بعد عمليتي القدس.. ما جديد الإجراءات العقابية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين؟

تعزيزات أمنية واسعة في القدس والضفة الغربية في سياق تشديد العقوبات على الفلسطينيين (رويترز)

رام الله- "إفلاس ودوران في حلقة مفرغة"، هكذا يصف مراقبون الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني، مؤكدين أن أغلب تلك الإجراءات مطبقة بالفعل، في حين رأى آخرون أنها تحاول "استرضاء المستوطنين".

وأمس السبت، أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينت) سلسلة إجراءات عدّتها السلطة الفلسطينية "عقوبات جماعية" ردا على عمليتي إطلاق نار في القدس قُتل فيهما 7 إسرائيليين يومي الجمعة والسبت.

ومن الإجراءات المعلنة الإغلاق الفوري لمنزل عائلة الشهيد خيري علقم، منفذ عملية الجمعة "تمهيدا لهدمه"، وحرمان عائلات منفذي العمليات من التأمين الوطني، وسحب بطاقات الهوية الخاصة بسكان القدس (هوية مقيم) من عائلات منفذي العمليات.

كما قرر أيضا تسريع وتوسيع نطاق منح تراخيص حمل الأسلحة النارية للإسرائيليين، وتعزيز الإجراءات الأمنية في المستوطنات، وتعزيز وجود الشرطة والجيش وسن حملات لجمع أسلحة "غير مشروعة".

وتأتي قرارات "الكابينت" الإسرائيلي قبيل زيارة للمنطقة يستهلها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بمصر اليوم الأحد، ثم إسرائيل والضفة الغربية، كما يواصل مدير الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وليام بيرنز محادثاته لوقف التصعيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

مقاربة أمنية لملف سياسي

في هذا السياق، يقول الباحث السياسي أشرف بدر إن ما تنشره الحكومة الإسرائيلية ليس هو كل ما تقرره "لأن مقص الرقيب العسكري لا يسمح بنشر كل شيء".

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى بدر أن الإجراءات العقابية تؤكد أن "حكومة الاحتلال تراوح مكانها وتستخدم أدوات مستخدمة، ولا حل لديها سوى استخدام مقاربة أمنية لحل قضية سياسية"، مضيفا أنه "ما دامت أفعال الاحتلال مستمرة، تستمر معها رود الأفعال الفلسطينية".

ويقول بدر إن العقوبات الإسرائيلية تعكس "حالة دوران في حلقة مفرغة من خلال مقاربة قائمة على منطق العنف والقوة الاستعماري"، مرجحا أن تتجنب إسرائيل التصعيد خلال زيارة بلينكن، حتى لا يؤثر الوضع الميداني على دفء العلاقة الأميركية الإسرائيلية.

ومع ذلك، يتوقع أن تفرض الأحداث الميدانية نفسها على الأرض "من خلال محاولة اليمين الإسرائيلي المتطرف أن يَظهر كأنه لا يخضع للتوازنات الدولية كغيره من الأحزاب".

إفلاس

من جهته، يقول الكاتب المقدسي راسم عبيدات إن الإجراءات الإسرائيلية ليست جديدة، وسبق أن اتخذت بحق عائلات فلسطينية مقدسية.

وأضاف عبيدات في حديثه للجزيرة نت "لا أعتقد بوجود شيء جوهري في قرارات الكابينت، وكل ما ورد سياسة إسرائيلية ممنهجة ودائمة ضد شعبنا، أساسها التعامل معه ومع مقاومته من فوهة البندقية والدبابات والطائرات".

وتابع أن جزءا كبيرا من الإجراءات الإسرائيلية معمول به فعلا؛ كإغلاق وهدم بيوت الشهداء وسحب التأمين الصحي والوطني، مشيرا إلى سحب هويات 11 فردا من عائلة قَنبر في القدس، بعد عملية لأحد أبنائها عام 2017.

ويرى عبيدات أن السلطات الإسرائيلية مارست وتمارس الإبعاد، مثل إبعاد 3 نواب ووزير عن القدس بعد فوزهم في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وأخيرا الناشط الحقوقي صلاح الحموري الذي أبعد إلى فرنسا في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وعن تعزيز القوات ومد المستوطنين بالسلاح، قال عبيدات إن ذلك مطبق من خلال تشكيل ما يسمى "الحرس الوطني" الذي بدأ التجييش له بعد الهجوم على غزة في "معركة سيف القدس" في أغسطس/آب العام الماضي.

إعادة إنتاج الإجراءات العقابية يعدّها الكاتب الفلسطيني بمثابة "إعلان إفلاس للحكومة الإسرائيلية، ومحاولة منها لاسترضاء المستوطنين وإقناعهم بأنها توفر لهم الأمن والحماية، في ظل ما يعيشونه من حالة قلق وخوف".

ويتوقع عبيدات أن المنطقة مقبلة على تصعيد قد يبلغ أوجه في شهر رمضان، الذي تتقاطع مع الأسبوع الأخير من الأعياد اليهودية.

"هذه الحكومة تريد أن تحسم الصراع من خلال القوة، معتقدة أن الظروف والبيئة الإقليمية والدولية والانهيار العربي الرسمي؛ عوامل توفر لها الإمكانات لإخماد المقاومة وصولا إلى رمضان آمن"، وفق عبيدات.

واستبعد الكاتب أن تقود المساعي الأميركية في المنطقة إلى التهدئة التي تسعى لها للتفرغ لملفات إقليمية أخرى.

الإدارة الأميركية شريكة

على الصعيد السياسي، عقدت القيادة الفلسطينية اليوم الأحد ثالث اجتماع لها في غضون أيام، ناقشت فيه التطورات الميدانية والقرارات الإسرائيلية، وفق ما صرح به للجزيرة نت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف.

وفي تعقيبه على الإجراءات الإسرائيلية -قبيل وصول الوزير الأميركي- قال أبو يوسف إنها "ليست جديدة ومحاولة أخرى لكسر إرادة الشعب الفلسطيني من قبل حكومة تضرب بعرض الحائط كل الانتقادات وردود فعل المجتمع الدولي".

ورأى أن الإدارة الأميركية "شريكة مع الاحتلال في كل ما يتعلق بهذا التصعيد، لأنه لا توجد إدارة تنفذ ما تتحدث عنه، وتلزم الاحتلال بما يمكن أن يشكل واقعا للتغيير"، وفق تعبيره.

وتوقع أبو يوسف مزيدا من التصعيد على الأرض، معتبرا أن قرار تسليح المستوطنين "رخصة وضوء أخضر لتنفيذ القتل".

وأكد أنه من دون "عقوبات على الاحتلال وإلزامه بقرارات الشرعية الدولية ووقف التصعيد، فإن الحكومة الإسرائيلي ستواصل جرائمها مستندة إلى برنامج ينفي حتى وجود الشعب الفلسطيني".

وأشار إلى مضي القيادة الفلسطينية في تنفيذ عدة قرارات اتخذتها الخميس الماضي ووفق 7 آليات عمل.

وفي اجتماع الخميس الماضي، قررت القيادة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لإضافة ملف مجزرة جنين إلى الملفات السابقة التي تورط فيها الاحتلال، وفق ما أعلنه الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة.

المصدر : الجزيرة