165 ألف قطعة في قبضة "اليد الخلفية" لجيش الاحتلال.. ماذا يعني قرار تسليح المستوطنين؟
نابلس- أقدم مستوطن إسرائيلي متطرف مساء الجمعة الماضي على إطلاق النار صوب مجموعة من الشبان الفلسطينيين عند مدخل بلدة بيتا قرب مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية)، وأصابهم بجروح خطيرة، وكاد أن يوقع مجزرة جديدة، بعد مجزرة مخيم جنين التي راح ضحيتها 9 فلسطينيين دفعة واحدة.
وبشكل مباشر ومن مسافة أمتار، أطلق المستوطن 6 رصاصات من مسدسه نحو 5 شبان، فأصاب 4 منهم بمناطق متعددة في أجسادهم.
أنذرت هذه الحادثة بتصاعد خطر المستوطنين الذين يهددون حياة الفلسطينيين على الطرقات وفي أطراف القرى والبلدات بالضفة الغربية والقدس المحتلة، خاصة أنها تزامنت مع قرار للحكومة الإسرائيلية بمنح المستوطنين المزيد من السلاح بحجة تعزيز إجراءات حمايتهم، عقب عملية القدس الأخيرة التي نفذها خيري علقم وقتل فيها 7 إسرائيليين وجرح آخرين.
وسيشكّل تعزيز تسليح المستوطنين "صفارة انطلاق" جديدة لهم للانقضاض على الفلسطينيين أكثر، وفق خبراء قانونيين وأمنيين تحدثوا للجزيرة نت، وأكدوا أن هذا التوجّه سيؤجج الأوضاع ويفجرها، وسيزيد إرهاب المستوطنين.
وحسب تقديرات للجنة الأمن في الكنيست -نشرها موقع "شومريم" (المراقبين) الإسرائيلي مطلع يوليو/تموز الماضي- فإنه وحتى عام 2021 كان هناك 150 ألف قطعة سلاح بيد المستوطنين (700 ألف مستوطن بالضفة الغربية والقدس)، ومن المتوقع زيادتها 15 ألفا في عام 2023، لتصبح 165 ألفا أو أكثر.
نتنياهو يبحث عن مصلحته
ويقول مدير معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي نايف جراد إن تسليح المزيد من المستوطنين المسلحين والمدربين أصلا هو "تصريح لقتل الفلسطينيين من دون حساب"، ومحاولة لفرض الاحتلال سيطرة أكثر على المناطق الفلسطينية، خاصة أنه يترافق مع نظام الأبارتهايد (الفصل العنصري) الذي أقره الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي مؤخرا، والذي أصبح يُلحق المستوطنات بالأجهزة والمؤسسات السيادية الإسرائيلية.
ورأى جراد أن كل ما يقوم به الاحتلال مؤخرا من قتل واعتقال جماعي واستيطان وتهويد للقدس يدل على فاشية ونازية الحكومة الجديدة، ويكشف "حقيقة الاستعمار الصهيوني لدى العالم، ويفضح الحكومة وصورتها". وقال "إن كثيرا من الإسرائيليين أنفسهم باتوا يعتقدون أن الاحتلال يشوّه صورتهم وسمعتهم".
وبالنسبة لنتنياهو نفسه فقد يشكل هذا الإجراء (تسليح المستوطنين) حماية واستقرارا لحكومته، كونه تحالف مع عتاة المستوطنين اليمينيين المتدينين، ويريد أن يحافظ على ائتلافه من هذه التنظيمات المتطرفة ويكسبها لصالحه بأي ثمن.
أما الجيش الإسرائيلي فقد عبَّر -وفق جراد- عن "استيائه" من خطوة تسليحهم، لأن ذلك يخلق سلطتين: الجيش والمستوطنين، نتيجة تَدَّخُل رؤوس الائتلاف الحكومي -خاصة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير- في أمور الأمن القومي وسلطة جيش الاحتلال؛ وهو ما سيؤجج خلافات داخلية بين قادة الجيش والمستوطنين، وسيخلق تناقضات داخل المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، لأن الأوامر ستكون في هذه الحالة في يد السياسي ومجلس المستوطنات وليس من قبل قيادة الجيش.
ويقول جراد "ربما يصنع تسليح المستوطنين استقرارا داخليا لحكومة نتنياهو، لكن ذلك يجب أن يشكل إقليميا وعالميا فرصة للفلسطينيين لكشف حقيقة النظام الفاشي وانتهاكاته ضدهم".
ووفق موقع "غلوبال فاير باور" -المتخصص في توفير بيانات عن القوات العسكرية في مختلف الدول- يبلغ تعداد الجيش الإسرائيلي 187 ألف جندي نظامي و565 ألف جندي احتياطي.
رئيس الدائرة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي: تسليح المستوطنين لا يخيفنا وقرارات #نتنياهو لتهدئة الرأي العام الصهيوني#الجزيرة_مباشر #المسائية #القدس #خيري_علقم #محمد_عليوات pic.twitter.com/UedN5ufjCX
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) January 28, 2023
امتداد لنهج الجيش
يقول مدير مؤسسة "الحق" الفلسطينية لحقوق الإنسان شعوان جبارين إن تسليح المستوطنين نابع من اعتقاد راسخ وموقف ثابت يعبر عن أيديولوجيا الاحتلال وسياساته، كما أنه دعوة رسمية وتصريح حكومي لقتل الفلسطينيين وترهيبهم.
ويرى جبارين أنه "فعل ممتد لسياسة رسمية لحكومات الاحتلال تقوم على تدمير وتهجير وإعدام ممنهج للمدنيين الفلسطينيين الذين من المفترض حمايتهم كونهم أصحاب الأرض ويقعون تحت احتلال". مضيفا أن "الدم لا يمكن أن يأتي إلا بدم".
وحول أبعاد التسليح الجديد، قال جبارين إن الاستيطان والمستوطنين واقع غير قانوني أصلا في الأرض المحتلة، ولكن "تسليح المجرم تعزيز للجريمة، ومن يسلحهم أكثر إجراما".
واستبعد أن يعارض جيش الاحتلال والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية تسليح المستوطنين الذين تُرتكب الجرائم يوميا لأجلهم، بل سيخفف ذلك عن الجيش عناء الدفاع عن المستوطنين وقتل الفلسطينيين، ويفسح المجال للمستوطنين ليقوموا بالمهمة.
في المقابل، يقول جبارين إن المطلوب فلسطينيا تحويل هذا التوجه لعقدة تلتف حول رقبة الحكومة الإسرائيلية نتيجة سياستها ونهجها المتطرف، ويمكن إنجاح هذا بمشاركة المجتمع الدولي وبدعم القانون الدولي إذا توفرت الإرادة السياسية.
وفي رأي جبارين، على الفلسطينيين أيضا استغلال "فاشية" حكومة الاحتلال دبلوماسيا وسياسيا، خاصة أن سلوك حكومة نتنياهو يمكن أن يشكل "فرصة للانقضاض على سلوك الاحتلال ككل وسياساته ومستقبله أيضا".
تعزيز اليد الخلفية
من جانبه، يرى الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع أن دعوات التسليح للمستوطنين ليست جديدة، وأن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق جلعاد أردان حاول تنظيم المسألة بما يقدم السلاح لأكبر عدد من المستوطنين، وهذا بمثابة "تشريع لقتل الفلسطينيين الذين يعمل الاحتلال على نزع أي سلاح منهم".
وحول إذا كان "التسليح" يحرج الجيش الإسرائيلي أو حكومة الاحتلال، يقول مناع إن "المستوطنين -في الأساس- جزء من الجيش، ومن نظام التجنيد الإلزامي، كما أن أغلب المستوطنات فيها التيار الديني القومي الآخذ في الانتشار داخل المؤسسة العسكرية ويتغلغل بكل مفاصلها".
والأخطر أن هناك مستوطنات مثل "عيلي" و"شيلو"، الجاثمة على أراضي جنوب نابلس -مثلا- لديها مراكز تؤهّل المستوطنين لدخول جيش الاحتلال؛ وبالتالي "فالمستوطنون جزء فاعل ويمثلون اليد الخلفية للجيش".
وبالنسبة للحكومة، فإنها ترى أن المزيد من تسليح المستوطنين سيؤدي إلى "الفعل ورد الفعل"، وبالتالي يُصعَّد المواجهة مع الفلسطينيين، وهو ما لا يريده نتنياهو حاليا، وهو ما قد يفضي إلى حالة نزاع مع مركبات ائتلافه المكون من أحزاب يمينية تسعى إلى تأجيج الصراع أكثر.
ويقول مناع إن هذه الحكومة متطرفة، ويُنظر إليها عالميا -لا سيما الولايات المتحدة الأميركية- "بارتياب"؛ وبالتالي تتحمل جزءا من المسؤولية أمام أي تصعيد.
ويضيف الباحث "أن روسيا رفضت إدانة عملية القدس وعدّتها مثل مجزرة جنين الأخيرة"، وهذا بالنسبة لإسرائيل نقطة مهمة جدا في نظرة العالم إليها وفي علاقاتها الدولية.
وقتل المستوطنون وجيش الاحتلال خلال عام 2022 -وفق مركز معلومات فلسطين (معطى) 176 فلسطينيا بالضفة الغربية والقدس، إلى جانب 52 فلسطينيا قُتلوا في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، فضلا عن آلاف الانتهاكات والاعتداءات الأخرى.