مستشفى الأورام والسرطان بغزة.. الموت قصفا ومرضا
غزة- "كانت ليلة عصيبة" وصفٌ استخدمه صبحي سكيك مدير مستشفى "الصداقة التركي الفلسطيني" لما شهده محيطه من غارات جوية لمقاتلات حربية إسرائيلية ألحقت أضرارا جسيمة بها، ودبّت الرعب بين مرضى الأورام والسرطان والطواقم الطبية والنازحين فيه.
ومن بين مناطق واسعة في قطاع غزة، شهدت الليلة الماضية غارات جوية إسرائيلية عنيفة، كان محيط 3 مستشفيات في مدينة غزة، وجنوب القطاع وشماله، مسرحا لأحزمة نارية؛ وهي عبارة عن غارات متزامنة ومكثفة.
وتركزت الأحزمة على مقربة من مستشفيات "الصداقة" في مدينة غزة، و"غزة الأوروبي" بين مدينتي رفح وخان يونس المتجاورتين جنوب القطاع، و"الإندونيسي" شمال القطاع.
وبحسب مسؤولين وأطباء بهذه المستشفيات، تحدثوا للجزيرة نت، فإن هذه الغارات العنيفة والمكثفة هي ترجمة بالنار لإنذارات وتهديدات إسرائيلية مستمرة لهم بإخلائها. وهو إجراء مستحيل بنظرهم، وبحاجة إلى إمكانيات كبيرة لنقل آلاف المرضى والجرحى وأضعاف أعدادهم من النازحين الذين لجؤوا إلى المستشفيات طلبا لأمان مفقود بعدما أُجبروا على النزوح من منازلهم.
غارات عنيفة
ساعات قليلة فصلت بين جولتين من الغارات العنيفة التي هزت أركان "مستشفى الصداقة" وتسببت في إشعال النيران في الطابق الثالث لأحد مرافقه، وإلحاق أضرار جسيمة بالجناحين الشرقي والغربي، وسط حالة من الرعب في أوساط المرضى ومرافقيهم وبين الكوادر الطبية، وفق وصف سكيك.
وقال مدير المستشفى للجزيرة نت "عند الخامسة من مساء الاثنين ألحقت الغارات الإسرائيلية أضرارا بالغة بالجناح الغربي، وتعطّلت بعض أنظمة العمل الكهروميكانيكية. وعند الساعة نفسها من فجر اليوم الثلاثاء، دب الفزع في قلوب نزلاء المستشفى من مرضى وأطباء وممرضين، بفعل غارات عنيفة تسببت في دمار بالجناح الشرقي الذي يضم غرف تنويم المرضى".
وتضم هذه الغرف زهاء 150 مريض أورام، مع عدد مماثل من مرافقيهم، إضافة إلى حوالي 200 من كوادر الطواقم الطبية والتمريضية والإدارية بالمستشفى، بحسب سكيك.
ووفق سكيك، فإن هذا المستشفى، الذي افتتح قبل نحو عامين بدعم تركي، هو الوحيد بالقطاع الذي يقدم خدمات طبية لأكثر من 10 آلاف من هؤلاء المرضى بالقطاع، كالتشخيص والعلاج الكيماوي والعلاجات التوظيفية، بينما لا يتوفر به العلاج الإشعاعي بسبب الحصار الإسرائيلي وضعف الإمكانيات، ويضطر المرضى للسفر لتلقي هذا العلاج خارج غزة.
بين فكي القصف والمرض
وجراء الأضرار التي لحقت بغرف التنويم، يقول مدير المستشفى "اضطر المرضى إلى النوم في ممرات المستشفى وطرقاته، بينما تحامل بعضهم على الآلام والأوجاع وغادروا المكان مع ساعات الصباح الأولى خشية على أرواحهم المحاصرة بين فكي القصف والمرض.
وناشد سكيك تركيا بوقف "العربدة" الإسرائيلية وحماية هذا الصرح الإنساني الطبي، الذي شكل تحولا مهما في رعاية مرضى السرطان في غزة.
وكغيره من المستشفيات، فإن "مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني" مهدد بالتوقف تماما عن العمل وانهيار خدماته في غضون ساعات قليلة، ما لم يتم توريد الوقود اللازم له.
وفي هذه الحالة، سيلتحق هذا المركز الطبي بـ 12 مستشفى و32 مركزا صحيا خرجت جميعها عن الخدمة منذ بداية الحرب، جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر، أو لنفاد الوقود، بحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الصحة.
وأكد سكيك أن الخطر يقترب بشدة، والغارات الجوية الإسرائيلية تحكم الخناق حول المستشفى، والوقود ينفد، وهناك أدوية كثيرة رصيدها بات صفرا، فضلا عن تعقيدات في إمدادات المياه وخدمات الاتصالات والإنترنت.
ظروف قهرية
وبفعل ما وصفها بالظروف القاهرة والخطرة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي، فإن الآلاف من مرضى الأورام السرطانية محرومون من تلقي الخدمات التشخيصية والعلاجية، لعدم قدرتهم على الحركة والوصول إلى المستشفى.
ويقول سكيك، الذي لم يغادر المكان منذ اندلاع الحرب قبل 25 يوما، إن أعدادا كبيرة من أفراد الطواقم الطبية والتمريضية تحول أخطار الطريق والظروف الناجمة عن القصف والنزوح من المنازل سواء داخل المدينة الواحدة، أو من منطقة إلى منطقة أخرى، دون تمكنها من الوصول إلى المستشفى.
ويبدي المسؤول الطبي تخوفا شديدا من تداعيات العدوان على معدلات انتشار السرطان في أوساط سكان القطاع، لغياب الخدمات التشخيصية، علاوة على الخطر الشديد على حياة نحو ألف مريض كانوا يمتلكون تحويلات للعلاج بالخارج، ولم يتمكنوا من السفر إثر اندلاع الحرب.
وللحرب الإسرائيلية "أنياب" كثيرة، فتكت خلال الساعات الماضية بـ "المستشفى الإندونيسي" أقرب مستشفيات القطاع المتاخمة للسياج الأمني شمال القطاع، وقد أصابته الغارات الجوية والقصف المدفعي بأضرار مادية، وتسببت في قطع الكهرباء عن بعض أقسام المرضى، وفق تصريح المدير الطبي للمستشفى مروان السلطان للجزيرة نت.
خطر شديد
وقال السلطان إن القصف الجوي المدفعي تسبب في إلحاق الضرر بأجهزة طبية، ودمار جزئي في مرافق المستشفى، مما جعل نحو 270 مريضا بينهم 250 من جرحى الحرب الإسرائيلية -إضافة إلى قرابة ألفي نازح لجؤوا للساحات والممرات- بالخطر الشديد على حياتهم.
وبحسب المدير الطبي للإندونيسي، الذي يعمل به 300 من الطواقم الطبية والإسعاف والتمريض، فإن إنذارات وتهديد جيش الاحتلال له لا تتوقف. وشدد على أن الإخلاء إجراء مستحيل لهذا المستشفى الصغير، وهو أحد 3 مستشفيات تقدم خدماتها لشمال القطاع إلى جانب مستشفى "الشهيد كمال عدوان" الحكومي، ومستشفى "العودة الأهلي".
وتساءل السلطان "كيف لنا أن نتخلى عن مسؤولياتنا الإنسانية، ونخلي هذا العدد الكبير وإمكانياتنا ضعيفة ومتواضعة، ولا يوجد مسارات آمنة في ظل القصف الإسرائيلي العنيف جوا وبرا وبحرا؟".
ولا تتوقف وزارة الصحة عن إطلاق مناشدات عاجلة للجهات الدولية بضرورة تفعيل القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة، لحماية المستشفيات والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف والمراكز الصحية، وتمكينها من القيام بوظائفها في إنقاذ الجرحى والمرضى دون تهديد أو استهداف.
ووثقت وزارة الصحة -منذ اندلاع الحرب- استشهاد 130 كادرا صحيا، وتدمير 15 سيارة إسعاف، واستهداف 57 مؤسسة صحية، وخروج 12 مستشفى و32 مركز رعاية أولية عن الخدمة جراء الاستهداف أو عدم إدخال الوقود.
كما يحدق الخطر بباقي المستشفيات والمراكز الصحية، بفعل تصاعد العدوان المترافق مع رفض إسرائيلي تام لتوريد الوقود للأسبوع الرابع على التوالي.