الوزير التونسي السابق العياشي الهمامي: نعيش مرحلة انتقال نحو الاستبداد

من المقرر أن يخضع الحقوقي العياشي الهمامي للتحقيق وفقا للمرسوم 54 بعد كشفه تجاوزات وهدر للمال العام (الجزيرة)

تونس – قال وزير حقوق الإنسان السابق العياشي الهمامي إن تونس تعيش في مرحلة انتقال نحو الاستبداد، متهما الرئيس قيس سعيّد بالسعي إلى قضم الحريات وضرب خصومه باستخدام المرسوم (54) المتعلق بمكافحة نشر الأخبار الزائفة والإشاعة.

وأكد الهمامي، وهو ناشط حقوقي حاليا، في حوار للجزيرة نت أنه سيحال إلى التحقيق بموجب المرسوم المذكور بعد أيام، لأنه كشف في حوار إذاعي ما وصفها بـ"تجاوزات" وزيرة العدل و"تورط" الرئيس في "إهدار المال العام" بسبب موافقته على صرف رواتب قضاة عزلهم بنفسه، على حد قوله.

واستبعد أن يتفاعل الرئيس قيس سعيّد بطريقة إيجابية مع مبادرة اتحاد الشغل لمحاولة إخراج البلاد من الأزمة السياسية، مشيرا إلى أن خروج مختلف الأطياف السياسية للتظاهر في عيد الثورة يوم 14 يناير/كانون الثاني الجاري سيوجّه رسالة للرئيس بأنه "معزول".

 

 

  • بدايةً، لو تقدم لنا لمحة عن العياشي الهمامي وتجربته الحقوقية؟

في فترة الرئيس السابق زين العابدين بن علي كنت محاميا ناشطا في الدفاع عن حقوق الإنسان، وكان للمحاماة في تلك الفترة رصيد في الدفاع عن المحكومين في قضايا سياسية وقضايا رأي بشكل تطوعي.

في 2005 قمت مع مجموعة من المحامين باعتصام دام 52 يوما إثر سجن زميلنا محمد عبو، والاعتداء العنيف على عميد المحامين عبد الستار بن موسى من قبل قاضي التحقيق المكلف بملف عبو.

إعلان

في ذلك الاعتصام شارك محامون من مختلف الأطياف السياسية، وهذا شجعنا على البحث عن إمكانيات العمل المشترك ضد دكتاتورية بن علي. بعد ذلك خضنا إضراب جوع معروفا بدأ يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005 ودام شهرا، وقد قمت بتسخير مكتبي لإضراب الجوع.

وانبثقت عن هذا التحرك الاحتجاجي "هيئة 18 أكتوبر" للحقوق والحريات، والتي دام نشاطها حتى اندلاع الثورة في عام 2011. ويرى المحللون أن تلك الهيئة كانت من بين العوامل التي أنضجت غضب الشارع التونسي.

بعد الثورة، انخرطت في الحياة السياسية مستقلا دون أن أتحمل مسؤوليات سياسية في السنوات الأولى، ولكني كنت عضوا في هيئة تحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي، التي أصدرت قوانين عدة كمرسوم الصحافة ومرسوم الأحزاب ومرسوم الجمعيات والقانون الانتخابي الذي تمت بموجبه انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 عقب الثورة.

ثم تم تعييني في حكومة إلياس الفخفاخ وزيرا لحقوق الإنسان، لكن الحكومة لم تدم سوى 6 أشهر بعد تسلم مهامها يوم 27 فبراير/شباط 2020؛ حيث قررت حركة النهضة (صاحبة الأغلبية البرلمانية) سحب الثقة من الحكومة مع أن لديها 6 وزراء فيها، وكانت آنذاك النهضة تسعى لإضافة وزراء من حليفها حزب "قلب تونس"، الذي كان موسوما بالفساد، إلى أن قدم الفخفاخ استقالته لرئيس الجمهورية.

ذكرى الثورة التونسية.. احتفالات وتباينات بشأن ما حققته سنواتها
احتفالات سابقة بذكرى الثورة التونسية قبل الدخول فيما يوصف بزمن "الاستبداد" (الجزيرة)
  • أنت شخصية معروفة بدفاعها عن الحريات في زمن الاستبداد، لكن ماذا عن الوضع بعد الثورة؟

كان المناخ بعد الثورة يعجّ بالحريات السياسية إلى درجة التبذير. وقد كانت حرية التنظّم (تكوين الأحزاب) والتعبير مضمونة في دستور 2014 ومضمونة في الممارسة على أرض الواقع، فلم تكن هناك مراقبة أو عقاب في حق المخالفين في الرأي للسلطة الحاكمة.

إعلان

والرئيس قيس سعيّد نفسه كان ينعم بتلك الحريات، وقام بحملته الانتخابية بكامل البلاد وترشح للانتخابات الرئاسية، ثم فاز بأغلب الأصوات بصفة ديمقراطية. لكنه اليوم أصبح يشكك في الانتخابات السابقة بموجب القانون الانتخابي السابق وتلك الظروف.

غير أن الحريات السياسية لم تعالج الملفات الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، فبدأ الناس يشعرون بوطأة معاناتهم الاجتماعية، بينما ظل السياسيون يغلّبون الصراع السياسي على المناصب وسط مناوشات وتجاذبات وتلاسن داخل البرلمان وفي منابر الإعلام.

  • كيف تنظر إلى الوضع الحالي بعد إعلان الرئيس قيس سعيد التدابير الاستثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021؟

استغل قيس سعيد تعفّن الأوضاع في تونس جراء فشل الطبقة السياسية في إدارة الحكم وتحقيق مطالب الثورة، وذلك من أجل اختطاف الدولة وتغيير نظامها من نظام برلماني مع سلطة تنفيذية برأسين إلى نظام رئاسي بحكم فردي ينحو نحو الاستبداد والدكتاتورية.

قام سعيد بخرق سافر للدستور حين ارتكز على الفصل (80) لتبرير انقلابه؛ لأن ذلك الفصل يمنع الرئيس من حل البرلمان، ولكنه مع ذلك جمّده ثم حله لاحقا قبل أن يكشف عن وجهه الحقيقي بصياغة دستور جديد على مقاسه بصلاحيات فرعونية.

ويمكن القول إننا كنا نعيش في مرحلة انتقال ديمقراطي ثم فشلت مرحليا، والآن نحن بصدد السير نحو مرحلة انتقال باتجاه الاستبداد.

رغم ذلك، فإن قيس سعيد غير قادر على القضاء على جميع الحريات بضربة واحدة، ويحاول أن يقضم منها شيئا فشيئا، والمثال البارز على ذلك هو صياغته مؤخرا المرسوم (54) السيئ الذكر والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال (نشر أخبار زائفة). وهذا المرسوم يستخدمه الرئيس لضرب حرية التعبير وضرب خصومه وإدخال الرعب بين الناس وتعزيز سلطته.

الرئيس التونسي قيس سعيد يمضي قدما في تنظيم الانتخابات التشريعية رغم مقاطعتها من أغلب الأحزاب/القصر الرئاسي/العاصمة تونس/نوفمبر/تشرين الثاني 2022 (صفحة رئاسة الحكومة)
يقول الهمامي إن المرسوم 54 الذي أصدره الرئيس سعيّد سيشكل ضربة لحرية التعبير في تونس (صفحة رئاسة الحكومة)
  • البعض اعتبر أن المرسوم (54) بمثابة رصاصة رحمة في وجه حرية التعبير، ما جدية المخاوف من ضرب هذا المكسب الوحيد بعد الثورة؟

إعلان

بلا شك هو يوجه ضربة قوية لحرية التعبير، واليوم نحن في بداية الطريق. وعلى حد علمي، تمت إحالة أكثر من 10 أشخاص من صحفيين وسياسيين، أنا واحد منهم، إلى التحقيق بموجب هذا المرسوم الذي تصل فيه العقوبة إلى 10 سنوات سجن لمجرد إبداء الرأي.

وسيتم الاستماع إلي من قبل قاضي التحقيق غدا الاثنين بتهمة نشر أخبار كاذبة على خلفية حوار صحفي مع إحدى الإذاعات، انتقدت فيه وزيرة العدل ورئيس الجمهورية بناء على أدلة فيما يتعلق بملف عزل 57 قاضيا باعتباري رئيس هيئة الدفاع عنهم.

لقد فضحتُ التجاوزات التي ارتكبتها وزيرة العدل لا سيما فيما يتعلق برفض تنفيذ أحكام قضائية من المحكمة الإدارية بوقف تنفيذ قرار عزل القضاة وتكوين ملفات كيدية ضدهم. وأشرت إلى وجود فساد مالي وتبذير للمال العام من قبل الرئيس لأنه وافق على صرف رواتب 6 أشهر للقضاة المعزولين. وتساءلت إذا كان الرئيس مقتنعا بجرائمهم فكيف يوافق على صرف رواتبهم؟

على هذا الأساس، وبموجب المرسوم 54، تم تحريك دعوى قضائية ضدي في زمن قياسي من قبل وزيرة العدل. وهذه هي طريقتهم لضرب الخصوم وتدجين القضاء، الذي أصبح جزءا منه يخدم مصلحة السلطة الاستبدادية الحالية بعد مجزرة عزل القضاة الـ57.

  • ألا تتحمل الأحزاب التي حكمت بعد الثورة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع؟

وصول قيس سعيّد إلى السلطة كان تتويجا لمسار متأزم خلقته الطبقة السياسية في البلاد. ولم يكن سعيّد متسببا في الأزمة قبل 25 يوليو/تموز 2021.

لقد فشلت الطبقة السياسية في إدارة الحكم، ولم تستجب لمطالب الناس الاقتصادية والاجتماعية طيلة 10 سنوات. ونتيجة هذا الفشل استغل قيس سعيد الأزمة واختطف الدولة، وبالتالي فالأحزاب تتحمل المسؤولية فيما وقع في البلاد.

لكن بعد عام ونصف العام من الانقلاب، أصبحت المسؤولية الأولى في عنق الحاكم المباشر. وبالتالي، لا يمكن القول إن قيس سعيد له الحق في تدمير البلاد لأن الأحزاب الحاكمة فشلت في العشرية الماضية، بل على العكس لقد أصبح الوضع أخطر من الوضع السابق.

إعلان

 

 

  • حاولت أحزاب معارضة مثل حركة النهضة و"الدستوري الحر" وغيرهما، قلب موازين القوى بالنزول إلى الشارع، لكن على أرض الواقع الرئيس لا يزال يشق طريقه، فإلى أين تتجه البلاد؟

عند حصول الانقلاب كانت الأحزاب معزولة وفشلت في أن تجمع الناس حولها لرفضه نتيجة فقدانها المصداقية أمام الجمهور، ونتيجة فشلها السابق في تحسين أوضاعهم. وبلغ فشل الأحزاب حد أن ينقلب شخص على الدستور بينما ترحب الناس به في الشارع.

لكن بعد مرور عام ونصف العام، أدرك الناس مع استمرار تدهور أوضاعهم أن قيس سعيد مجرد إنسان شعبوي مستبد وفاشل، ليس عنده ما يقدم لهم. وأنا متأكد من أن خطابه بدأ يهترئ، وبدأت شعبيته تتقلص، وأصبح سقوطه وشيكا ولن يدوم حكمه طويلا.

وحاليا نحن في مرحلة صراع مع السلطة لاستعادة الديمقراطية وإنقاذ البلاد اقتصاديا واجتماعيا، فإذا انتصر قيس سعيد سنعود للدكتاتورية، أما إذا انتصرنا فلا بد من وضع تصور توافقي في إطار حوار وطني لتعيين حكومة إنقاذ وبلورة خارطة طريق سياسية.

  • لماذا بقيت الأحزاب منقسمة رغم أنها متفقة على معارضة الرئيس؟

أعتقد أن هناك عدم وعي سياسي في تقييم خطر هذا الانقلاب الشعبوي، ولكن هناك سبب آخر في عدم توحدها وهو غياب نقد ذاتي لتجربتها في المرحلة السابقة؛ فعلى سبيل المثال لم تقم حركة النهضة التي تتحمل المسؤولية طيلة السنوات العشر الماضية، سواء كطرف أساسي في الحكم أو كأغلبية في البرلمان، بأي نقد ولم تغير خطابها ولا مسؤوليها وكأن شيئا لم يقع.

  • أعلن اتحاد الشغل عن بلورة مبادرة جديدة للخروج من الأزمة مع عدة منظمات كهيئة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، ما إمكانية قبول الرئيس بهذه المبادرة؟ وما مصيرها؟

لا أعتقد أن الرئيس سيتفاعل إيجابيا مع أشخاص يعتبرهم مختلفين عنه؛ فهو يعتقد أن اتحاد الشغل مثله مثل الأحزاب من جنس الأجسام الوسيطة التي يجب القضاء عليها. ولكن باعتبارها مرحلة انتقالية نحو الاستبداد سيقوم بذلك على مراحل.

إعلان

وهذا ربما سيدفع اتحاد الشغل مع شركائه للعودة للمجتمع السياسي للبحث عن حل مشترك. لكن مع الوضع الحالي المتحرك في تونس لا يمكن أن أجزم بشأن مصير تلك المبادرة التي بصدد التشكل.

  • في حال إرساء برلمان جديد، هل تعتقد أن البلاد ستتجه نحو شرعية دستورية جديدة أم ستظل في أزمة شرعية مع استئثار قيس سعيد بصياغة الدستور والقانون الانتخابي؟

شرعية البرلمان مطعون فيها منذ الدور الأول للانتخابات الماضية نتيجة نسبة المشاركة المتدنية. وفي الدور الثاني ستكون النسبة أقل. وبالتالي هذا البرلمان فاقد للشرعية ولن يدوم، ولا بد أن يتغير دوره وصلاحياته في الدستور، ويتغير أشخاصه لأنهم لا يمثلون الشعب التونسي.

  • تستعد المعارضة للتظاهر يوم 14 يناير/كانون الثاني الجاري بذكرى هروب بن علي، هل تعتقد أنها ستغير شيئا على أرض الواقع؟

الاحتجاج في ذكرى الثورة من قبل جميع الأطياف السياسية خطوة مهمة لنبرز للرأي العام التونسي والخارجي وللمستبد أنه معزول وليس له أي عمق شعبي. وسنستمر في النضال تحت الراية التونسية من أجل استعادة الحرية والديمقراطية وإنقاذ البلاد.

المصدر : الجزيرة

إعلان