تقارب إيراني أذربيجاني.. هل فشلت إسرائيل بالتعويل على جبهة قره باغ؟
طهران- ردا على تصريحات مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة جيمس أوبراين، أعلنت العاصمة الأذربيجانية باكو -في بيان لها- أن الاتفاق مع إيران على طريق نخجوان هو حق سيادي لأذربيجان، مؤكدة أن أميركا ليست دولة في المنطقة كي تضر بأفعالها وتصريحاتها بجهود دول المنطقة في قضية أمن النقل.
وفي إشارة إلى اتفاق إيران وأذربيجان حول إنشاء ممر يربط بين زنغزور الشرقية ونخجوان مرورا بإيران، عوضا عن أرمينيا، كان أوبراين قد صرح بأن فتح ممر النقل في المنطقة بالقوة أمر غير مقبول، وقد تم لفت انتباه باكو إلى هذه القضية.
ومن جهة أخرى، وافق مجلس الشيوخ الأميركي (الكونغرس)، في خطوة تمثل تغييرا كبيرا في سياسة واشنطن، على قانون دفاع أرمينيا لعام 2023، الذي سيتم بموجبه وقف المساعدات العسكرية الأميركية لجمهورية أذربيجان.
ويشكل إقرار هذا القانون نقطة تحول في السياسة الخارجية الأميركية والدعم العسكري في المنطقة. وقد يسهم في التقارب الإيراني-الأذربيجاني، أيضا.
فعلى الرغم من الصراع الطويل الأمد بين أذربيجان وأرمينيا حول منطقة ناغورني قره باغ، حاولت واشنطن تاريخيا الحفاظ على علاقات متوازنة مع البلدين.
وكان أوبراين قد أعلن أن واشنطن علقت مساعداتها العسكرية وغيرها من المساعدات لأذربيجان، وألغت زياراتها رفيعة المستوى، وأرسلت رسالة إلى باكو مفادها بأن تطبيع العلاقات الثنائية لن يحدث حتى يتم إحراز تقدم في محادثات السلام مع أرمينيا.
تقارب قصير المدى
يعتقد بعض الإيرانيين، أن في حال اتساع حرب غزة، كان من الممكن أن تضغط إسرائيل على أذربيجان لتفعيل جبهة قره باغ واستهداف إيران من هناك، لذلك بعد جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الإقليمية الأولى مع بداية الحرب، سارعت طهران لعقد اجتماع جمعت فيه أذربيجان وأرمينيا وروسيا وتركيا، وبحثت، ضمن المحاور، مفاوضات السلام بين أذربيجان وأرمينيا، حتى تطمئن من عدم تعاون باكو مع تل أبيب.
وبشأن إذا ما كانت هذه التطورات تمثل تقاربا إيرانيا-أذربيجانيا حقيقيا يمكن أن ينعكس على حسابات إيران في حرب غزة، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي منصور براتي أن إقرار القانون الجديد في الكونغرس الأميركي وإعلان حظر تصدير الأسلحة إلى باكو سيدفعان جمهورية أذربيجان إلى اتباع سياسة "التقرب من إيران" و"تجميد العلاقات مع إسرائيل" على المدى القصير.
وبالنظر إلى العلاقات العميقة بين تل أبيب وباكو في المجالات الإستراتيجية، خاصة العسكرية والأمنية، فمن غير المرجح أن تتجه أذربيجان نحو خيارات مثل قطع العلاقات السياسية أو حتى خفض صادرات الطاقة إلى إسرائيل، لكن من الممكن حصول تقارب مع طهران على المدى القصير للضغط على واشنطن.
ويضيف براتي في حديثه للجزيرة نت، أنه بناء على هذا، لا يمكن لطهران ومحور المقاومة أن يقدموا حسابا خاصا لتعاون باكو في القضية الفلسطينية.
التعويل على أذربيجان
في السياق، يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية إن "في أدبيات القادة الإستراتيجيين الإسرائيليين يشار إلى أذربيجان باسم (لبنان) إيران".
ويعتقد -بالنسبة إلى إسرائيل- أن خلق الفتنة والصراع في الحدود الشمالية لإيران أتاح لتل أبيب إمكانية إقامة توازن في حال نشوب صراع مع حزب الله في الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
ويرى براتي أن إنشاء محطات تنصت بالقرب من الحدود أو وجود شركات إسرائيلية في محيط الحدود الأذربيجانية مع إيران يدل على تخطيط جهاز الموساد لخلق قاعدة نفوذ وزيادة مستوى التوترات على حدود إيران وأذربيجان.
ويشير الخبير إلى أنه خلال قضية نقل الوثائق النووية، وهجمات طائرات دون طيار على المراكز العسكرية النووية، وحتى في حادثة شاه جراغ في مدينة شيراز، طرحت في الأوساط الإيرانية مسألة الحدود الشمالية واستخدام أراضي أذربيجان من قبل إسرائيل بجدية.
ويختم بالقول إن "في الوضع الحالي، قادة إيران وأذربيجان، يدركون الظروف الإقليمية والدولية الحساسة، وليسوا مهتمين إطلاقا بالصراع المباشر أو بالوكالة، ولهذا السبب لم ينجح النظام الصهيوني في فتح جبهة جديدة ضد إيران في منطقة قره باغ".
توسيع الحرب
من جانب آخر، يرى الخبير السياسي كيان عبد اللهي أن قضية أذربيجان وديناميكية القوى والعلاقات في المنطقة أكثر تعقيدا من العديد من الحالات الأخرى في المنطقة، حيث تقيم أذربيجان علاقات مع روسيا وإسرائيل وأميركا وتركيا وغيرها، فمن جهة، هناك خلافات كلامية مع إيران في بعض الحالات، مثل ممر زنغزور، لكن من جهة أخرى، تصر أذربيجان على أنها لا تسعى إلى المواجهة مع إيران.
ويقول عبد اللهي للجزيرة نت، إن "أميركا وإسرائيل تتحالفان مع أذربيجان إذا تحركت ضد إيران، لكنهما في الوقت ذاته تمنعان بعض أعمالها ضد أرمينيا".
ويتابع، "تعلم أذربيجان أنه، بسبب قوة روسيا في المنطقة، لا يمكنها أن تسقط كليا في أحضان الغرب وأميركا، ولهذه الأسباب والعديد من الأسباب الأخرى تحاول أذربيجان، ظاهريا على الأقل، ضبط علاقاتها مع جميع الأطراف، أي أميركا وروسيا وتركيا وإسرائيل وإيران وأوروبا، بطريقتها الخاصة التي ترى أنها تضمن لها المزيد من الفوائد والقليل المتاعب".
وبالنسبة إلى إسرائيل وأذربيجان وإيران، يعتقد عبد اللهي أن النقطة المهمة هي أن إسرائيل، بالهزيمة التاريخية التي منيت بها في "طوفان الأقصى"، ليس لديها أساسا أي إمكانية لتوسيع نطاق الحرب، مضيفا أنهم يعلمون أن توسيع الحرب يعني تعجيل موعد تدميرهم.
ويرى الخبير السياسي أن لهذا السبب يرسل الأميركيون، باعتبارهم أهم داعميهم، رسائل إلى حزب الله اللبناني، ويطلبون منه عدم الدخول في الصراع، مع أن حزب الله، كما قال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، هو الآن في وسط المعركة، وفق تعبيره.
ويختم عبد اللهي بالقول، إن "أذربيجان أكدت عدة مرات أنها لا تريد أن تصبح مكانا لصراع الأنظمة أو الحكومات من خارج المنطقة مع جيرانها، مؤكدا أن إمكانية إنقاذ إسرائيل من خلال فتح جبهة في هذه المنطقة، غير موجودة إطلاقا".
معادلة جديدة
من جهة أخرى، يرى محلل الشؤون السياسية أحمد زيد آبادي أنه منذ أن ابتعدت جمهورية أرمينيا عن موسكو، واقتربت من واشنطن، تغيرت المعادلات السابقة في القوقاز أيضا.
ويعتقد أنه من الطبيعي أن يؤدي قرب أرمينيا من أميركا إلى احتكاك بين واشنطن وباكو، وهذا بدوره أثر في علاقات باكو مع طهران.
ويخلص زيد آبادي إلى أنه "باعتبار أن إسرائيل لا تستطيع عمليا اتباع سياسة مناهضة تماما للسياسة الأميركية في القوقاز، ومن جهة أخرى، شغلت حرب غزة إسرائيل كثيرا، ولم تتدخل إيران على نحو مباشر وفعال في الحرب، لذلك توترت علاقات عدة أطراف معنية، وبدأت تنشأ معادلة جديدة، لم تتضح بعد جميع جوانبها".