"القوات الأميركية صديقة للعراق".. هل يدفع السوداني ضريبة تصريحاته الأخيرة للصحافة الغربية؟

السوداني يواجه انتقادا من الإطار التنسيقي بعد وصفه القوات الأميركية بالصديقة (الصحافة العراقية)

رحب رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مؤخرا بوجود القوات الأميركية في العراق ووصفها "بالصديقة"، مما فتح الباب أمام عدة سيناريوهات إزاء مستقبله وطبيعة وضعه السياسي داخل تحالف الإطار التنسيقي المسيطر على البرلمان الذي أوصله إلى سدة الحكم، لا سيما أمام قادة الإطار المؤثرين المطالبين بإخراج تلك القوات، تنفيذا لقرار سابق لمجلس النواب.

وفي حديث لوسائل إعلام غربية في أثناء زيارته إلى ألمانيا الأسبوع الماضي، وحديثه لصحيفة أميركية بعدها، وصف السوداني القوات الأميركية بـ"الصديقة" مع تأكيده حاجة بلاده إليها في مكافحة "الإرهاب"، وتحديدا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، واستمرار التعاون مع واشنطن على مختلف الأصعدة.

السوداني مستقبلا ماكغورك في بغداد قبل يومين (الصحافة العراقية)

انزعاج الإطار ووصول ماكغورك

ويبدو أن تصريحات السوداني عن القوات الأميركية -لقناة دويتشه فيله الألمانية خلال زيارته لألمانيا الأسبوع الماضي، ولصحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) الأميركية- أزعجت بعض قادة الإطار، خاصة ممن يوصفون بالصقور، ومن أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي المطالبين بإخراج القوات الأميركية.

ويأتي ذلك بالتزامن مع استقبال السوداني وفدا أميركيا برئاسة مبعوث الرئيس الأميركي ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، إذ بحث الطرفان مجمل العلاقات بين العراق والولايات المتحدة، وسبل تعزيزها وتنميتها على مختلف الصعد والمجالات.

وكان البرلمان العراقي صادق عام 2020 على قرار طالب فيه الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية في البلاد وتحديدا الأميركية منها، وذلك بعيد اغتيال واشنطن -بطائرة مسيرة- نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني عند خروجهما من مطار بغداد الدولي يناير/كانون الثاني 2020.

طبيعة الخلافات

وقبيل أيام من زيارة السوداني لألمانيا وحديثه عن الوجود الأميركي، سُربت أنباء تفيد بوجود خلافات حادة بين رئيس الوزراء وبعض قادة الإطار حول آلية إدارة الحكم، فضلا عن عقد وتوقيع الاتفاقيات السياسية والأمنية والاقتصادية.

هذه الأنباء يؤكدها مصدر مسؤول في مكتب السوداني، إذ يقول "إن جوهر الخلاف بين السوداني وبعض قادة الإطار تعود إلى محاولة الأول أن يثبت نفسه بوصفه رجل دولة، وأنه يتعامل بطريقة مؤسساتية إزاء الأحداث والملفات المهمة لتنفيذ الوعود التي أطلقها في أثناء تشكيل حكومته، ومن أبرزها إجراء انتخابات مبكرة، وأن يكون عمر حكومته عاما واحدا على عكس رغبة بعض قادة الإطار الذين يريدون أن تكمل الحكومة عمرها، فضلا عن رغبتهم في أن يكون السوداني موظفا تحت إمرتهم".

وفي حديث حصري للجزيرة نت، اشترط خلاله المصدر عدم التصريح باسمه، أشار إلى تعرض السوداني لضغوط كبيرة في ما يتعلق بوجود القوات الأميركية، لا سيما من قبل بعض الفصائل المسلحة، مثل كتائب حزب الله والنجباء وأخرى، موضحا أن وجهة نظر السوداني تذهب باتجاه لا يود فيه أن تتحول واشنطن إلى عدو لحكومته في حال طالب بإخراج قواتها على الفور، وهذا ما قد يعني، حسب المصدر، أن تكون الأطراف المعارضة للوجود الأميركي ندا للسوداني خلال الأشهر القليلة المقبلة، وفق تعبيره.

وفي ما يتعلق بطبيعة الخلافات بين السوداني من جهة والخزعلي والمالكي من جهة أخرى، يوضح المصدر أنه "على المستوى السياسي، يسعى الخزعلي ليكون الداعم الأقوى للسوداني من نظيره المالكي"، كاشفا عن وجود توجه داخل الإطار لجعل السوداني الرجل الشيعي الأقوى في المشهد السياسي العراقي بعد أن سيطر المالكي لسنوات طويلة على المشهد السياسي.

البياتي: حكومة السوداني تسعى لبناء شراكة وعلاقة صداقة طويلة الأمد مع واشنطن (الجزيرة نت)

 دلالات

في غضون ذلك، يرى الباحث السياسي علي البياتي أن وصف السوداني للقوات الأميركية "بالصديقة" ليس سوى دلالة واضحة ومهمة حول طبيعة العلاقة التي تسير عليها حكومته للتعامل مع هذا الملف الشائك، وأنه يسعى لبناء شراكة وعلاقة صداقة طويلة الأمد مع واشنطن.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتوقع الباحث (المقرب من السوداني) ألا يمضي تطلع السوداني بشكل هادئ مع الجهات المسلحة الرافضة للوجود الأميركي التي تُطالب بإنهاء وجودها عسكريا، مضيفا بالقول "سيودي ذلك إلى اختلاف في وجهات النظر بين القوى الداعمة للسوداني داخل الإطار، وخلافات قد تصل إلى القطيعة مع جهات أخرى خارج الإطار".

السوداني والتيار الصدري

ربما لا تبدو خلافات الإطار مع السوداني جديدة، وذلك حسب وصف المحلل السياسي مجاشع التميمي الذي يرى أن السوداني تمرد على بعض المواقف، معلقا "موقف الإطار من بعض القضايا عقد المشهد، ورئيس الحكومة يريد أن يكون رجل دولة، وهذا لا يتحقق إلا باتخاذ مواقف تخالف رؤى القوى السياسية التي تريد الحصول على مزيد من المغانم على حساب المال العام، ولذلك فإن الإطار يريد إعادة نسخة رئيس مجلس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي".

وحسب التميمي، فإن السوداني يُدرك خطورة بعض القرارات التي تُريد بعض قوى الإطار اتخاذها كانسحاب القوات الأميركية ومعاداتها، وبالتالي، كان موقفه مختلفا في قضايا مهمة، كقضية الدولار والوجود الأميركي وغيرها.

وعن احتمال أن يتجه السوداني إلى الصدر لتعزيز موقفه وسعيه لإجراء انتخابات مبكرة لكسب ولاية ثانية في حال خسر دعم القادة المؤثرين داخل الإطار، فإن التميمي لا يتوقع أن تكون هناك علاقة بين الجانبين، مضيفا أن "الصدريين خارج البرلمان، ولن يفيدوا السوداني في حال انقلب الإطار عليه، إلا أن رئيس الوزراء يدرك صعوبة المشهد في حال توترت العلاقة مع الصدريين في الشارع".

حصرية - استاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل - محمود عزو
عزو: الخلافات باتت تظهر جليا بين السوداني وقادة الإطار (الجزيرة نت)

تكرار سيناريو الكاظمي

ويبدو أن رأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو متفق مع رأي التميمي في ما يتعلق بتوتر العلاقات داخل الإطار، إذ يوضح أن "الخلافات باتت تظهر جليا بين السوداني وقادة الإطار، وتحديدا المالكي والخزعلي وهما من الأجنحة الأساسية داخل الإطار، بالإضافة إلى هادي العامري وفالح الفياض اللذين يحاولان التوجه نحو خيار وسطي داعم لحكومة السوداني تحديدا".

وفي حديثه للجزيرة نت، يصف عزو خيارات السوداني بأنها ليست بالهينة في المراحل القادمة، لا سيما في حال استمرار أزمة صعود الدولار أمام الدينار والأزمات الأخرى، مبينا أن ما يحتاجه رئيس الوزراء ليس دعما شعبيا فحسب، بل دعما سياسيا أيضا من أجل الاستمرار في الحكم، حسب قوله.

وفي حال غياب الدعم السياسي، حسب عزو، سيفتقر السوداني لأهم عناصر الدعم المتمثلة بمجلس النواب، ففي حال فقد الأخير الدعم السياسي والنيابي، فإن حكومته ستتحول إلى تصريف الأعمال، بما يجعلها معطلة من الناحية العملية، بما يعني عدم قدرتها على إنجاز أي مشروع قانون أو التصرف بالأموال المتاحة، في مشهد يستدعي تكرارا لسيناريو رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي ظلت حكومته مُقيدة نحو عام كامل حتى بعد إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ويُسلط أستاذ العلوم السياسية الضوء على خيارٍ آخر يتمثل في مواجهة السوداني للمصاعب السياسية من خلال لجوئه لإشغال الكتل السياسية بانتخابات مجالس المحافظات، إذ كان اقترح إجراءها أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

النائب رفيق الصالحي (الجزيرة)
الصالحي نفى وجود أي خلافات بين الإطار ورئيس الوزراء (الجزيرة نت)

ماذا يقول الإطار؟

وبالانتقال إلى الجانب الآخر، فإن عضو مجلس النواب عن كتلة صادقون المنضوية تحت الإطار التنسيقي النائب رفيق الصالحي، ينفي وجود أي خلافات بين الإطار ورئيس الوزراء، معلقا "الإطار التنسيقي يحث السوداني على العمل بالاتفاقيات التي أبرمت بين الإطار والكتل السياسية لتشكيل الحكومة".

وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد النائب الصالحي أن الإطار متماسك ولا يزال داعما للسوداني الذي صوتت عليه مختلف الكتل الشيعية والسنية والكردية داخل البرلمان حتى تصل حكومته بر الأمان، مع الإقرار بوجود عبء كبير على السوداني الذي يقود حكومة تواجه كثيرا من التحديات، بحسبه.

المصدر : الجزيرة