لمثل هذه أحداث، فهم معتادون على هذا منذ عام 1967، وقدموا كل ما يملكونه في سبيل حفظ الأرض ومساندة الشعب الفلسطيني، لما لفلسطين في وجدان الجنوبيين، ولا سيما أبناء قرى الشريط الحدودي، والذين تربطهم بالفلسطينيين روابط وعلاقات اجتماعية".
لا خوف إطلاقا في الجنوب، ولا سيما في القرى الحدودية، وفق عيسى، بيد أن الناس في الوقت نفسه ليست مطمئنة للوضع، خاصة وأن المستوطنين لم يعودوا إلى مستوطناتهم في الشمال الفلسطيني المحتل، مما يعني أن العدو الإسرائيلي لم ينه الحرب، وهذا ما يدفع الجنوبيين إلى التصرف بحذر.
يدرك الجنوبيون جيدا أن إسرائيل تنتهز أي فرصة للانقضاض على لبنان، لكن آمالهم معقودة على المقاومة التي ستكون بالمرصاد لأي خطوة متهورة ستقوم بها إسرائيل، سواء خلال الهدنة أم بعدها، وهو يعلم ذلك جيدا، ويعلم نتائجها عليه، حسب عيسى.
ويلفت عيسى إلى وجود أضرار في عديد من المنازل خاصة تلك الواقعة على المرتفعات، أو على أطراف البلدة، والناس تنتظر من الدولة أن تعوض من تضررت بيوتهم، والمزارعون الذين خسروا مواسمهم، وتعزيز وضع أبناء الجنوب ليبقوا في أرضهم في حالة الاستقرار أو الحرب.
جولات تفقدية
ومع هدوء الجبهة الجنوبية كانت هناك جولات تفقدية للهيئات والصناديق المعنية بالتعويض على السكان، وفي هذا السياق أكد رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير في حديث خاص للجزيرة نت، أن هناك اجتماعات عقدتها الهيئة مع المنظمات الدولية وعدت بدورها بتقديم مساعدات عينية من المخزون الموجود لديها، وكذلك من الهيئة العليا للإغاثة، من أجل مساعدة المواطنين في القرى الجنوبية، وعلى نحو عاجل.
وفيما يتعلق بالأضرار الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية، فيشير اللواء خير إلى زيارته للمناطق المتضررة خلال سير المعارك، حيث اطلع من كثب على أحوال البلدات، وعاين الأضرار في المنازل والبساتين، وقال "نحن ننتظر قرارا من مجلس الوزراء لنضع الآلية والحلول من أجل مسح الأضرار والتعويض على المتضررين".
ورغم هدوء النيران جنوبا، فإن أصوات طائرات الاستطلاع لم تهدأ أبدا، وكذلك الاستنفارات الأمنية لدى الجيش الإسرائيلي، وإطلاقه للنار على المزارعين الجنوبيين من أجل ترهيبهم ومنعهم من الوصول إلى حقولهم، إضافة إلى إطلاق النار على دورية لليونيفيل أمس السبت، مما يدعو للحذر والترقب لما ستؤول إليها الأيام القادمة، خاصة مع انتهاء الهدنة الإنسانية في غزة.