مبادرة مصرية للتسوية السياسية بالسودان.. لماذا رفضتها قوى الحرية والتغيير؟

البرهان اكد خلال لقائه سفير مصر بالخرطوم هاني صلاح متانة العلاقات السودانية المصرية- صورة لاعلام مجلس السيادة_auto_x2
البرهان أكد خلال لقائه سفير مصر بالخرطوم هاني صلاح متانة العلاقات السودانية المصرية (صفحة مجلس السيادة في السودان)

الخرطوم – القاهرة – تشهد الخرطوم ارتباكا سياسيا على خلفية مبادرة عرضتها القاهرة بشأن استضافة فصائل القوى السياسية لبحث مسارات تقريب وجهات النظر، وإلحاقها جميعا بالاتفاق الإطاري الذي وقّعه قادة الجيش مع ممثلين للحرية والتغيير وقوى سياسية ومدنية أخرى.

ولا توجد حتى الآن تفاصيل حول المبادرة المصرية باستثناء تقديم القاهرة دعوات لعديد من الأحزاب والتيارات السياسية للاجتماع في مصر خلال الفترة من الأول إلى الثامن من فبراير/شباط المقبل، والمشاركة في ورشة تحت عنوان "آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع".

وبدأت التحركات المصرية بالتقاء رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل في الخرطوم مطلع هذا الشهر مسؤولين في مجلس السيادة وقوى سياسية مختلفة، حيث قدّم مبادرة القاهرة، وواصل بعدها السفير المصري في الخرطوم هاني صلاح بلقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان.

وقال صلاح في تصريحات تلفزيونية عقب لقائه مع البرهان، إنه تحدث عن المبادرة المصرية (بدون الكشف عن تفاصيلها) لإيجاد تسوية سياسية سريعة على الساحة السودانية، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق مع رئيس مجلس السيادة على توضيح تلك العناصر بشكل أكبر وبصورة فاعلة لمختلف الدوائر الرسمية والإعلامية والشعبية بالسودان.

في المقابل، ردت "قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي" (الائتلاف الحاكم السابق) في بيان برفض المبادرة، ووصفتها بأنها حشد لقوى الثورة المضادة لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي، ولفت البيان إلى أن الاتفاق الإطاري وضع أساسا جيدا لعملية يقودها ويمتلكها السودانيون، وشكلت اختراقا في مسار استرداد التحول المدني الديمقراطي، مما يجعل الورشة متأخرة وقد تجاوزها الزمن فعليا.

الكتلة الديمقراطية

في هذا السياق، قال مسؤول في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الذي يعارض الدعوة المصرية) إن الاجتماع برئيس المخابرات المصرية كان صريحا، حيث تحدث فيه قادة التحالف عن عدم الحاجة للذهاب للقاهرة بعد توقيع الاتفاق الإطاري الذي حظي بدعم الأمم المتحدة وكل العواصم الأوروبية والولايات المتحدة، بجانب السعودية والإمارات وبريطانيا.

وأفاد المسؤول للجزيرة نت بأن قياديا في التحالف انتقد الموقف المصري بشكل واضح، وأن القاهرة لم تستطع أبدا التعامل مع أوضاع السودان السياسية بشكل صحيح على مر الحقب، وأبلغه كذلك أن على القاهرة دعم الاتفاق الإطاري والتواصل مع أطراف اتفاق السلام لإقناعها بالانضمام للاتفاق، وأن الحرية والتغيير لن تجلس مع كتل مصنوعة، في إشارة إلى فصيل قوى الحرية والتغيير المعروف باسم الكتلة الديمقراطية.

وتضم الكتلة الديمقراطية عدة قوى سياسية أبرزها الحزب الاتحادي بزعامة محمد عثمان الميرغني، بجانب حركتين مسلحتين هما: العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي.

ووفق معلومات حصلت عليها الجزيرة نت في الخرطوم، فإن التحركات المصرية تسعى لإلحاق الكتلة الديمقراطية وقوى أخرى بالاتفاق، وهو ما تعارضه "الحرية والتغيير- المجلس المركزي" بوصفه إغراقا للعملية السياسية بدلا من توسيعها بحشد قوى الثورة ومؤيدي الانتقال الديمقراطي.

إغراق العملية السياسية

ويرى الريح صادق القيادي في "الحرية والتغيير- المجلس المركزي" أن القاهرة "تريد أن تغرق العملية السياسية بإدخال أطراف ليست لها مصلحة في الانتقال المدني الديمقراطي"، وفق وصفه.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف صادق أن القاهرة "في أفضل الأحوال تريد أن تجعل لها موالين داخل العملية السياسية حتى تضمن مصالحها من خلالهم"، ويرجح صادق ألا تكون القاهرة من المحطات التي تعتزم الحرية والتغيير زيارتها خلال الفترة المقبلة ضمن عواصم عديدة لدفع الاتفاق الإطاري، قائلا "أعتقد الآن في ظل هذه التطورات ربما سيتم تأجيل زيارة القاهرة لوقت آخر".

أما شهاب الطيب القيادي في "الحرية والتغيير-المجلس المركزي"، فيعتقد أن الموقف المصري يتحرك من مخاوف غير واقعية، معتبرا أن موقف القاهرة بحاجة لنقاش متعمق على المستويين الرسمي والشعبي لتفهم مشروع التغيير في السودان، والمخاطر المترتبة على العملية السياسية حال إغراقها بأطراف عديدة.

ومع ذلك يقلل شهاب -في حديثه للجزيرة نت- من الخلاف بين الحرية والتغيير والموقف المصري، ويعتبره أقل من المصالح التي يمكن أن تجمع الطرفين باعتبار أن التغيير في السودان "كان على نظام الإخوان المسلمين والإسلام السياسي الذي ظل يشكل خطرا على البلدين".

أهداف مصرية

من الجانب المصري، اعتبرت أسماء الحسيني الكاتبة الصحفية المتخصصة في الشأن السوداني، أن "رغبة مصر في استعادة الاستقرار في السودان هي على قائمة أولويات سياساتها الخارجية نظرا لطبيعة العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين، ودورها في المرحلة الحالية ينصب على تجاوز الخلافات والعقبات بين الأطراف السودانية في ظل حالة الاستقطاب والتجاذب السياسي".

وبشأن الهدف من عقد ورشة القاهرة للأطراف السودانية، أوضحت الحسيني أنها تهدف إلى تحقيق أوسع قدر من التوافق للتغلب على الانقسام والتجاذب والاستقطاب السائد، ورغم توقيع الاتفاق الإطاري في السودان فإن هناك معارضين له، والقاهرة تحاول تعزيز أكبر قدر من التوافق حول المرحلة الانتقالية القادمة حتى لا تتعرض إلى انتكاسة كما حدث مع المرحلة الانتقالية السابقة التي انتهت بالإخفاق وفض الشراكة بين المكونين المدني والعسكري.

لكن الحسيني توقعت -في حديثها للجزيرة نت- أن تلغي القاهرة الورشة بعد رفض قوى الحرية والتغيير المشاركة؛ لأنها طرف رئيسي في أي مفاوضات.

وأكدت أن المبادرة المصرية لا تسعى إلى فتح مسار جديد للتسوية، إنما تسعى إلى تعزيز المسار القائم، وأن يكون على أسس أكثر متانة ويكون مدعوما بتوافق واسع، وبيان الرفض من قبل المجلس المركزي ليس موجها إلى مصر، مشيرة إلى أن محاولة الأمم المتحدة في دفع الأطراف السودانية للوصول إلى اتفاق أخفقت في وقت سابق.

ورأت الحسيني أن دعم مصر للسودان واستقراره ليس مرتبطا بنجاحها في عقد الورشة من عدمه، وبالتالي سوف تواصل القاهرة دورها في إرساء الأمن والاستقرار في جميع ربوع البلاد، والأمر يتوقف على نجاح الأطراف السودانية في التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة وتستوعب أطرافا عديدة.

ووفق بيان قوى الحرية والتغيير، اعتبرت القوى أن "الورشة تمثل منبرا لقوى الثورة المضادة. يأملون أن يحتشدوا فيه لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي، هذه القوى مرتبطة بالنظام البائد الذي أضرت سياساته بالبلدين وشعبيهما".

المصدر : الجزيرة